​​​​​​

زنجبار مدينة أشباح وانعدام الخدمات أعاق عودة النازحين

لم يكن لدي تصور عن حجم الدمار والوضع العام في المدينة لكن نظرة واحدة فقط إلى الطريق المؤدي إلى مكتب زنجبار كانت كفيلة ببعث القلق والمخاوف لدينا

ملف أعده/ عادل خدشي ووائل القباطي تصوير/ عبدالقادر بن عبدالقادر

في مدخل مدينة زنجبار بعد تجاوز الجسر والجولة التي يتفرع منها الطريق إلى جعار، ثمة ما شد ناظري فجأة إلى البعيد، إلى عمق مدينة زنجبار، لحظتها لم يكن لدي تصور عن حجم الدمار والوضع العام في المدينة لكن نظرة واحدة فقط إلى الطريق المؤدي إلى مكتب زنجبار كانت كفيلة ببعث القلق والمخاوف لدينا، خصوصاً أن لا سيارات ولا مظاهر لأي حركة لمواطنين قادمين من الجهة المقابلة، ناهيك عن جرعة الرعب التي سبق أن صدمنا بها خلال مرورنا في منطقة الكود المدمرة، حيث وقفنا مذهولين أمام أكثر من (300) منزل في القرية طالها الدمار، قبل أن نفيق لنحرك عدسات الكاميرات بين الأطلال وبقايا المنازل التي تحولت إلى أكوام من الخرسانة.

في تمام الساعة الـ 8 صباحاً كنا قد وصلنا إلى منطقة الكود بمنازلها ذات الطابق الواحد في الغالب، رغم تلاصق المنازل وتقاربها اضطررنا أكثر من مرة إلى ركن الحافلة التي تقلنا جانباً لتوثيق الخراب، والتقاط صور لأكوام الحجارة والأسمنت التي كانت منازل ذات يوم قبل أن تسوى بالأرض.

الكود.. من هنا مر الشياطين الحمر

أبشع مناظر الدمار صادفتنا في منطقة الكود القرية الواقعة في مداخل مدينة زنجبارفقد دفعت ثمن موقعها باهظا وفيها دارت رحى المعارك طوال الفترة الماضية.. منازل القرية ا لمتواضعة ذات الدور الواحد في الأغلب والمتقاربة تحولت إلى إطلال فالقصف لم يستثن بيتاً في المنطقة، ناهيك عن تدمير منازل بالكامل وبالكاد صادفنا عدداً من المواطنين ليسردوا للقراء تفاصيل مأساة الكود في عدد لاحق.


يقول سعيد صالح عبدالله مفتاح من أبناء منطقة الكود بحرقة: هجرنا بيوتنا قسرًا بسبب هؤلاء ( أنصار الشياطين الحمر)، هم الذين قاموا بهذا الدمار والتخريب للبنية التحتية للمحافظة، وقاموا بقتل الأنفس البشرية من دون وجه حق، وتسببوا في نفوق العديد من المواشي، أما القتل فحدث ولا حرج.

ويتساءل: أي أخلاق وأي دين هذا؟ زرعوا الألغام في الأزقة والحواري في منطقة الكود الآمنة وخلف أبواب الأهالي الطيبين المسالمين الذين لم يتوقعوا هذا الأسلوب الهمجي من أناس يعتقدون أنهم أسوياء.. لكننا وجدناهم أغبياء.. فلا عقل لهم ولا دين ولا مذهب إلا القتل حسب التوجيهات الموجهة إليهم بالهاتف الجوال.. فنقول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.

الجيش يزود المواطنين بالمياه

المواطن عبدالله باشجيرة من منطقة الكود قال: خمس أسر فقط تقطن في منطقة الكود حاليا بعد ان كانت أكثر من (300) أسرة، ومئات المنازل تعرضت للقصف والتدمير وزرعت فيها الألغام، لا ماء ولا كهرباء ولا

خدمات .. كان الجيش يأتي بالماء للخزان، وبعدها خرب الخزان فرفضوا جلبه لنا لتعبئة (الدباب) .

الأسبوع الماضي عاد عبدالله باشجيرة من عدن بعد نزوحه اليها، يقول: عدنا منذ (3 أيام) كنا نازحين بعدن، وعددنا 5 أفراد، قذائف سقطت على المنزل ودمر فيه الحمام، وسرق الشباك وميابر قاربنا، كما سرقوا ماكينة بينما نجت المكينة الثانية لأنه تم دفنها.

مشيرا إلى ان مخاوف الناس ما تزال قائمة بسبب الألغام المنتشرة في كل أرجاء أبين والحركة مشلولة، يقوم الجيش بتزويدنا بالمياه، لكن ليس بالشكل المطلوب لا نحصل إلا على الشيء اليسير منه وكذا المواد الغذائية.

من البيت الأبيض أديرت (ولاية أبين)

أول مكان عرجنا إليه في مدخل مدينة زنجبار، كان مبنى ديوان محافظة أبين ذا الهيكل الخرساني الضخم الرابض في مدخل المدينة والذي يطلق عليه البعض (البيت الأبيض) كان أكثر ما شدنا خلال تجولنا في مدينتي زنجبار وجعار هو دخول المبنى والتجول في طوابقه المختلفة، هناك حيث كان عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي يديرون (ولاية أبين) وينظمون شئونها وقبل ذلك يعتقلون المواطنين ويحاكمونهم
وينفذون فيهم الإعدامات أيضاً.

في بوابة المبنى كان يقف طقمان تابعان للنجدة، واستقبلنا الجنود بابتسامات ودودة قبل أن يصطحبونا إلى داخل المبنى، حيث الخراب طال كل زاوية وحيثما توجهت بنظرك، حتى مجسم أسماك القرش الذي يتوسط المبنى تم تدميره، فيما لا تجد مكاناً في المبنى المكون من 3 طوابق إلا وطاله القصف والدمار.

أحرقوا كل شيء قبل فرارهم

في البوابة الداخلية للمبنى كانت الأبواب، والنوافذ قد نزعت ونهبت وكذا المكاتب فيما تبعثرت أكوام السجلات التابعة للمحافظة في كل مكان.

وأكد لنا الجنود أن المكان آمن ويتم تمشيطه وأنهم لم يجدوا أي شيء يذكر عند اقتحامهم المبنى بعد فرار عناصر القاعدة، لكن أكثر ما لفت انتباهنا هو بقايا آثار الحريق في البدروم وحسب رواية الجنود فإن الإرهابيين عند فرارهم بعد تضييق الخناق عليهم جمعوا كل الوثائق والسجلات التي بحوزتهم وقاموا بإحراقها في بدروم مبنى المحافظة حيث التهمت النيران كل شيء بما في ذلك الأرفف الحديدية
التي وجدنا ما تبقى من هيكلها.

ومن الجنود إلى الساحة الخلفية لمبنى المحافظة هناك كانت تربض محطة مولدات كهربائية مكتملة بحجم ( كونتينر) كانت ما زالت مغلقة من بعض الجوانب ولاحظنا أنه تم فتح الأغطية من بعض الجهات وانتزاع قطع منها ، قال الجنود بحزن إن حقد الإرهابيين على أبين وصل إلى درجة أنه صعب عليهم أن يتركوا شيئاً صالحاً للاستخدام فقاموا بنزع بعض القطع من المحطة الكهربائية بهدف تعطيلها فقط،

إيش من انتقام هذا ؟! بهذا التساؤل لخص أحد الجنود الأمر فاكتفيت بالإيماء له برأسي موافقا وكنا نشارك ذات الألم على ما حل بأبين من دمار.

مدينة أشباح

عند مغادرتنا مبنى المحافظة أكد لنا الجنود أن المدينة آمنة فاكتفينا بذلك معتقدين أنه سيكون أمامنا الكثير من الوقت لإجراء لقاء ومقابلات ونقل صورة عن الحياة العامة في المدينة ،كما حدث معنا في مدينة جعار .

في منتصف الطريق المؤدي إلى وسط مدينة زنجبار استقبلتنا لجنة شعبية مكونة من 5 مسلحين أكتفوا بالإشارة لنا بالمرور وعندما وصلنا وسط المدينة كان الخراب والدمار في كل مكان بدءاً من الجولة التي تتوسط المدينة ومروراً بالمرافق الحكومية المجاورة لها ومنزل الشيخ طارق الفضلي الذي نال نصيباً وافراً من القذائف وكذا مبنى الأمن السياسي الذي كان عبارة عن سجن لعناصر (القاعدة) وسوته القذائف بالأرض.

إغلاق كامل

وصلنا إلى سوق المدينة، كنت قد زرته قبل عامين وكان مكتظاً بالمحلات التجارية والعربات وحتى الأرصفة، وجزء من الشارع تتقاسمه العربات والبسطات، لكننا لم نصادف أحداً باستثناء إمام المسجد الذي دعانا إلى الدخول لتصوير الخراب الذي لحق بالمسجد ولاحقاً صادفنا أحد المواطنين ووافق على التحدث إلينا دون ذكر اسمه.

قال لنا المواطن الذي التقيناه في سوق زنجبار ان شبكة الكهرباء في المدينة منتهية تماماً وتم نهبها وتخريبها بالكامل ويحتاج إصلاحها إلى فترة طويلة جدا، وكذا الحال بالنسبة للمياه والبنية التحتية التي انتهت بالكامل، مؤكداً ان الأسر التي نزحت لا تفكر بالرجوع إلى المدينة في ظل هكذا وضع.

أسرة واحدة فقط عادت

خلال ما يقارب ربع ساعة فقط تجولنا فيها في زنجبار بالكامل لم نجد ما يمكن أن نكتبه عنها أكثر من أنها مدينة أشباح فنادراً ما تصادف شابين أو ثلاثة في أحد الأزقة أو سيارة مارة والجميع رفض الحديث ليس خوفاً بل يأساً وأكدوا لنا أنه منذ إعلان تطهير مدينة زنجبار ينتظر الأهالي إصلاح الخدمات ، وبدء الجهات الحكومية بالإعمار وعودة السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية لكن شيئاً من ذلك لم يحدث ، مسؤولون يمرون بسياراتهم الفارهة معززين بالأطقم العسكرية لالتقاط الصور فقط ثم يغادرون ، الشباب الذين التقيناهم أكدوا لنا أن أسرة واحدة فقط عادت إلى المدينة نتيجة النزوح القاهر متسائلين لماذا يعودون ؟ لا ماء ولا كهرباء ولا خدمات ولا إعمار !! أجابوا بمرارة ويأس طافحين.