​​​​​​

د. ياسين: الجنوب يجب أن يكون طرفاً في المعادلة وليس ممكنا القبول بأقل من الفيدرالية

خليج عدن/ العربية

أكد الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني أنه لم يعد أمام البلد إلا أن يبني دولة اتحادية فيدرالية حقيقية, ويتحاور الناس على هذا الأساس، لأن هذه قضية أصبحت - في تقديري الشخصي- أقل من ذلك ليس ممكنا، مشيرا إلى أن نوع الفيدرالية وطبيعة نظامها السياسي سيتم التحاور عليه.

وقال القيادي في اللقاء المشترك في حوار أجرته معه قناة العربية وينشر خليج عدن نصه كاملا أن الجنوب يجب أن يكون طرفاً في المعادلة وليس جزءاً منها، لافتا إلى أن المشكلة القائمة في الجنوب مرتبطة بطبيعة الوحدة والمركزية القائمة خصوصا أن المؤسسات المركزية لم يبق فيها ولا جنوبي:

العربية : إلى أين وصل قطار التسوية السياسية, وماهي مكونات المشهد السياسي اليمني في الوقت الراهن؟ ؟

  د. ياسين: التسوية السياسية يمكن أن ننظر إليها باعتبارها جزءا من مشهد سياسي يتكون تقريبا من خمسة مكونات أساسية، التسوية السياسية القائمة على أساس المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وقراري مجلس الأمن (2014 ـ 2051) وهذا هو الجزء الأول من المشهد السياسي والذي يتجه نحو الحوار الوطني, بعد أن تم إنجاز جزء من التسوية السياسية.

والمكون الثاني في المشهد السياسي هي القوي المعيقة للمسار السياسي والتي مازالت محيطة بالرئيس السابق علي عبد الله صالح وتعمل بكل قوة على إعاقة المسار السياسي,  وبالأصح إعاقة عملية التغيير - إذا نظر إلى المسار السياسي أو التسوية بأنها عملية تغيير- التوافق على عملية التغيير ونقل السلطة.

المكون الثالث هو العنف والإرهاب الذي يطل برأسه بين الحين والآخر في أكثر من مكان, إما موظفا بهدف إعاقة العملية السياسية أو باعتباره جزءا من بنية عامة اعتبرناها موروثا لنظام مختل أمنيا وسياسيا خلال السنوات الماضية.

المكون الرابع هي قوى الثورة التي مازالت في الميادين ومازالت تتطلع إلى إنجاز مهمتها الثورية في ظل ظروف ربما مناسبة أكثر مما كان عليه الوضع منذ البداية.

والمكون الخامس للمشهد السياسي هو الحراك السلمي في الجنوب الذي يحمل قضية عادلة ويتطلع إلى موقف سياسي من كل القوى السياسية للنظام الجديد حول كيفية التعامل مع هذه القضية.

هذه المكونات الرئيسة للمشهد السياسي, لا شك أنها على درجة عالية من التداخل وعلى درجة عالية أيضا من التقاطع, وهذا هو الواقع اليمني اليوم والذي يجب على الجميع أن يتعامل معه بكل تفاؤل على أساس أنه لا أمل أو لا إمكانية أمام اليمنيين إلا أن يتفاهموا لصناعة المستقبل.

  العربية: لو أردنا - من زاوية أخرى- إعادة فرز هذه المكونات الخمسة في الإطار الثوري أو غير الثوري, قوي التغيير والقوى المناهضة للتغيير,, كيف يمكن إعادة تشكيلها وفرزها ؟

د. ياسين: الطابع العام للعملية السياسية هو عملية التغيير. التوافق الذي يعكس الحياة السياسية في الوقت الحاضر قائم على عملية التغيير, عندما قبل الناس بالمبادرة الخليجية وقبلت الأطراف بهذه التسوية المبنية على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن 2014, معنى هذا أنهم قبلوا بعملية التغيير وهذه القاعدة العامة إلى أي مدي يجري الاستناد إليها اليوم في تحليل طبيعة الحياة السياسية وحركاتها السياسية. والواضح أن هناك قوى حتى الآن مازالت تعيق عملية التغيير بأشكال وأساليب مختلفة، ولذلك إذا أخذنا عملية الفرز بالشكل الذي نتحدث عنه سواء كان أفقيا أو رأسيا سنجد أن هناك قوتين أساسيتين في المجتمع اليمني, قوة تستند في عملها السياسي إلى عملية التغيير باعتبارها المطلب الشعبي العام الذي قامت من أجله الثورة, وأخرى انخرطت في العملية السياسية ولكن جزء منها مازال يرفض عملية التغيير على اعتبار أن هذا يضر بمصالحها، هذه التناقضية القائمة في المجتمع هي واحدة من تعقيدات المشهد السياسي, ولذلك أعتقد أنه مهما كانت الصعوبات التي نواجهها اليوم فإن عملية التغيير قد دارت حتى الآن، وأقول دائما أن عملية التغبير قد سارت إلى الأمام ولن تعود إلى الخلف ، صحيح ستكبدنا بعض الخسائر فيما يتعلق ببطء بعملية التغيير, لكنها لن تعود إلى الخلف.

   العربية: هل يمكن القول أن الحراك السلمي في الجنوب وأيضا القوى الثورية وقوي التغيير الأخرى تشكل طرفا ثوريا قابلا للتغيير في مقابل قوتين أخريين أو ائتلافين آخرين بما فيها قوى العنف والإرهاب تشكل تحالفا معيقا للتغيير؟

  د. ياسين: أعتقد أنه في إطار هذه المكونات لدينا قوي للتغيير وقوى معيقة للتغيير، ولدينا أدوات تستخدم في عملية التغيير ولدينا أدوات تستخدم في إعاقة عملية التغيير، الأدوات السلمية لكنها حتى الآن في تقديري تصب معظمها في عملية التغيير ولكن الإرهاب والعنف - أيا كانت أشكاله ومن أي طرف يأتي - يتجه نحو إعاقة عملية التغيير، ولذلك إذا جاز التصنيف هنا على قاعدة التفريق بين الأدوات والوسائل أنا أعتقد أن العنف والإرهاب يوظفان باتجاه إعاقة عملية التغيير بكل أشكاله.

الحراك السلمي في الجنوب قام في البداية من أجل التغيير ولديه قضية لكن هذه القضية لابد أن ننظر إليها من خلال أن الجنوب مشروع سياسي تاريخي لا يمكن أن يفصل عن المشروع الوطني بأي شكل من الأشكال, ولا عن الفعل الثوري, ربما تبرز بعض الصعوبات هنا وهناك وبعض الإشكاليات لكن في تقديري الشخصي في المسار العام الذي يحمل هذه القضية السلمية باعتبارها مشروعا سياسيا تاريخيا لا يمكن أن تكون إلا جزءا من العملية الثورية.

   العربية: القرار الذي أصدره الرئيس هادي قبل أيام قليلة لتشكيل اللجنة الفنية للتحضير للحوار الوطني وما تضمنه من محددات وضوابط . هل هذا القرار يعكس حقيقة هذه المكونات ؟

   د. ياسين: أولا المكونات التي وردت في القرار هي الموجودة في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية, وهي ثمانية مكونات: الأحزاب والقوى السياسية التي وقعت على المبادرة الخليجية، والحراك الجنوبي السلمي، ومكونات الشباب الثوري، ومكونات المرأة، ومنظمات المجتمع المدني والحوثيون والأحزاب التي لم تشارك في التوقيع على المبادرة السلمية وهذه المكونات الثمانية هي التي شملتها المبادرة أو بالأصح الآلية التنفيذية للمبادرة.

    حقيقة لا نستطيع أن نقول أن هناك قرارا يمكن أن يكون في الظرف الحالي مئة في المئة صح، أو مقبول عند الجميع مئة في المئة ، في الظرف الحالي, أنا أعتقد أن الذي يتحكم في صحة أي قرار هو قدرته على أن يجسد حاجة المسار السياسي.

والسؤال هل القرار الذي أصدره الأخ الرئيس عبده ربه منصور يجسد الحاجة للحظة الراهنة للمسار السياسي وفق المبادرة الخليجية؟؟ أستطيع أن أقول: " إلى حد ما ,, نعم ,, " لكن بعد ذلك الأخطاء والنواقص التي ودرت في طبيعة القرار, مثلا: عدم تمثيل الشباب إلى حد ما، عدم تمثيل الحراك، الاختلال الذي حصل هنا وهناك في بعض المكونات.

طالما أن اللجنة فنية ولن تكون مهمتها تقرير مستقبل ونتائج الحوار وبقدر ما ستكون مهمتها التحضير للحوار فليأتي التشكيل بالشكل الذي يسمح بتحقيق هذا المسار نحو الحوار الوطني.

نحن لدنيا ملاحظات حول القرار, ولكن دعنا ننظر للموضوع من الزاوية التي حكمت بدرجة رئيسية أو خدمت بدرجة رئيسة مسار العمل السياسي.

أنا أعتقد أنه في اللحظة الراهنة مطلوب تشكيل مثل هذه اللجنة ولابد أن تبدأ عملها باتجاه لملمة كل القوى باتجاه الحوار الوطني .

  العربية: مهمة هذه اللجنة هل هي مكملة للجنة الاتصال التي كنتم فيها؟

   د. ياسين: لجنة الاتصال مهمتها الدعوة إلى الحوار باسم رئيس الدولة ، لكن هذه اللجنة ستعد الجوانب الفنية الخاصة بالحوار الوطني بدءا بحصر القوى التي وافقت  على الإنخراط  في الحوار,  التشاور مع القوى المختلفة، تحديد مكان انعقاد الحوار، وضع اللائحة الخاصة بالحوار الوطني,  كل هذه القضايا ستتلوها هذه اللجنة.

  ولكن علينا أن نعي تماما أن ما يتمخض عن هذه اللجنة من عمل سيطرح أمام مؤتمر الحوار الوطني، والحوار الوطني باعتباره السلطة العليا لتقرير مساره هو الذي سيقر بعد ذلك اللائحة التنفيذية, وسيقر كل ما يتعلق بمسار الحوار الوطني باعتباره السلطة العليا، لكن هذه اللجنة هي لجنة فنية تساعد على السير نحو الحوار الوطني.

  العربية: بما أنكم كنتم نائب رئيس لجنة الاتصال,  ما هي الجهات التي تم الاتصال معها , ومواقفها بالنسبة للاستجابة وعدم الاستجابة للحوار,  هل كان هناك شروط مطروحة من هذه الجهة أو تلك,  وما هي أبرز الجهات التي كان لها شروط؟

   د. ياسين:  كل القوى التي توصلنا معها وافقت على الحوار الوطني، واعتبرت أن الحوار الوطني هو الطريق لخروج اليمن إلى المستقبل.

  بعض القوى وافقت بدون شروط,  وبعض القوى كان لديها مطالب, مطالب بعضها ارتبط بالمشاركة في الحوار, وبعضها ارتبط بإنجاح الحوار.هذه المطالب كثير منها مطالب مشروعة ، يعني عندما أتحدث عن المطالب الخاصة بحل آثار حرب 94 في الجنوب, وتعزيز الثقة وإدانة الحروب - من الناحية الأخلاقية على الأقل-  لتقديم هذا النظام السياسي بمفهوم جديد للعالم, هذه واحدة من القضايا التي طرحها كثير من القوى على اعتبار أنه لكي نسير نحو المستقبل ونؤسس لمرحلة جديدة علينا أن نتخلص من أعباء الماضي, والتخلص من أعباء الماضي سيتم بطريقتين:

الطريقة الأولى:  النقد العام لكل السلوكيات الماضية المتعلقة بالحروب والبدء بمعالجة جملة من المشكلات والمعضلات التي ترسخت بسبب السياسات السابقة.

  والجانب الثاني مرتبط بالعدالة الانتقالية,  تطبيق قانون العدالة الانتقالية على اعتبار إنصاف المظلومين في مراحل تاريخية مختلفة.

   ولكي تصف هذا الواقع السياسي المليء بالصعوبات عليك في هذه الحالة أن تبدأ بحسن نوايا, وتعلن أن هذه المرحلة القادمة التي تمخضت عن هذه الثورة وثقافتها الجديدة تقدم مشروعا سياسيا أخلاقيا جديدا, لا يمجد الحروب ولا يمجد ما تكرس خلال السنوات الماضية, أو المراحل  الماضية من أخطاء وسلوكيات.

  هذه القضية واحدة من القضايا الرئيسية والمطالب التي لا أعتقد أن هناك صعوبة لدى السلطة القائمة أو القوى السياسية أو النخب السياسية القائمة من أن تعمل على تحقيقها وتجسيدها بالشكل الذي يعطي الثقة للناس, وأنا أعتقد أنها من أهم القضايا التي ستسهل عملية الحوار وستعزز الثقة وستعطي الناس انطباعا أن هناك جدية حقيقة فيما يتعلق بمسار الحوار خلال المرحلة القادمة.

    العربية: ما هي الشروط الغائبة حتى الآن- في تقديركم - لتوفير المناخ المتكامل والإيجابي والسلمي للحوار الناجح؟

   د. ياسين: أهم شروط الحوار هو أن تكون أطراف الحوار متكافئة وصادقة , هذه هي النقطة الرئيسية , وهي ما يسمى بالعامل الذاتي الخاص بالمتحاورين,  لكن البيئة المحيطة بالحوار - مثلما تفضلت- فإننا  نتحدث عن الحوار اليوم والجيش مازال منقسما, ما زال في المتاريس,  مازال الوضع لا يسمح فعلا بالانتقال - على الأقل النفسي - إلى مرحلة جديدة  تؤكد أن الحوار سيجد من يحميه ، وأول سؤال سيطرح من قبل  الناس,  هذا الحوار ونتائجه من الذي سيحميه إذا لم يوجد جيش وقوة حقيقية تحميه وأمن يحميه ودولة تحميه؟؟  إذن على هؤلاء المتحاورين أن يبحثوا أولا لاستعادة الدولة ، وكيف يستعيدون الدولة التي من شأنها أن تحمي نتائج هذا الحوار؟؟!  وإلا يصبح مجرد دردشة, لا أكثر ولا أقل!!  أو يصل الناس إلى شي، وفي الأخير لا يوجدون الدولة التي تحمي مثل هذه النتائج.

هذه قضية في غاية الأهمية، ولذلك أعتقد أن هذه القضية ليست غائبة عند الجميع في الوقت الحاضر, الجميع يتحدث عنها, وأنا أعتقد أن هناك خطوات تتم - وإن كانت بطيئة- لكن الخطوات التي اتخذت خلال الفترة الماضية على صعيد ربما الجيش والأمن. بعض الخطوات التي تعزز الثقة في إمكانية استعادة الدولة من المغتصبين لها أعتقد أنها حققت إلى حد ما بعض النتائج الإيجابية حتى الآن.

  العربية: هل أنتم متفائلون باتخاذ خطوات لاحقة وإضافية تهيئ للحوار؟

  د. ياسين: ليس أمامنا من خيار غير التفاؤل، والتفاؤل ليس السلبي, ولكن التفاؤل الإيجابي, التفاؤل الذي يجب أن يحمل أيضا معه أدوات تغيير بالشكل الذي يسمح بأن يتحول هذا التفاؤل إلى حقيقة.

أنا شخصيا أشعر أن ما تم إنجازه من قبل الثورة خلال الفترة الماضية شيء كبير، البعض يحاول أن يهون أو يستهين بما تم، ما يمكن كان تتم علمية التغيير في هذا البلد - وحتى على هذا المستوى الذي تم - لولا هذه الثورة التي استطاعت أن تخترق هذا الحاجز القوي وتصل إلى النقطة التي تحدث فيها كسرا يؤدي إلى عملية التغيير.

اليوم الحلقة الشريرة في المعادلة السياسية اليمنية انكسرت, هذا الكسر جاء بسبب هذه الثورة، إذا علينا من خلال هذه الكسور التي أصابت الحلقة الشريرة في المعادلة السياسية أن نعيد بناء فكرة الثورة من جديد لكي ننطلق ونحقق أهدافها بشكل كامل, وأنا  أعتقد أن الظروف مهيأة أكثر مما كان عليه الوضع منذ بداية الثورة.

   العربية: حمل الشباب مشعل الثورة وسبقوا الأحزاب إلى الساحات, أين موقع الشباب الآن في العملية السياسية, في الحوار, في صناعة مستقبل اليمن؟

    د. ياسين: الشباب لم يحتلوا بعد المكان الذي يجب أن يحتلوه في العملية السياسية لعملية التغيير بشكل عام,  والأسباب كثيرة لا أريد أن أتحدث عنها بالتفصيل, ولكن أعرف أن أمام الشباب أن يحتلوا مواقعهم في العملية السياسية من خلال شيئين- إذا أردوا-  إما أن يكونوا منظماتهم السياسية والشبابية القوية الضاغطة على أن تكون جزءا رئيسيا في المعادلة السياسية,  أو أن ينخرطوا في الأحزاب السياسية ويعيدوا تشكيل المعادلة السياسية داخل هذه الأحزاب باعتبارها تتحول أدوات تغيير,  لكن الوضع كما هو موجود اليوم- في تقديري - مازال محكوما بجملة من العوائق والصعوبات.

هناك شعور يتكون عند الشباب- وأنا معهم في ذلك- أنهم قدموا التضحيات, وأنهم أصبحوا خارج المعادلة السياسية, وأن الأحزاب جاءت لتحل محلهم ؟!. هذا الشعور قد يكون نظريا صح, لكن السؤال: هل هذه الأحزاب, وبالذات الأحزاب المنتمية إلى عائلة التغيير, يعني إلى قوة التغيير، هل أهملت الأهداف التي ناضل من أجلها الشباب؟؟  أو أنها تحمل هذه الأهداف ولكن بأدوات سياسية؟؟  عملية التغيير, نقل السلطة، الانتقال إلى تحقيق الإرادة الشعبية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لانتصار الثورة, الثورة في هذا البلد لن تنتصر إلا بالإرادة الشعبية.

   العربية: هل نحن الآن أمام ثورة منقوصة في اليمن قياسا بثورات الربيع العربي في بلدان أخرى؟

   د. ياسين: ما فيش ثورة في العالم تحقق أهدافها بمجرد أن تقوم ، الناس عندما خرجوا إلى الشارع, قدموا التضحيات, وسقط النظام، هل هذا يعني انتصارا للثورة؟! انتصار الثورة يعني تحقيق أهدافها, إذن من الصعب أن أتحدث عن انتصار الثورة أو أنها ناقصة أو مكتملة بمجرد أنه تحقق الجزء الأول من أهدافها، أنا أعتقد أن المسار الذي ستتخذه الثورة وقواها وقوى التغيير بشكل عام خلال المرحلة القادمة هو الذي سيرد على هذا السؤال، لكن أهم شيء في هذه الثورة - أنا في تقديري- أنها جنبت هذا البلد كارثة الحروب والحرب الأهلية.

اليوم هناك من يريد أن يعيدنا إلي مربع العنف كي يقول أن هذا المسار كان خاطئا, أن مسار التسوية  كان خاطئا، ولذلك العنف مايزال موجودا, والقتل مازال مستمرا, التفجيرات مازالت.. هذا التوظيف للعنف من قبل القوى الرافضة للتغيير هو واحد  من الأسباب التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى إحباط عند الناس, ويمكن أن ينتقدوا بأن التسوية السياسية قامت من أجل تجنيب اليمن العنف,  لكن العنف مازال موجودا, إذن التمسك بالعنف هنا من قبل البعض هدفه الرئيسي ضرب التسوية السياسية وضرب هذا المسار الذي من شأنه أن يحقق بالفعل أهداف الثورة.

  العربية:التسوية السياسية التي تم القبول بها في ظل الثورة عملت على مبدأ الشراكة وليس التغيير كما حصل في ليبيا أو تونس ومصر, هل تتهمون الشريك الآخر الذي كان نظاما سابقا بتبني العنف, لأنه يرفض التغيير؟

   د. ياسين: أنا أتكلم عن جزء منه, لا أقول كله، عن جزء من مكون الطرف الذي مازال يرفض هذه التسوية، وقبل بها فقط من أجل أن يخترقها من داخلها, قبل أشياء كثيرة, مثلما قبل الوحدة لكي يهدمها وقبل الديمقراطية لكي يخربها من داخلها, قبل التسوية السياسية لكي يخربها من داخلها.

  العربية : حكومة الوفاق الوطني الآن مضى عليها أكثر من نصف عام, ماذا فعلت؟ ماذا كنتم تنتظرون منها وماذا يتوجب عليها لتساهم في تحقيق المناخ الملائم للحوار الوطني الناجح؟

   د. ياسين: علينا أن لا نتحدث عن شراكة معلقة في الهواء. الشراكة التي قامت في إطار حكومة الوفاق الوطني قامت على قاعدة التغيير. قامت على قاعدة المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن, يعني القوى التي قبلت بهذه المبادرة قبلت الشراكة بالحكومة, والقاسم المشترك بين هذه القوى هي عملية التغيير- كما ورد في المبادرة.

وعندما نقيم اليوم الحكومة, علينا أن نقيمها من هذه الزاوية، نقيمها من زاوية أن أمامها مهمة أساسية, وهي استكمال عملية التغيير.

لكن أمام هذه الحكومة برزت صعوبات كثيرة, أول صعوبة برزت- كما أشرت في البداية- أن بعض الأطراف التي اشتركت في التسوية السياسية، اشتركت على أساس تكتيكي لتخريب التسوية السياسية من داخلها، ولذلك ظلت تضغط على بعض عناصر الحكومة باتجاه تعطيل عمل الحكومة. والتوافق كما هو معروف إذا لم يستوعب بإخلاص من قبل الشركاء بكل بساطة يمكن أن تكون الحكومة عاجزة أن تقوم بأي عمل.

أنا أتذكر عندما أقنعنا الأخ محمد سالم باسندوة أن يتحمل رئاسة الحكومة في ظرف صعب أقنعناه باعتباره الشخصية المقبولة, الشخصية التي تستطيع في مرحلة تاريخية معينة أن يؤدي هذه الوظيفة الوطنية، وطرح أمامنا أسئلة كثيرة, ونحن كشركاء كنا ندرك حجم المعاناة التي سيعانيها, لكن لم نتصور أن تصل الصلافة بالشريك, أو بجزء من الشريك أن يمارس كل هذه الأساليب ضد رئيس الحكومة, وفوجئنا- حقيقة لم نفاجأ – لكن فوجئنا بأنه بعد قبوله بالتسوية أن يواصل نفس السلوك القديم في التعاطي مع هذا الوضع السياسي الجديد.

  العربية: اسمح لى دكتور أن أبدي استغرابي أنكم فوجئتم بما يحصل اليوم وأنتم أصحاب تجربة شراكة من عام 90 إلى 94 , أيضا التجمع اليمني للإصلاح - حليفكم في اللقاء المشترك - صاحب تجربة طويلة أيضا حتى عام 97, نفس الأساليب!!,  أعتقد يمكن القول: ما أشبه الليلة بالبارحة!؟؟

   د. ياسين: أنا معك، ربما تعبيري " فوجئنا" بمعنى,, أن ما حدث في هذا البلد من ثورة ومن تضحيات ودماء وثقافة وتسويات وإلى آخره ارتقى بالجميع إلى مصاف أن هذا البلد يحتاج إلى أخلاق جديدة, لكن للأسف - أنا أعتقد وأقول- دعني أواصل استخدام كلمة فوجئت مرة أخرى.

  العربية: أخشى أن تفاجأ مرة ثالثة في إطار مؤتمر الحوار الوطني إذا امتد هذا الأسلوب إلى المؤتمر, ما هي الضمانات والضوابط التي يمكن اعتمادها لمنع تكرار المشهد الذي يجري اليوم في إطار حكومة الوفاق الوطني؟

  د. ياسين: كل شيء ممكن.. الحوار الوطني بالصيغة التي أفرزتها المفاهيم الجديدة للثورة هو آخر فرصة تقدمها الحياة لليمنيين. نحن جربنا الحوار الوطني والحوارات من سابق, وكان في نظام يتعامل معك كما يقولون:" شور .. وقول .." إذا أعجبته نتائج الحوار, أهلا وسهلا,, وإذا لم تعجبه, طبق دفاتره ومشى.. لكن اليوم ما فيش جهة بمفردها مسؤولة عن الحوار الوطني، التسوية السياسية تقول أن كل اليمنيين والنخب السياسية مسؤولة عن مستقبل هذا البلد, وعليها أن تتحاور كي تقرر مستقبل هذا البلد، وعليها بالمقابل أيضا أن تعمل معا من أجل إيجاد المناخ المناسب لإنجاح الحوار الوطني.

السؤال هنا لو ما نجح الحوار الوطني:  ما هي النتيجة ؟!  كيف سيكون الوضع ؟؟ أنا أقول أنه من الصعب أن يأتي كل طرف إلى الحوار الوطني ولديه مشروع: (يا تقبلوه .. يا أنا بأنسحب ..).

  على المتحاورين أن يبحثوا عن القاسم المشترك فيما بينهم- حتى لو تمتد المرحلة الانتقالية عشر سنوات- هذا القاسم المشترك بين هذه القوى هو الدولة المدنية الضامنة لحرية الجميع, والضامنة لكل صاحب مشروع سياسي أن يسوق مشروعه السياسي سلميا, ولا يتعرض لقمع , وبالمقابل هو أيضا يسوق مشروعه سلميا دون رافعة العنف, وأنا أعتقد أن خيار التسوية في الحوار الوطني بالحد الذي لا يحقق الحد الأدنى لأهداف الثورة ليس له أي معنى.

لكن تحقيق هذه الدولة الضامنة لحرية كل القوى الاجتماعية والسياسية في تسويق مشاريعها سلميا أعتقد سيكون واحدة من نتائج الثورة الشعبية ومن نتائج أيضا الحراك السلمي في الجنوب، ومن نتائج كل هذه الحركات الاجتماعية والثقافية التي سادت في اليمن والنضالات خلال الفترة الماضية.

    العربية:  يبقى الكلام في إطار الفرضيات, ولكن ها نحن نسمع أصوات الرصاص ونحن ندير هذا الحوار معكم في منزلكم, في هذا الجو حيث لم تسكت الرصاص في أكثر من جهة, والطرقات تقطع, والكهرباء تقطع والخدمات, وحتى النظافة أصبحت تستخدم ورقة من أوراق الضغط السياسي,, ألا تعتقدون أن من واجب حكومة الوفاق الوطني وواجب الرئيس المنتخب, رئيس التوافق أن لا يتردد في اتخاذ إجراءات تحد من هذا المناخ ؟

    د. ياسين: الأخ عبد ربه الرئيس المنتخب, أنا أعتقد أنه جاء في ظرف تاريخي استثنائي, وأمامه موروث ضخم,  لكن لم تكن الأدوات لمواجهة هذا الموروث قد توفرت لديه, هو أمام معادلة صعبة,  ومع ذلك دعني أقول: أن الخطوات التي قطعت حتى اليوم خطوات لا بأس بها, في ظروف صعبة وشاقة,  وتعقيدات نقل السلطة، والتعقيدات - للأسف - صادرة عن الحزب الذي ينتمي إليه هو، الصعوبات التي تبرز أمامه ناشئة عن الحزب الذي ينتمي إليه هو, من القوى السياسية التي ينتمي إليها.. هي التي تزرع أمامه العراقيل، هي التي تعرقل تنفيذ قراراته.

ولذلك طالما هذه القوى السياسية قبلت بالتغيير, وقبلت بالتسوية السياسية, عليها في هذه الحالة أن تسهل مهمة الرئيس الذي ينتمي إليها.

نحن إذا أردنا أن نتجه الاتجاه السليم علينا أن نقول من الذي يعرقل قرارات الرئيس, ومسارات الحياة السياسية, ولماذا؟؟

علينا أن نمسي الأشياء بأسمائها، ومهمة الرئيس اليوم أن يقول ذلك للناس الذين انتخبوه واختاروه بتلك الإرادة الحرة الشعبية الواسعة، مش عشان يغطي على فلان أو فلتان. عليه أن يقول:" أنا أواجه الصعوبات التالية وأن يكون الناس معي في مواجهة هذه الصعوبات".

   العربية: كان المبعوث الأممي بن عمر قبل صدور قرار الرئيس هادي بتشكيل اللجنة الفنية موجودا في صنعاء, ألا تعتقد أن من واجب هذا الوسيط الدولي أن يكون فاعلا للحد من إعاقة عملية التغيير؟

  د. ياسين: المجتمع الدولي بمجمله وأيضا الأشقاء الذين قدموا المبادرة مازالوا حتى اليوم يقفون وراء عملية التغيير ومؤيدين المسارات السياسية ومنطلقين من أن اليمن في هذا الجزء من العالم استقراره وأمنه ليس ملكا له وحده, ولكنه أيضا مؤثر في المحيط ومؤثر في الأمن والاستقرار العالمي، وفي موقف حتى الآن دولي وإقليمي- نعتقد أنه مؤيد لمسار التسوية السياسية, وبن عمر في زياراته المتكررة  يلتقي مع كافة الأطراف, ودوره طيب. هذه المرحلة كان يركز على موضوع العدالة الانتقالية, ويركز على الجوانب الأمنية, وقرارات مجلس الأمن , وعلى الأخص القرار الأخير 2051. هو أيضا يريد أن يسمع من اليمنيين: من الذين يعرقلون المسار السياسي, إذا لم يجد من يقل له, وبالذات الجهة المعنية التي يثق فيها العالم, وهو رئيس الدولة المنتخب، فقط في هذه الحالة يشرح ويستنبط, لأنه مبعوث أممي, مهمته قراءة الحقائق من مصادرها الحقيقية, وبذلك أستطيع القول أن مهمته كانت طيبة في ما يخص قرار مجلس الأمن 2051, وأثرها إيجابي وبالذات فيما يخص القوى التي عارضت قانون العدالة الانتقالية.

في تعاطي- للأسف- غير مفهوم من قانون العدالة الانتقالية من قبل بعض القوى والأطراف, أنت أعطيت الحصانة للحكام، طيب هذا الضحية من الناس يحتاج أيضا من ينصفه. لذلك جاءت التسوية السياسية بجناحيها (حصانة للحكام، وقانون عدالة انتقالية للضحايا والناس) وحتى هنا القانون لم يطبق على أساس جنائي, سيطبق على أساس قاعدة المصالحة الوطنية, الاعتراف بالأخطاء، معالجة الأخطاء عبر هيئة للأنصاف والمصالحة الوطنية, لملمة جروح الماضي ومعالجتها, إخراج هذا البلد من مزق كل الصراعات السابقة.

أنا أستغرب لماذا يعترض البعض على هذا الموضوع؟!؟  كي يبقي هذا المجتمع محتقن بالثارات والصراعات لأن هذا مجاله الوحيد للانتقام من هذا المجتمع!!.   العربية:  تشير المعلومات المتوفرة لدي أنه بقدر ما هناك معارضة من قبل وزراء المؤتمر الشعبي في الحكومة هناك وزراء أخرون, بصراحة   وزير العدل أيضا ضد هذا القانون ما هي مبررات وزير العدل, وهو ينتمي إلى التجمع اليمني للإصلاح؟

   د/ ياسين: في تقاطع – للأسف - بمفاهيم مختلفة, هنالك أيضا من جاء  يكفر هذا القانون، ولذلك الغرابة في الأمر, أنه في الوقت الذي نريد أن نصفي هذا المجتمع من احتقانات كارثية بسبب الصراعات والحروب والمظالم يأتي من يرفض هذا القانون ويقف عند محطات معنية, وكل واحد يحسب المحطه التي سيقف عندها هذا القانون, وأين هو في هذه المحطة, علنيا أن نتخلص من هذه النظرة التي تضع في بعض الأحيان المصلحة الخاصة فوق مصلحة شعب يتطلع إلى المستقبل, ولذلك العدالة الانتقالية كما طبقت في أكثر من مجتمع أفرزت واقع جديد يتسم بالتسامح فما بالك بهذا البلد الذي تحكمه الثارات والصراعات والاحتقانات الاجتماعية, لابد من تطبيق هذا القانون.

العربية: هناك من يري أن يكون هذا القانون من نتائج الحوار, وهناك من يرى أن يكون ضمن عملية التهيئة للحوار؟

   د/ ياسين: يمكن الحوار يطور الأساليب التي سيتم بموجبها تطبيق هذا القانون, لكن القانون الهدف الأساسي منه تعزيز الثقة. نحن قلنا: كيف ندعو الناس إلى حوار وطني؟ وتعزيز الثقة بين الناس, وتخليص الناس من أثام الماضي, هذا القانون لا يشكل أي عبء سوى أن عدم إصداره يشكل عبء أخلاقي على النظام الجديد, وعلى من يعترض عليه.

العربية: أنتم مع إصدار القانون في أسرع وقت ممكن ؟

  د/ ياسين: نحن مع إصدار القانون في أسرع وقت ممكن, وبالتالي لا بد من تشكيل آلية تطبيقية وليأتي الحوار الوطني بعد ذلك بين كل القوى لمزيد من إخصاب فكرة هيئة الإنصاف, وكيف تمارس عملها, لأن الحوار الوطني لن يكون مغلقا على أي شيء, ليأتي بعد ذلك من يطرح فكرة, ويقول, أنا أريد أطور قانون العدالة الانتقالية, أو يطور آليات تطبيق قانون العادلة الانتقالية، لكن الآن نحن بحاجة لهذه الأدوات السياسية والأدوات القانونية والأدوات الأخلاقية.

  العربية: هل قانون العدالة الانتقالية يفي لتعديل مزاج قوى الحراك الجنوبي للانخراط في الحوار الوطني أما أن هناك إجراءات ومبادرة مطلوبة من حكومة الوفاق الوطني ومن رئيس الدولة المنتخب الجنوبي لتهيئة المزاج الجنوبي للمشاركة في الحوار؟

  د/ ياسين: قانون العدالة الانتقالية سيكون جزءا من الحل وليس الحل بأكمله, جزء من تعزيز الثقة، حل المشكلات المتراكمة منذو حرب 94 جزء من حل المشكلات بل مدخلا  لحلها, وليس الحل.

حل الوضع في الجنوب مرتبط بدرجة رئيسية بكيفية التعاطي مع الجنوب كجزء من المعدلة الوطنية، المزاج الذي يوجد اليوم في الجنوب يجري التقاطه بأشكال مختلفة, لكن- لاحظ معي أنه - لم يستطيع حتى الآن أحد أن يغفل أن الجنوب كان وسيظل مشروعا سياسيا في تاريخه كله- حتى وهو سلطانات- الجنوب كان مشروعا سياسيا ولم يكن مشروعا عصوبيا, ولو كان الجنوب مشروعا عصوبيا لما توحد في دولة واحدة، واليوم الذي يريدوا أن يحملوا الجنوب على قاعدة المشروع العصوبي عليهم أن يفهموا أن عمر الدولة في الجنوب الوطنية ثلاثة وعشرين سنة - من 67 ـ 90-  لكن السلطانات عمرها أكثر من مئتين وخمسين سنة, هذه التناقضية يجب أن تقرأ قراءة عميقة لفهم ما الذي يريدوه الجنوب مستقبلا, مش كل من يرفع صوته يتحدث عن الجنوب يحب الجنوب، الجنوب يجب أن يحمي من نفسه، وبالتالي كل مشروع لا يرعى بدرجة رئيسية مستقبل الجنوب بإعتباره مشروع سياسي فهو يسيء إلى قضية الجنوب, هذا أولا.

ثانيا, لماذا أيضا يجري تحويل الجنوب إلى مجرد حقل للإختبار, ولما الناس يشتوا الوحدة نطلع أبطال باسم الوحدة!  ولما تتعثر الوحدة وتواجه مشكلة ويتحول الناس نحو الانفصال نطلع أبطال باسم الانفصال!.

ما هو دور القادة السياسيين, ؟؟ لا نريد أن نلاحق هذا المزاج, نريد أن نتعامل مع هذا المزاج بمسؤولية,  ونتحاور مع هذا المزاج بمسؤولية,  لأن المستقبل مستقبل شعب بأكمله, ولذلك على الناس أن يتحاوروا, وأن يتحاور الجنوبيون مع غيرهم بمسؤولية,  ولا يتحاوروا تحت ضغط الشارع, وتحت مزاج الشارع مثلما تحاورنا عام 90, عندما كانوا يشتوا الوحدة لم نتحاور, وقلنا على بركة الله, وطلعنا أبطال,  والآن, لآن الوحدة تعثرت, نشتي نطلع أبطال باسم الانفصال,! علينا أن نتحاور من أجل المستقبل, وعمر الشعوب والبلدان لا تتخذ فيها أي قرار مصيري بناء على مثل هذه الأمزجة وإنما بمسؤولية.

العربية: ما المطلوب من بقية القوى السياسية لمساعدة الجنوب كي يخرج أو يظهر بمثل هذا المشروع السياسي؟

  د/ ياسين:  كل القوي والنخب السياسية عليها أن تفهم أنه ليس مجرد أن راح علي عبد الله صالح أصبحت الوحدة تمام في وضع أفضل، وأنه خلاص الآن الوحدة حلوة وجميلة  وإلى أخره!! هناك مشكلة يمنية حقيقية وفي هذه الحالة فإن علينا - كقوى سياسية  تحدثنا عن القضية الجنوبية وتحدثنا أنها بوابة الحل للقضية الوطنية- أن ننسجم مع أنفسنا في التعاطي مع هذه الحقيقة, وأن يكون خطابنا بعد غياب علي عبد الله صالح وهذا النظام منسجم على أن هناك مشكلة حقيقة, وهذه المشكلة  مرتبطة بطبيعة الوحدة والمركزية القائمة, علينا أن نفهم أن الجنوب يجب أن يكون طرف في المعادلة وليس جزء في معادلة، الآن على هذه القوى أن توجه خطابها بشكل واضح لحل هذه المشكلات التي تراكمت وإدانة الحروب, وتسوية أوضاع الناس.

الشي المهم,  يا أخي , أنا كيف أفهم أن هذا الجنوب شريك وكل المؤسسات الحكومية المركزية لم يبقى فيها ولا جنوبي, شوف الخارجية, من باقي فيها؟؟ خمسة مساكين الله من الجنوبيين, ما فيش جنوبي باقي في ووزارة الداخلية, وزارة التخطيط, وزارة التربية.. كل الوزارات بشكل عام, وتريدني أقول أن الجنوب شريك؟!! ويستبدلوا ويعينوا, ويأتي هذا الجيل الجديد ولا يعنون منه أحد في هذه المؤسسات.

في شيء غير مقبول, وأنا عندما اتحدث عن إثني عشرة نقطة, أنا اتكلم عن مشكلات عالقة, لكن هذا الجيل الجديد الذي يبحث عن فرصته أيضا مش عارف النقاط الإثنى عشر, ولكن يجب أن يكون حاضرا في كل المعالجات حتى يكون حاضر في المؤسسات المركزية, وفي كل مكان.

  العربية: هل ثورة اليمن هل فعلا أسقطت النظام, أم أسقطت علي عبد الله صالح الذي يقال أن معظم أدوات تسيير شؤون البلاد لا تزال في يده؟

  د/ ياسين: في هذه الأنظمة الرخوة التي لا تستطيع أن تقول أنها أنظمة مستبدة ولا أنظمة ديكتاتورية تجد أن الحاكم هوالنظام, والنظام هو الحاكم, لأنه ما فيش نظام منفصل عن الحاكم, بحيث أنه إذا سقط أو إذا  تنحي الحاكم أو مات نظامه يظل قائما، ينهار النظام مجرد ما يأتي شخص ثاني, ولذلك هذا النوع من الحكام لا يعتمدوا على إنتاج أنظمة سياسية واجتماعية بإدوات مؤسسية, ولذلك من الصعب القول أنه ذهب علي عبد الله  وبقي نظامه, ولكن يمكن القول, ذهب علي عبدالله صالح وبقي جزء من أدواته,  وأدواته ليست مؤسسية كما هو واضح، أدوات تعتمد على أشكال مختلفة,  هذه هي المعضلة الرئيسية, أنك  لا تجد نظام تواجهه,  ولا مؤسسة تواجهها, ولكن أدوات متحركة أشبه بالغول هنا وهناك، وهذه المشكلة في المعادلة السياسية اليمنية.

  أنا أعتقد لو أن هناك نظام كان علي عبد الله صالح بعدما خرج أرتاح, ، واللي حواليه كانوا تركوه, لأنهم كانوا سيعتمدون على نظام موجود, لكن لأنه لا يوجد نظام, مسكوا به, إجلس أنت,  فهم مش قادرين يستغنوا عنه, حتى وهو تعبان ومريض, ولذلك هم في الأيام الأخيرة من حكمه -  للأسف - حولوه إلى شرطي يحمي مصالحهم, والآن متمسكين فيه لأنه لا يوجد نظام يعتمدون عليه,  ولو راح..  ضاعوا.

العربية: هناك من يري في الوثائق التي أصبحت مرجعيات للعملية السياسية في اليمن - المبادرة الخليجية، آلياتها التنفيذية,  وحينما يطرح قانون العدالة الانتقالية, وحتى بما في ذلك القرار الذي أصدره الرئيس عبد ربه من قرأوه قالوا كأنه مترجم من اللغة الإنجليزية, وكأن جمل بن عمر كتبه.... ؟

  د/ ياسين: أولا دعني أقول لك شيئا واحدا, الآلية التنفيذية وضعها اليمنييون ، كان المجتمع الدولي  موجود وبالذات الأمم المتحدة, لكن الصياغة صاغها اليمنييون, البعض يريد أن يقول هناك وصاية, وأنا أريد أن أقول أن العالم نظر إلى اليمن بأنه بلد ينهار في مرحلة معينة, وطرحوا من قبل حوالي ثلاثة سنوات الخوف من أن يتحول اليمن إلى دولة فاشلة, وبدأ التدخل من فترة مبكرة تحت عنوان أن لا يتحول اليمن إلى دولة فاشلة.

   الذي يجعل المجتمع الدولي يكون حاضرا وبقوة  هو الواقع اليمني المعاش, جيش منقسم وخائف أن يحترب , والمجتمع  الدولي يتدخل لمنع الإحتراب,  عبده ربه عندما أختير رئيس, ما هي القوي التي لديه, والتي يعتمدعليها؟!  أصوات الناس, وثقة القوى السياسية, ودعوة الوالدين, لكن ما هي الأدوات القوية؟ الأدوات القوية لم تكن بيده, كانت منقسمة على بعضها, والمجتمع الدولي كان هو الضامن الحقيقي لمسار العملية السياسية, لاستخدام أدوات الضغط , ونحن عندما قبلنا بالتسوية السياسية أردنا أن نجنب اليمن ما حصل في ليبيا, وما حدث في أكثر من مكان,  هل كان المجتمع الدولي جائز أن يتدخل بالطائرات لحسم الموضوع ؟؟ الله أعلم, أيش حساباته, لكنه قال يا يمنيين اتفقوا, والاتفاق مش بالتنازل عن أهداف الثورة, ولكن إتفاق للتغيير وتحقيق مطالب التغيير التي هي مطالب الناس وصولا إلى يوم الاقتراع والإنتخابات التي من شأنها أن تضع هذا البلد بيد إرادة شعبية ونحن شركاء في هذه العملية, ولن نسمح لآي قوى تعطل هذا المسار.

أنا أعتقد اليوم أن العلاقة مع القوى الدولية هي علاقة شراكة تقوم بدرجة رئيسية على رعاية هذا المسار السياسي الى عام 2014 حتى يتسلم الشعب هذه الدولة وقد تكونت بأشكال معينة.

العربية:أي دولة تتوقعون أن يتسلمها الشعب في هذا المسار؟

د/ ياسين: لم يعد أمام هذا البلد إلا أن يبني دولة اتحادية فيدرالية حقيقية, ويتحاور الناس على هذا الأساس، لأن هذه قضية أصبحت - في تقديري الشخصي- أقل منها مش ممكن، لكن أيش نوع الفيدرالية؟ أيش طبيعتها؟ وأيش نظامها السياسي؟ يعني تكوينها, هذا الناس سيتحاورون عليه.

العربية: الدور الدولي في مسار الحوار سيكون إلى آي مدى مساعدا أم سيشارك في رسم مسارات بعض القضايا؟

د/ ياسين: في عندنا مثل يقول : "ما عليك إلا تلحي والحطب والماء عليا " أنا أعتقد أن المجتمع الدولي لم يكن شريكا ولن يسمح لنفسه أن يكون شريكا في تقرير مستقبل هذا البلد, أو الصيغة التي يتوصل إليها اليمنيون فيما يخص مستقبل البلد, ومشاركته تكمن في إنجاح عملية الحوار والدفع باليمنيين أن يأتوا إلى الحوار, في اقناع اليمنيين, إلى الأخر ، لكن بعد ذلك ما الذي سيختاره اليمنيون؟ أعتقد أنه سيكون شأنا يمنيا خالصا, ويجب أن يكون شأنا يمنيا خالصا.

  العربية: من موقعكم في المعارضة وفي قلب الثورة والتغيير كيف تقرأون الدور الإيراني؟ وكيف تنظرون إلى الإقليم بشكل عام؟  وهل تتحول اليمن إلى ساحة صراع إقليمي؟

  د/ ياسين: إيران دولة شقيقة وموجودة حوالينا ولها مصالحها الحيوية تريد من الأطراف المختلفة أن تحترم هذه المصالح, لكن عليها أيضا في المقابل وهي تطالب الأطراف المختلفة أن تحترم مصالحها أن تعرف أن أي تدخل يؤادي إلى تغير معادلة المصالح الوطنية في هذا البلد أو ذاك يضر بمصالحها، من هنا على اليمنيين ان يتجهوا أولا - لكي يرفضوا عملية التدخل من هذا الطرف أو ذاك- أن يفكروا في بناء دولتهم في ظل هذا الفراغ, في ظل غياب الدولة, في ظل ميوعة الدولة, في ظل ميوعة النظام السياسي- كما كان سائدا- هذا يكون مغريا للدول الإقليمية أن تتدخل بهذا القدر أو ذاك.

نحن علينا أن بني دولتنا كي تكون هذه الدولة قادرة على مواجهة الأطماع الخارجية أيا كانت, هذه قضية رئيسية أمام اليمنيين, أي طرف يستعين بأي عنصر خارجي إقليمي أو غيره لفرض شروط معادلة سياسية سيكون خسران, ولذلك أنأ رأي أن هذه الأطراف السياسية التي الآن تلوح باستخدام هذه الأطراف بهدف الاخلال بالتوازن السياسي الداخلي أنا أعتقد أنها تتحمل مسؤولية حقيقية فيما يلي:

اولا :العنف الذي بدأ يخترق العملية السياسية في أكثر من مكان، الجنوب في الوضع الحالي ومن يريد أن يحوله إلى مسرح للعنف يتم تحت هذا الستار معادلة التدخل الخارجي،  لذلك من الضرورة بمكان أن تفهم هذه القوى جميعا أن أي تدخل بأي صيغة كانت لفرض شروط ميزان جديد لصالح أي طرف في المعادلة السياسية سيواجهه بالرفض من قبل الجميع.

   العربية : جماعة الحوثي  قبلوا بالمشاركة بالحوار وهم جماعة مسلحة وطرحت مجموعة من النقاط هل بالمقابل هناك شرط على الجماعات المسلحة أن تتخلي عن سلاحها قبل الدخول في مؤتمر الحوار ؟

  د/ ياسين: بالنسبة للسلاح عند الحوثيين له قصة أخرى, قصة حروب كانت بينهم وبين السلطة -النظام السابق- هذه تحل إما بالتفاوض المباشر بين الدولة والحوثيين أو في إطار الحوار الوطني لمعالجة وضع تراكمي نشأ عنه هذا الوضع المعقد، الذي فيه سلاح, وفيه أشياء أخرى, ولذلك في إشارة هناك إلى قضية صعدة باعتبارها من القضايا التي يجب أن تكون ضمن الحوار, سيدخل فيها قصة الحروب السابقة,  آثار الحروب,  وقصة السلاح. الحوثيون لم يتحدثوا عن أنهم يمثلوا صعدة ,وهم في النقاط العشرة التي قدموها قالوا يتحدثوا في إطار مشروع سياسي, لذلك أنا أعتقد أن قضية صعدة وموضوع الحروب ستكون ذات شقين, الشق الأول متعلق بنتائج الحروب, والشق الثاني وضع هذا الجزء من البلاد في إطار هذه الدولة المدنية الحديثة.

  العربية: نتائج هل ستكون الزامية واجبة التنفيذ أم اختيارية ؟

  د/ ياسين: نتائج الحوار طبعا إلزامية, مجرد أن يتفق الناس على نتائج الحوار, وتعلن نتائج الحوار بإعتبارها مواقف للجميع بالتأكيد سيتجة الناس لصياغة الدستور في ضوء هذه النتائج, والمعالجات التي ستتم لبعض القضايا أم ستكون جزء من الدستور أو مرجعية لصياغة الدستور أو مرجعية للصياغة القانونية أو مرجعية لمعالجات سياسية.