الفنان المسرحي الكبير علي السعدي في ذمة الله
من : نزار القيسي بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره و يملؤها الحزن والاسى تلقينا نبأ وفاة المغفور له بإ...
كتب/ عفيف السيد عبد الله
بعد مئة عام من إحتلال مدينة عدن، بالتمام والكمال، بدأت بريطانيا العظمى، ولأول مرة، وضع خطة للتعليم في مستعمرة عدن، في نهاية عام 1948. وفي ذلك الحين كان التعليم الأهلي والخيري هو السائد، مع ذلك، لم تتناوله الخطة ككل بالرغم من فروقاته المتباينة مع التعليم الحكومي وشملت المخصصات بناء ثلاثة مدارس ومدرستان للأولاد ومعهد فني وكلية عدن (مدرسة ثانوية للبنين). ومن بين نتاج الخطة، في عام 1952 جاءت كلية عدن الحسنة الوحيدة التي تستحق الإنتباه وشملت نتاج الخطة أيضا كلية حكومية أخرى للبنات في خور مكسر، وثالثة خاصة بأبناء وبنات الإنجليز (كلية التربية حاليا) والمعهد الفني الذي موله رجل الأعمال الفرنسي الأصل مسيو البس. لكن كلية عدن ربما كانت الأكبر والأفضل ليس في عدن فحسب وإنما على مستوى إقليم الشرق الأوسط وشمال افريقيا. فقد تميزت بجودة التعليم فيها، وبعلاقاتها الأكاديمية مع جامعة لندن، وكادر تعليمي مؤهل على مستوى عالي من الكفاءة، معظمهم من بريطانيا وآخرين من عدن والهند وسيريلانكا وتقديم تعليم نوعي للطلاب يؤهلهم لمواصلة تعليمهم والإلتحاق بالجامعات البريطانية او غيرها من جامعات بلدان العالم.
وتم إنشاء الكلية بتصاميم رائعة وتجهيزها بمعدات وأدوت حديثة، وعلى مساحة كبيرة جدا من الأرض قريبة من دار سعد، شمال منطقة السيلة، شرق بستان الكمسري. وشملت على المبنى الرئيسي دورين (صفوف الدراسة والإدارة)، ومختبرات، ومكتبه, وقاعة كبرى (للإحتفالات، مسرح وملعب للريشة الطائرة, وتنس الطاولة)، مطبخ وقاعة واسعة للطلاب لتناول طعام الغداء وقت الظهيرة، وورشتين إحداهما فنية وأخرى للنجارة، كافتيريا، ملعبان لكرة القدم، وملعبان للتنس الأرضي، ومبنى سكن "داخلية" ومستلزماته (للطلاب القادمين من محميات عدن وبعض طلاب من أرض الصومال)، جامع للصلاة لطلاب الداخلية، وطابور طويل من الفلل الجميلة بدورين متراصة بجانب الكلية سكن لمدير الكلية والمدرسين الإنجليز, ومباني أخرى في داخل حوش الكلية سكن للمدرسين من عدن وسيرلانكا والهند. ولتسهيل إنتقال الطلاب وفرت لهم الكلية على نفقتها الخاصة الباصات الازمة عند مجيئهم يوميا من مناطق سكنهم والعودة إليها.
وحسب أوراق الكيلة المحفوظة في الأرشيف البريطاني بلندن، أنه في 12 يناير 1952 تولى المندوب السامي البريطاني في عدن السير هيكين بوتم إفتتاح الكلية رسميا، في حضور السير كريستوفر كوكس، مستشار وزير الدولة لشئون المستعمرات. كما حضر الإفتتاح قناصل عن دول أجنبية في عدن، ومسئولين حكوميين، وبعض الشخصيات الاجتماعية في عدن. وفي شهر سبتمبر من ذات العام أستقبلت الكلية أول دفعة من الطلاب للدراسة فيها.
وكان حق التنافس للإلتحاق بهذه الكلية ذو المقام العالي يُعم كل مخرجات المدارس الحكومية والأهلية في عدن، وأشتهرت الكلية بإمتحانات وإجراءات قبول وتسجيل مشدَّده، تتحدد وفقا للدرجات التي حصلوا عليها الطلاب في الإمتحانات النهاية لمرحلة الدراسة المتوسطة، واجتيازهم إمتحانات القبول الخاصة بالكلية. وجرت العادة أن تُخصص الكلية عدد محدود من كراسي التعليم فيها لطلبة من المحميات الشرقية والغربية، ومن أرض الصومال، وتمتعت الكلية بزخرفة من ثقافات متنوعة، عرب ويهود وهنود وفرس وصومال ويوناني. ويعود ذلك إلى موقع ميناء عدن الإستراتيجي الهام كونه منطقة حرة ومركز تجاري عظيم الشأن، ونقطة تواصل وإتصالات عالمية، وإلى وجود قاعدة عسكرية ومركز قيادة القوات البريطانية للشرق الأوسط في المدينة، الأمر الذي جذب إليها جنسيات وأقوام عدة من كل أركان المعمورة.
وكانت مواعيد الدراسة تبدأ من الصباح حتى الظهيرة، وبعد تناول وجبة الغداء في الكلية يواصل الطلاب حل واجباتهم المدرسية داخل الصفوف، تحت إشراف المدرسين والطلبة المفوضين ومع أن الجمعة كان يوم دراسي كامل الا أن الكلية كانت تسمح للطلاب فيه بأداء صلاة الجمعة في مسجد الكلية ويتناوب على تقديم خُطبة الجمعة بعض المدرسين والطلبة.
ومنهج الدراسة في الكلية، الذي تهيمن عليه اللغة الإنجليزية، على مستويين يمتد 4-6 سنوات والذي يعادل المرحلة الدراسية 12 و13 في الولايات المتحدة وكندا والمستوى الأول أربعة أعوام لتجهيز الطلبة للحصول على شهادة الثقافة العامة المستوى العادي. والطلبة الحاصلون عليها ويرغبون في مواصلة الدراسة في الخارج ينتقلون إلى المستوى الثاني المتقدم لفترة عامين إضافيين، وعندما يجتازون إمتحاناته بالعدد المحدد للمواد المقررة وبالتقديرات المطلوبة يتحصلون على شهادة الثقافة العامة المستوى المتقدم، ويُبتعثون إلى الجامعات والمعاهد البريطانية لمواصلة دراساتهم العليا هناك.
وبعد دمج عدن في إتحاد الجنوب العربي عام 1962م انخفض مستوى الأداء التعليمي ومع مجيء الحزب الإشتراكي إلى الحكم عام 1967م تراجعت جودة التعليم في الكلية، وأستبدل منهج التعليم بآخر بدائي، وأختفت كماليات الحياة فيها، وصودرت ووزعت مساكن المدرسين وتحولت إلى مباني خَرِبة، وبُنيت العشوائيات في مساحات كثيرة من حول وفي حرم الكلية. ولم يتبقى من مجمع الكلية الذي نعرفه الا المبنى الرئيس في الواجهة، كشاهد على أنه كانت هنا حضارة سادت ثم بادت. ولله في خلقه شؤون.