يحيى الجماعي: المسند جزء أساسي من هويتنا والهاشمية أضرت بنا كيمنيين
يحيى الجماعي، رئيس مؤسسة معد كرب الثقافية، وأحد أبرز النشطاء لحراك الأقيال الذي أثار جدلا خلال السنو...
تعددت اللقاءات بالرئيس علي ناصر محمد كلما كان هناك اضطراب سياسي وخلافات بينية تتحكم بالأطراف السياسية والحزبية لتلمس رأي وسطي غير منحاز، وفي هذه الفترة الملتبسة من تأريخ اليمن، والذي يبدو فيها نزوع الأطراف، ومنها السلطة إلى التعامل مع القضايا العالقة بذهنية مخادعة للنفس وللغير، وهو ما يزيدها تعقيدًا بدلًا من حلّها، عاودنا الاتصال بالأخ الرئيس علي ناصر لمعرفة تقييمه حول عدد من القضايا، وبالذات المرتبطة بالقضية الجنوبية والحوار الوطني، واللذين تلفهما التعقيدات المختلفة .
وسألناه أولًا عن خروج ما كان متوقع للعلن من محاولة إخراج نتائج الحوار الوطني على أساس اتفاق سياسي يكون الحامل له مؤتمر الحوار، وهو ما أدى إلى تعليق محمد علي احمد لمشاركة أعضاء مؤتمر الجنوب في الحوار وطرح اشتراطات للعودة، كيف تنظر إلى ما حدث وإلى أي مدى سيضاعف استبعاد قوى فاعلة كالحراك والحوثيين من حدة أزمة الثقة، وهل كان ذلك متوقعاً بالنسبة لكم، وكيف تنظرون إلى مستقبل الحوار على ضوء هذا الانكشاف الذي حصل؟
قرار الاخ محمد علي احمد وفريق القضية الجنوبية هو قرارهم، فعندما دخلوا الحوار دخلوه بإرادتهم، واليوم اعلنوا موقفهم بتعليق مشاركتهم بالحوار بقرار منهم أيضاً، وفق رسالتهم الموجهة الى رئيس الجمهورية، وما جاء فيها أنه ليس هناك جدية في معالجة القضية الجنوبية، وأكدوا على تنفيذ النقاط الـ 20 و11، والتفاوض النّدي بين الشمال والجنوب في دولة محايدة لتنفيذ القضايا المتفق عليها، وسبق وأن نبهنا الجميع إلى أهمية معالجة القضية الجنوبية وتطبيق ما سمي بالنقاط العشرين قبل بداية مؤتمر الحوار، وهو ما أبلغناه إلى القيادة في صنعاء، وكذلك إلى وفد التهيئة للحوار برئاسة الدكتور عبدالكريم الارياني، وللمبعوث الأممي الى اليمن جمال بنعمر وسفراء دول الاتحاد الاوروبي وللإخوة في مجلس التعاون الخليجي، وهو ما أبلغناه – أيضاً – إلى بقية الاطراف الاخرى المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، ومع الأسف أن القيادة كانت مصرة على بدء الحوار بتاريخ 18 مارس دون تهيئة الظروف المناسبة لنجاحه ومعالجة المشاكل، وقد تحول المؤتمر إلى مهرجان خطابي وصرف عشرات ملايين الدولارات للأكل والتخزين، والجميع يلاحظ انه حتى الآن لم يخرج بأية نتيجة سواء بالنسبة للجنوب أم بالنسبة لقضية صعدة أم غيرها من المشاكل التي يئن منها الوطن شمالًا وجنوبًا، والبعض اليوم يتحدث عن أن الحوار عاد إلى مربع الصفر..
وقد اتصل بنا الأخ محمد علي في هذا الشهر لترتيب لقاء مع القيادات في الخارج للتشاور بشأن مشروعهم الذي تقدموا به الى المؤتمر، ورسالته إلى رئيس الجمهورية وغيرها من المواضيع والخيارات الأخرى، وسوف يشارك في اللقاء معظم الطيف الجنوبي من الداخل والخارج، وسيتحدد الزمان والمكان خلال هذا الاسبوع.
- وافق بن عمر والإرياني على تأجيل المؤتمر وفوجئنا بانعقاده..
ولكن هل أبلغتم لجنة التهيئة في حينه مخاوفكم من عدم نجاح الحوار، وكيف تُقيّم مسار الحوار حتى اليوم وبالذات على مستوى القضية الجنوبية في وقت تُصرح فيه قيادات المؤتمر بأن الحوار قد أنجز 80 % ؟
نعم.. والتقينا مع كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية وقدمنا مقترحات تتضمن رؤيتنا لحل القضية الجنوبية وغيرها، كما أشرنا آنفاً، ونصحنا أن لا يبدأ الحوار إلا بعد معالجة أهم المشاكل التي تُعيق إنجاحه، ووافق كل من جمال بنعمر والدكتور الإرياني على ذلك، لكن فوجئنا بالدعوة لعقد المؤتمر في 18 مارس الماضي دون مراعاة لمطالب الشعب في الجنوب الذي انتفض منذ سنوات ضد ممارسات النظام من ظلم وفساد وإقصاء وتهميش ونهب للممتلكات العامة والخاصة وتسريح الآلاف من الكوادر الجنوبية عسكريين ومدنيين، وخرجت مظاهرات مليونية في عدن وغيرها من المدن الجنوبية ضد هذا المؤتمر الذي شاركت فيه بعض الأطراف الجنوبية، وقد تابعنا بعض التصريحات التي أشرتم إليها في سؤالكم حول إنجاز 80% من مهام لجنة الحوار الخاصة بالقضية الجنوبية، ونحن سمعنا عن مثل هذا الرقم، ونحن نُقدر جهود المشاركين في الحوار لكن الشعب لم يلمس أيًّا من هذا على أرض الواقع, والشعب وحده من سيُقدّر مثل هذا الإنجاز الذي يتحدثون عنه من عدمه، فهو صاحب القرار.
مؤتمر الحوار ليس مأدبة غداء
- أعلم عن تأكيدات دولية وبالذات أمريكية على أن المجتمع الدولي سيعترف بنتائج الحوار بمن حضر، وهو ما يخشى من أن هذا الحوار ليس أكثر من حامل لاتفاقات سياسية تتم خارجه.. هل يمكن أن يُمثّل ذلك حلًّا لمشاكل اليمن؟
ليس المهم أن يعترف المجتمع الدولي بنتائج الحوار بمن حضر، وهذه ليست مأدبة غداء، إنما هي قضية وطن ومصير شعب، وإنما المهم أن تلبي نتائجه تطلعات الشعب والخروج من الأزمة الخطيرة التي يمر بها اليمن شمالاً وجنوباً، ونحن نعرف أن المجتمع الدولي والإقليمي هو وراء مؤتمر الحوار الوطني بدليل متابعة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي سير أعمال المؤتمر وكذلك المبعوث الأممي جمال بنعمر الذي بذل جهودًا كبيرة، ويتنقل بين صنعاء وعدن وصعدة والقاهرة ودبي وجدة من أجل نجاح أعماله، والمهم – برأيي – أن لا تكون نتائج المؤتمر إعادة تموضع وإنتاج لمصالح مراكز القوى أو صيغة جديدة لتقاسم النفوذ على حساب الشعب والحراك الجنوبي السلمي وثورة شباب التغيير الذين يعتبر جلهم ما جرى التفافاً على ثورتهم وتضحياتهم – بما في ذلك بعض المشاركين في الحوار الوطني – والذين كانوا يحلمون بتغيير جذري ووطن مستقر خالٍ من الظلم والفساد والمحسوبية والاستبداد والطائفية والثأر، وهناك من وضع آماله الأخيرة على الحوار الوطني لتحقيق ذلك، فليس من المفيد انسداد آخر الآفاق في وجه الجميع.
هناك قيادات ما زالت تحن إلى استعادة الدولة في الجنوب
- إذًا كيف يمكن فهم الخلاف القائم بين قيادات معارضة الخارج الذي انعكس سلبًا على شعب الجنوب وحراكه في الداخل.. هل هو خلاف على الزعامة أم الأمر له علاقة بالتبعية للخارج؟
كان الحراك السلمي في الجنوب الذي بدأ في العام 2007 في ذروته ووحدته وقوته قبل بروز ما تسمى بالقيادات التاريخية، وقد انعكس بروز هذه القيادات سلباً على مسيرة الحراك السلمي وعلى وحدته مما أدى إلى خلافات وانقسامات خطيرة تهدد الحراك ومستقبله، بل تهدد الوحدة الوطنية في الجنوب فقد تعددت الزعامات والولاءات، وأدى ذلك إلى خلافات بين فصائل الحراك السلمي، ومع الأسف أن هذه القيادات لم تستفد من دروس وعبر الماضي، ولا تزال تتغنى بالماضي وبالحنين إلى استعادة الدولة في الجنوب التي أضعناها ببعض المزايدات والحماقات والأخطاء، والآن نتباكى على دولة الجنوب ونطالب باستعادتها، وهي التي كانت بيدنا منذ الاستقلال عام 1967م حتى إعلان الوحدة عام 1990م، ولم تكن هذه القيادات بمستوى المسؤولية التاريخية لقيادة البلاد والحراك وبناء الدولة، وقد حان الوقت لِأَن يبادر الشباب في الحراك السلمي لاختيار قيادتهم من بينهم وبإرادتهم دون وصاية، وعلى القيادات أن تكتفي بما قامت به في الماضي وتحافظ على ما تبقى لها من تاريخ.
مؤتمر شعب الجنوب يُمثّل فصيلًا في الجنوب
- محمد علي أحمد يتم تقديمه كممثل للجنوب.. إلى أي مدى ترى أنه يمثل أبناء الجنوب في ظل تناقضاته في ما له علاقة بتقرير مصير الجنوب؟
نحن لا نُنكر دور الأخ محمد علي احمد وأعضاء مؤتمر شعب الجنوب، وهو يُمثّل فصيلًا في الجنوب، وقد تقدم فريق القضية الجنوبية برؤية سياسية وقانونية لحل القضية الجنوبية، وهي جديرة بالاهتمام والمناقشة مع كافة الأطراف الجنوبية في الداخل والخارج، وهناك آخرون من القيادات يدّعون أنهم الممثلون الشرعيون للجنوب، وهذا ليس صحيحًا، فقد تعددت القيادات والزعامات, وكنا نتمنى أن تلتئم هذه القيادات في قيادة موحدة ورؤية واحدة لكي تحظى بشرف تمثيل الشعب في الداخل والخارج، وأن يستوعب الجميع بأن الشعب هو صاحب القرار في تقرير مصيره.
صراع الزعامات أثّر على رسالة الحراك
- بصراحة أخي الرئيس: هل هناك صراع زعامات.. وبعيدًا عن الدبلوماسية: ما أسباب هذا التشظي الحاصل بين قيادات الحراك، وهل يمكن أن يمثل ذلك رسالة داعمة للمطالبين بالانفصال في وقت يتزايد فيه الصراع والجميع ما زالوا خارج الحكم؟
أتفق معكم بأن هناك صراع زعامات، فهناك عمى سياسي أصيبت به هذه القيادات التي لا تحس بمعاناة الشعب وآلامه وجراحه وأمنه واستقراره ومعيشته, وقد أثّر ذلك على رسالة الحراك، وهذا الوضع المتشظي لا يمثّل رسالة داعمة للمطالبين بالانفصال، كما أشرت في سؤالك، كما لا يدعم أيًّا من الخيارات المطروحة الأخرى، والناس يتساءلون إذا كان الصراع اليوم بين هذه القيادات، وهم خارج السلطة وخارج عدن والجنوب، فكيف ستتسع لهم السلطة لاحقًا التي أضاعوها بين 1967م و1990م، ومع الأسف حتى هذا التساؤل المشروع أصبح نوعاً من الترف في ظل ضبابية الرؤية التي تحكم مستقبل شعب يستحق الإنصاف والحرية والحياة الكريمة.
- هل يمكن القول: إن ما اصطلح على تسميتهم الزمرة يحكمون اليوم، وأبين على وجه الخصوص، ثم طالما والجنوبيون من يحكمون لماذا لا يعملون على حلحلة قضايا الجنوب؟
هناك من له مصلحة باستعارة مصطلحي الزمرة والطغمة من رفوف الماضي الذي حاولنا تجاوزه ليس فقط بالتصالح والتسامح وإنما بالظروف الموضوعية التي مر بها اليمن منذ وحدة 1990م وإرهاصاتها وحرب 1994 وفواجعها التي جمعت الناس على هم كبير واحد، وهناك من يعمل على إثارة هذه النعرات وفي هذا الوقت بالتحديد لغرض مستنسخ مما كان يمارس في السابق، وأما القول بأن الجنوبيين هم من يحكمون ففيه مبالغة كبيرة في ظل ثقل مراكز القوى في صنعاء كما أن القيادة يفترض أن تكون لليمن جنوباً وشمالاً وليس لمنطقة أو محافظة، ونأمل أن تولي اهتماماً بقضايا المواطنين وحلها، وفي المقدمة قضيتا الجنوب وصعدة، وغيرها من القضايا التي تصب في خدمة المواطن الذي لم يلمس أية معالجة جدية لهذه المشاكل التي أشرنا إليها.
نريد رئيسًا واحدًا لا أربعين رئيسًا
ـ كيف تقول بأن الجنوبيين لا يحكمون مع أن الرئيس ورئيس الحكومة جنوبيان، وهؤلاء لا يشكون ممن وصفتهم بمراكز القوى؟
أنا لم اقل بأنهم لا يحكمون، ولكن رئيس الوزراء أكد أكثر من مرة عبر وسائل الإعلام وقال بأنه لا يحكم، وإن حكومته اسمها “حكومة لا أدري”، حسب ما قال في إحدى القنوات العربية، والناس يتحدثون أن الرئيس يشكي، ورئيس الوزراء يبكي، والشعب يشكي ويبكي ويحكي هو الذي يعاني من الظلم، ولا يمكن أن يعفيهم من عدم تحمل مسؤوليتهم، ولهذا لابد بأن يضطلعوا بدورهم في قيادة البلاد والعباد لإيجاد حلول للمشاكل للخروج من هذه الأزمات حتى لا تتحول إلى حكومة تصريف أعمال.
وهنا أتذكّر ما قاله الشاعر الفضول بعد قيام الثورة في إحدى مقولاته، والتي صارت مثلاً يتندر الناس به، حيث قال:
“صــرفــوا الإمـــام تــمــامـــاً كــمـــا يـصـــرف ريال ماري تيريزا (فرنسي) إلـــى أربـعـيـن بـقـشــــة”
فقد صرفو ا الإمام حينها الى أكثر من 40 إمامًا بسبب تعدد القيادات كما جاء في مذكرات القاضي عبدالرحمن الارياني رحمه الله، ونحن نريد رئيساً واحداً بدلاً من 40 رئيساً.
هذه قصة علاقتي بالرئيس صالح
ـ علِمتُ أن تواصلك مع الرئيس السابق عاد مجدداً بعد قطيعة.. ما أسباب القطيعة ومبررات عودة التواصل، هل منها انغلاق الرئيس هادي على نفسه، ما الذي تحمله أخي الرئيس علي ناصر في ذاكرتك من مواقف مع الرئيس صالح سواء قبل 86 أم بعدها وأنت في صنعاء، وكان لهذه المواقف تأثير على مجرى الحياة السياسية وعلاقتك معه؟
أعتقد أنكم تعرفون أسباب القطيعة بيني وبين الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، ولعلك كنت شاهدًا على إحداها، فقد كانت هناك تباينات في وجهات النظر حول الأوضاع في اليمن شمالاً وجنوباً وطريقة معالجتها وبالذات بعد حرب 1994م, فقد نبهت إلى خطورة ما جرى بعد 1994م من تسريح وإقصاء وتهميش ونهب للممتلكات العامة والخاصة وغير ذلك كما اشرت آنفاً, وكنت أول من طالب في صحيفة الحياة اللندنية بعد شهر من تلك الحرب المشؤومة بالحوار مباشرة مع الطرف الذي انهزم فيها، وقلت حينها إن المنتصر في هذه الحرب مهزوم وإن الأمور حسمت عسكرياً ولم تحسم سياسياً, ومع الأسف أن موقفي قد فُسر تفسيرًا خاطئًا من قبل بعض المستشارين والمنافقين الذين أساؤوا لي وللرئيس علي عبدالله صالح، فمثل هؤلاء يقفون مع الحاكم ثم ينتقلون إلى الحاكم الجديد طالما أنهم يضمنون استمرارية مصالحهم الشخصية ولا يكتفون بذلك، بل إنهم أول من يهاجم الحاكم السابق ونظامه ويُحملونه كل الأخطاء، وقد مر علينا وعلى غيرنا مثل هذه العينات، وكنت متأكدًا أنه لو استمع حينها إلى نصائحي الصادقة والمخلصة وبدأ في معالجة آثار حرب 1994م لما ارتفع سقف المطالب إلى عملية التغيير وإسقاط النظام والرئيس والانفصال والمطالبة باستعادة الدولة, ولكن لا أخفي عنكم أن العلاقات تأثرت بيننا وساءت أكثر مع انطلاقة مسيرة التصالح والتسامح 2006 والحراك الجنوبي 2007م وحاولت بعض العناصر بعلمه تخريب علاقتي مع الدول التي كنت أقيم فيها أو أنتقل بينها، ولكن ذلك لم يؤثر لأنني – كما قلت في بعض اللقاءات – إن حدودي واسعة ولا أحمل الحقد في سبيل القضايا الكبرى، وإشارة إلى سؤالك حول العلاقة معه ومواقفه فإنني أُكنّ له الاحترام والتقدير لمواقفه من القضايا التي أنجزناها معا كمشروع دستور دولة الوحدة وقيام المجلس اليمني الأعلى وإقامة المشاريع المشتركة بين الشمال والجنوب وإيقاف حروب المنطقة الوسطى 1972م – 1982م، والتنسيق في عدد من المواقف السياسية والقضايا القومية وخاصة في ما يخص القضية الفلسطينية والاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982م، كما لا ننسى له مواقفه معنا منذ وصولنا إلى صنعاء عام 1986م فقد قدم لنا كل أشكال الدعم المعنوي والمادي وتعامل معنا وكأننا ما زلنا في السلطة، وكان البعض يحظى بمزايا أكثر من وجوده في السلطة في عدن, حتى أن فيهم من كان لا يفكر بالعودة إلى عدن بعد حصوله على هذه الامتيازات وهذا ينطبق على بعض قوى المعارضة في الشمال الذين كانوا يقيمون في عدن قبل الوحدة, وبعد الانقطاع الذي حصل بيني وبينه لأسباب سياسية وليست شخصية فقد بادلته أولًا بالشكر على مواقفه تجاهنا منذ 1986م وحتى الآن، ومعروف عنه أنه لا يقطع علاقة حتى مع أعدائه ويبقي على شعرة معاوية، وقد امتلك خبرة كبيرة في السلطة على مدى 33 عاماً وكوّن علاقات مع الكثير من القيادات والمواطنين في اليمن شمالاً وجنوباً، بل إنه عندما يلتقي بأي شخص ويتحدث معه يبدو وكأنه صديق له منذ زمان، وكنت أتمنى لو وظف خبرته وتجربته الكبيرة لبناء الدولة وتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار للمواطن اليمني بدلًا من الانشغال بالحروب في الشمال والجنوب لكسب مزيد من الاحترام، ولا ننكر أنه كانت له سلبيات وايجابيات كغيره من الحكام, وقد تأكدت بعد خروجه من السلطة أن بابه لا يزال مفتوحاً لكل من يتصل به أو يزوره.
عرفت الرئيس هادي منذ كان ضابطًا في القوات المسلحة
ـ كيف تُقيّم فترة تولي الرئيس هادي السلطة، وهل استفاد الجنوب في هذه الفترة، وهل تتوقع إنجازًا في بقية فترته؟
لقد عرفت الرئيس عبدربه منصور هادي منذ كان ضابطاً بالقوات المسلحة ونائبًا لرئيس الأركان ورئيساً لشعبة الإمداد والتموين وعضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، وكان يتمتع بصفات قيادية اكتسبها من خلال المواقع التي تدرّج فيها، وهذه أهّلته لأن يكون وزيراً للدفاع ونائباً للرئيس ورئيساً للجمهورية, ونحن نتمنى له التوفيق والنجاح, أما هل استفاد الجنوب في هذه الفترة فالشعب وحده هو الذي يعرف ماذا تحقق طوال الفترة التي تحمّل فيها الرئيس هادي المسؤولية.
قدّمنا مقترحات لم تتعامل معها قيادات صنعاء
ـ على ضوء ما يطرح من إمكانية التمديد لهادي، أو إعادة انتخابه كرئيس توافقي.. ما انعكاسه على مستقبل الجنوب والوحدة؟
جاء الرئيس عبدربه منصور هادي كما هو معروف بناءً على المبادرة الخليجية والتوافق السياسي والإقليمي والدولي، إلا أن الجنوبيين يشكون من عدم تركيز المبادرة على حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً بل تجاهلتها بالمطلق ما حدا ببعضهم للحديث عن مبادرة أخرى خاصة بالجنوب، ولهذا فقد رفضت معظم قوى الحراك الجنوبي المبادرة ومخرجاتها وكذلك رفضت المشاركة في الانتخابات الرئاسية وأخيرًا علّق فريق القضية الجنوبية مشاركته في مؤتمر الحوار، وما زال الحراك مستمرًا في مسيراته المليونية وآخرها مليونية 7/7 التي دعا إليها المناضل الكبير حسن أحمد باعوم وشاركت فيها الجماهير من كل محافظات الجنوب، ومن جانبنا فقد بادرنا في مارس من 2012م بتوجيه عدد من الرسائل الأخوية للقيادة في صنعاء تضمنت مقترحات لرؤيتنا لكيفية حل القضية الجنوبية، ولأسباب لا نعرفها فلم نلمس تنفيذ أيٍّ من مقترحاتنا ومقترحات بقية القوى الوطنية الأخرى ولو اتخذت بعض المعالجات لسهلت مهمة نجاح الحوار الوطني وحدث انفراج وخفّت حالة الاحتقان.
أما في ما يتعلق بالفترة الانتقالية للرئيس والحكومة فلم يبق منها إلا حوالى ستة أشهر، ولم يتحدد حتى الآن موقف واضح من عملية التمديد أو الانتخابات الرئاسية، وهل هناك توافق من قبل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية التي دعمت تنفيذ المبادرة الخليجية ولكن سيظل أمام التمديد والانتخابات معضلة حل القضية الجنوبية وقضية صعدة وبناء الدولة المدنية الحديثة, ولا يمكن تجاوز مثل هذه القضايا المحورية المهمة إذا حاولت هذه الأطراف الهروب إلى الأمام من معالجتها بالترحيل والتعويم الذي يضاعف المشاكل ويزيدها تعقيداً.
هذا سبب خلافي مع العطاس
ـ أين تلتقي وتختلف مع رئيس الحكومة الأسبق حيدر أبو بكر العطاس في النظر للقضية الجنوبية، وطريقة حلها، وبشكل أوضح أتمنى إجابة صريحة: ما الحل من وجهة نظرك هل فيدرالية من إقليمين أو من عدة أقاليم أم أن فك الارتباط هو الحل الأمثل مع ما يبديه الموقف الدولي من تأكيدات على تمسكه بالوحدة؟
نتفق ونختلف مع الرئيس حيدر أبو بكر العطاس حول الموقف من تنفيذ قرارات مؤتمر القاهرة الذي عقد في نوفمبر 2011 وشارك فيه معظم الطيف السياسي الجنوبي وخرج بمقررات أهمها اعتماد نظام الفيدرالية من إقليمين، ونحن ما زلنا متمسكين بقرارات مؤتمر القاهرة، ويجري الآن الحديث حول خمسة أقاليم على أن يكون الجنوب إقليمين وثلاث أقاليم في الشمال, وغير ذلك من المشاريع، ونؤكد أن القرار أولاً وأخيراً هو للشعب.
أخشى أن يتحول اللاعبون إلى أمراء حرب
ـ هل يمكن أن نعلم من هم اللاعبون الأساسيون في الجنوب، قد تقول الشعب، ولكن أقصد القيادات التي تتفق وإن علنًا على المطالبة بالانفصال فيما تختلف حول الوسائل، وهناك من يطرح أن ما يدور في اجتماعكم مع ممثلي المجتمع الدولي لا يطرح الانفصال بقدر ما يطرح البحث عن حلول ومخارج في إطار الوحدة على أساس وضعكم في خارطة الحكم القادمة.. إلى أي مدى ذلك صحيحًا؟
اللاعب الأساس هو الشعب وحراكه السلمي وقياداته الميدانية التي تعرضت للاعتقال والملاحقات وعانت من الظلم والفقر والتهميش وقدّمت الآلاف من الشهداء والجرحى من أجل انتصار قضيتهم العادلة، أما ما يطرح مع ممثلي المجتمع الدولي والإقليمي فالآراء متعددة حول الرؤية لحل القضية الجنوبية، ولا يزال الحوار مستمراً مع كافة الأطراف في الداخل والخارج للوصول إلى ذلك.
ومن جانبي فإنني لا أبحث عن موقع في خارطة الحكم القادمة، وقد أشرت إلى هذا الأمر عدة مرات، بل أبحث عن خارطة طريق للأجيال تضمن لهم الحاضر والمستقبل من خلال حل سياسي لما تمر به البلاد والعباد من أزمات خطيرة تهدد أمنه واستقراره ووحدته، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه من خلاف وصراع فلن يبقى الجنوب جنوباً ولا الشمال شمالاً، لا قدّر الله، وحينها لن يكون ثمة لاعبون أساسيون بل أمراء حروب.
ـ محمد علي أحمد رئيس فريق الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار الوطني أكد أن الحراك الجنوبي قد أتى إلى الحوار وهو يعلم أنه يحاور تحت سقف الوحدة، مبينًا أن هذه المشاركة جاءت تلبية لدعوة ورغبة المجتمع الدولي؟
لقد نفى متحدث باسم الأخ محمد علي ذلك في مقابلة صحفية، وبإمكانكم توجيه السؤال إليه !
لا أخضع للإملاءات.. ويجب أن لا يصبح اليمن تحت الوصاية
ـ إلى أي مدى يمكن أن تتحول رغبة المجتمع الدولي في فرض الوحدة على الجنوب إلى قرار، وهل تتعرضون – شخصيًّا – لضغوطات للقبول بمثل هذا القرار؟
نحن لا ننكر دور المجتمع الدولي والاقليمي، وتجلى ذلك في المبادرة الخليجية ومخرجاتها، ومؤتمر الحوار الوطني هو أحد بنودها، وكما تتابعون بأن مجلس التعاون الخليجي عبر أمينه العام ومجلس الأمن عبر مندوبه والاتحاد الاوروبي هم من يتابعون تنفيذ المبادرة الخليجية منذ تشكيل الحكومة وانعقاد أعمال مؤتمر الحوار حتى اليوم، ونحن نقدّر مثل هذه الجهود ولكن يجب أن لا يصبح اليمن تحت الوصاية الدولية لأن ذلك يضعف موقف أصحاب القرار في صنعاء، وبالنسبة لي فقراري مستقل ولا أخضع للإملاءات أينما ذهبت وحيثما سكنت.
ـ تنتقد أخي الرئيس دور القيادات التاريخية، ومنها من حكم الجنوب وأنت أيضاً من هذه القيادات.. إلى أي مدى تتحمل جزءًا من هذا التأثير السلبي على مسيرة الجنوب في السابق وعلى الحراك اليوم؟، ولكن أين تتفق القيادات التأريخية والسياسية، وأين تختلف تحديدًا حول مستقبل الجنوب؟
أنا لا أنكر أننا أخطأنا وأصبنا خلال مسيرة التجربة في اليمن الديمقراطية وأكدت ذلك في أكثر من مقابلة، ويجب على القيادات أن تكون عندها الشجاعة للاعتذار للشعب فهو مصدر قوة لها، وأن تستفيد من دروس وعبر الماضي، ولهذا رفعنا في عام 2006م شعار التصالح والتسامح بين أبناء الجنوب منذ عام 1967م حتى اليوم، والذي جسدته الجماهير في حراكها السلمي الذي انطلق في العام 2007م ، أما ما يتعلق بالسؤال: أين نتفق ونختلف مع القيادات فنحن – جميعاً – نتفق على ضرورة حل عادل للقضية الجنوبية وقد نختلف في الأسلوب للوصول إلى الحل.
تتفق القيادات على حلٍّ عادل للجنوب وتختلف على الوسائل
ـ ولكن أين تتفق القيادات التاريخية والسياسية، وأين تختلف حول مستقبل الجنوب؟
كما قلت لك نحن جميعاً نتفق على ضرورة حل عادل للقضية الجنوبية، وقد نختلف في الأسلوب للوصول الى الحل، وقد حاولنا طوال السنوات الماضية العمل على توحيدها مع بعض المخلصين، وعقدنا سلسلة من اللقاءات والاجتماعات في مصر والامارات ولبنان وسوريا وتركيا وألمانيا وغيرها للوصول الى رؤية ومرجعية سياسية موحدة تحدد موقفًا واضحًا من مستقبل القضية الجنوبية ولكن دون جدوى، ولهذا فقد طالبنا الشباب بأن يضطلعوا بمسؤولياتهم في الوصول إلى رؤية ومرجعية سياسية لتقود مسيرة الحراك الجنوبي السلمي لتحقيق أهدافه، وأدعو الجميع بمن فيهم القيادات التاريخية لأن تبارك ذلك.
ـ كيف تفسّر عدم تفاعل الرئيس هادي مع النقاط العشرين وإصدار القرارات التي يمكن أن تمثل رسالة تطمين للجنوبيين وإعادتها إلى الحكومة.. هل لكون هادي جزءًا من مشكلة الماضي أم لارتباط حل القضايا بالقوى النافذة في الشمال؟
لقد طالبت منذ العام 1994م بمعالجة الآثار السلبية التي خلّفتها الحرب الظالمة على الجنوب، ولكن الطرف المنتصر لم يتخذ أية معالجات وأصيب بنشوة النصر وكان يعتقد بأنه يمكن تطبيع الوضع وتطويع الجنوب لإرادته المنتصرة، وأثبتت الايام أن الجنوب عصيًّا على عملية الترويض والذل والظلم والاستبداد، وهو ما عبّر عنه الحراك السلمي ومسيرته الظافرة التي أدت إلى إسقاط القيادة، ومع الأسف أن القيادة الجديدة لم تتخذ أيّة معالجات جذرية وجدية في حل المشاكل وانبهرت بالوصول إلى السلطة، ونسيت بأن الحراك الجنوبي وثورة شباب التغيير في الشمال وحركة الحوثيين هي التي أوصلتهم إلى رأس السلطة، وقد طالبت قبل عقد مؤتمر الحوار الوطني بمعالجة النقاط المذكورة لأنني كنت أخشى من الآثار السلبية في حال عدم معالجتها، وما اخشاه أن تأتي المعالجات بعد فوات الأوان.
آخر تواصل مع هادي كان عام 96
ـ هل صحيح ما يشاع عن عدم رد الرئيس هادي على اتصالاتك، وإذا كان ذلك صحيحًا كيف تفسّر مثل هذا الأمر.. وهل يتم التواصل مع علي محسن الأحمر
من طباعي أنني لا أتصل بالحكام عبر الهاتف، ولكنني أتخذ من المراسلات أسلوباً للتواصل معهم؛ وذلك تقديرًا لمشاغلهم، وأترك الخيار للمسؤولين للاتصال بي وفي مقدمتهم الرئيس علي عبدالله صالح والرئيس منغستو هيلاميريام والرئيس حافظ الاسد والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس معمر القذافي وغيرهم الذين لا أنسى لهم وقوفهم إلى جانبنا سواءً عندما كنا في السلطة أو بعد مغادرتها، وهو الأهم، وأنا على تواصل مع الجميع سياسيين ومواطنين في الداخل والخارج.
أما فيما يتعلق بالتواصل مع الاخ الرئيس عبدربه منصور هادي فليس صحيحًا أن الرئيس يتجاهل الاتصال بي أو لموقف شخصي، وإنما قد يعود لأسباب قد نعذره عليها في الماضي ونقدر انشغاله في الوقت الحاضر والكثيرين يتساءلون عن التواصل بيني وبينه وأنا أتجنب الحديث عن ذلك؛ لأن آخر تواصل هاتفي بيننا كان في النصف الثاني عام 1994م بعدما تم تعيينه نائبًا للرئيس، وذلك لتهنئته بالمنصب الجديد. والتقيت به في منزله بصنعاء عام 1996م عند زيارتي لها.
ـ على ضوء ما يطرحه بعض قادة الحراك عن تصعيد يمكن أن يصل إلى حد الدخول في مرحلة حمل السلاح وإعلان الكفاح المسلح.. هل ترى مثل هذا التصور ممكناً؟
لقد بدأ الحراك سلميًّا وما زال كذلك وتعرض خلال مسيرته إلى العنف، ولكنه لم يلجأ الى العنف المضاد حتى الآن على الرغم من الاغتيالات والاعتقالات والملاحقات التي تطال قياداته ونشطاءه، ونحن لسنا مع اللجوء إلى حمل السلاح، ونتمنى بأن لا يصل الجميع إلى ذلك؛ حرصاً على حقن دماء أبنائنا وسلمية الحراك وسمعته على المستوى المحلي والاقليمي والدولي، وهو الذي سبق الربيع العربي بسنوات في محاربة الظلم والاستغلال والاستبداد، ومع الأسف أنه لم يحظ بدعم سياسي رغم عدالته وبتغطية إعلامية واسعة عربية وعالمية أسوة بثورات الربيع العربي.
الجنوب يصعب ابتلاعه
ـ هل تعتقد في ضوء متابعتك للمستجدات أن قوى النفوذ القبلية والعسكرية والدينية قد غيرت من نظرتها للقضية الجنوبية وللجنوب باعتباره فرعًا تم ضمه للأصل؟
نحن نطالب كافة القوى السياسية والعسكرية والدينية بأن تعيد النظر في موقفها من القضية الجنوبية، لأن هذه النظرة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم، ونأمل أن تتراجع هذه القوى عن رؤيتها تجاه الجنوب؛ لأن الجنوب يصعب ابتلاعه سواءً باسم ضم الفرع إلى الأصل أم باسم الوحدة اليمنية، وقد لمسنا في الرؤى المقدمة من قِبل القوى السياسية المشارِكة في المؤتمر وفرق العمل أن هناك تبدلاً في مواقفها من القضية الجنوبية، ونأمل أن يرتبط القول بالفعل.
ـ كيف تنظر إلى مستقبل الجنوب في ظل الانقسام الحاصل وعدم تعاطي المجتمع الدولي مع دعوة الانفصال أو حتى ما يدعو إليه البعض من فيدرالية من إقليمين؟
كان من المفروض بأن يتحدد مستقبل الجنوب عند الحديث عن الوحدة في عامي 1989 و1990 لكن الوحدة تمت دون تحديد أسس دستورية وقانونية، ولم يجرِ الاستفتاء عليها أو على دستورها، بل جرى اقتسام للسلطة والثروة بين الموقعين عليها، ولم يُراعوا مستقبل الجنوب وشعبه، أما الحديث اليوم عن مستقبل الجنوب فقد تعددت الآراء والاجتهادات، وتعددت الخيارات بين فيدرالية وفك الارتباط وغيرها من المشاريع التي يجري الحديث حولها وأي خيار يجب أن يحظى بموافقة من الشعب في الجنوب؛ لأنه صاحب المصلحة الحقيقية، ونحن نأمل أن يخرج مؤتمر الحوار الوطني بحلول يرتضيها الشعب.
أما موقف المجتمع الدولي من قضية الجنوب وقضايا اليمن الأخرى فيجب أن يكون مساعدًا في الحل وليس وصيًّا أو داعمًا لأي خيار.
صحيفة الوسط