​​​​​​

العنف الخفي المدمر لحياة الأنثى (سلوى أنموذجًا)

صورة تعبيرية

عدن- إصلاح صالح

"الذنب الذي اقترفه أهلي بحقي لا يغتفر ولا أتمنى أن تتكرر مأساتي مع أي أنثى"، هكذا تختصر المرأة العشرينية مرارة تجربتها مع "ختان الإناث" وما واجهته بعد زواجها من ألم وقهر ومعاناة تتكرر يوميًا وتجبر على كتمانها خوف الفضيحة، وكيف تسبب ذلك في طلاقها لاحقًا.
لم تتخيل سلوى (اسم مستعار)، وهي تحزم حقائبها وتغادر المنزل الذي كبرت فيه، بفستانٍ أبيض وطرحة إلى عش الزوجية أنها ستعود إليه مرة أخرى مثقلة بالألم بعد تجربة زواج فشلت منذ عامها الثاني، لشكوى زوجها الدائمة بأن زوجته "باردة جنسيًا"، دون أن يفكر أن ذلك الأمر لم يكن اختيارها بل بقرار أقرب الناس إليها وكل من ليس له حق أن يُقرر بشأن عضو تناسلي تملكه ويخصّها وحدها.

معاناة مبكرة
حين بلغت سلوى الثامنة قرر الأطباء إجراء عملية جراحية لها لتصحيح ما اقترفته الجدّة من خطأ أثناء عملية الختان مما تسبب لها في فقدان السيطرة على عملية التبول، تروى بداية تفاصيل المعاناة، "لم استطع اللعب ولا حتى المشي إلا بساقين متباعدتين وقتها، كنت أبكي بحرقة فقد أمسك الطبيب بأكثر أشيائي خصوصية، لا يمكن أن أنسى ذلك اليوم"، أما الآلام التي رافقت تلك العملية فهي منغرسة في عمق روحها إلى الأبد، حسب تعبيرها.
كما تتذكر جيدًا كيف أمسكوا بأختها الصغرى وقيدوا حركتها، ثم قامت الجدّة التي بدت بملامح خشنة وقاسية -حد قولها- بقطع ذلك الجزء من جسدها وقامت بعدها برش بعض الزيت والكركم على الجرح كإجراء وقائي، "ما الخطأ الذي ارتكبته طفلة لم ترى النور بعد!! جعلتني هذه الصدمة أتسأل ماذا عني هل ارتكبت تلك الجدة نفس ذلك العمل الإجرامي بجسدي الصغير ذات يوم!! وعندما كبرت وتزوجت فهمت عواقب ذلك".

بداية المأساة 
تحكى عن مأساتها بعد الزواج بسبب الختان، فتقول بنبرة أسى: "زوجني والدي في عمر الثامنة عشر، ومنذ الشهور الأولى في زواجي حدثت خلافات كثيرة مع زوجي بسبب عدم استجابتي لرغباته الجنسية بالصورة التي يرضى عنها، فوصل به الحال إلى إجباري على أخذ منشطات جنسية تسببت لي بكثير من المضاعفات المرضية".
كانت دائما ما تبرر لأقاربها خلافاتها المستمرة مع زوجها على أنها خناقات عادية مثل أي زوجين، حتى تحدث هو أمام الجميع، "أكثر ما جرحني منه أنه فضح سرّنا أمام الآخرين، وأنا ليس بيدي حيلة فما أعاني منه سببه لي عادات المجتمع وطريقة تفكيره".

أنتِ باردة!!
مر العام الأول إلا أن المشاكل ما زالت مستمرة، جاء صوتها خجولًا ومتقطعًا وهي تقول: "أنتِ باردة أنتِ باردة، هكذا كان يردد زوجي على مسامعي كل ليلة إلى أن ضاق بي الحال، فلم أعد استحمل تلك الحرب النفسية التي لا ذنب لي بها، لم نحتمل العيش معًا وانتهى الأمر بنا إلى الطلاق، وبعد هذه التجربة كرهت جسدي ونفسي وأهلي ومجتمعي".
ورغم مرور ٣ أعوام على انفصال سلوى عن زوجها، ما يزال الحديث عن تجربتها المؤلمة من عملية ختان وعملية أخرى تبعتها وزواج أنتهى بالطلاق من المحظورات لدرجة أنها لا تريد حتى الكشف عن مكان إقامتها في اليمن، والذي تقطن فيه منذ سنتين وبضعة أشهر، قادمة من إحدى قرى محافظة الحديدة التي تركتها برفقة والدتها المسنة هربًا من جحيم الحرب، بينما تعتقد أم سلوى أن عملية الختان ضرورية للفتيات للحفاظ على شرفها وعفتها.

واحدة من ألف 
"يجب أن نقف ضد كل من يحاول تكرارها"، هكذا همست لي سلوى في نهاية حديثنا، فلم تكن الحالة الوحيدة التي عانت من مشاكل زوجية بسبب البرود الجنسي الناتج عن خضوعها إلى عملية ختان في الصغر، ووصل الأمر في أغلب الحالات إلى خلافات شديدة بين الزوجين بعضها أدّى إلى الانفصال والبعض الآخر تعايش مع المشاكل والعنف والضرب، إلا أن كثير منهن أصبحن اليوم أكثر قدرة على البوح بما يتعرضن له من عنف ومن بينها ختان الإناث، وأضحى الكلام وسيلةً للتغلب على الخيبة والوجع الذي يسكن النفس بعد تجربة مريرة، تستدعيها الذاكرة من حين لآخر.

أضرار جسدية
إضافة للأذى الجسماني، يؤدي ختان الإناث إلى اختلال في وظائف الجهاز التناسلي، لأن البظر أكثر الأجزاء حساسية، وهو المسؤول عن الرغبة الجنسية لدى المرأة، كما تمتد أضرار الختان لتشمل عملية الولادة والصحة النفسية، ويصاحب المختونة شعور دائم بـ"العوق الجسدي" يجبرها على كتمان الآلام التي تنتابها أثناء ممارسة الجنس، أو الدورة الشهرية. 
وتؤكد استشارية النساء والولادة الدكتورة ليانه نصر بدر، أن "للختان أضرارًا صحية بالغة، فإلى جانب تسببه بالتشوهات للأعضاء التناسلية فأنه سبب في زيادة احتمالية إصابة المرأة بالالتهابات الحوضية وزيادة احتمالية الإصابة بالناسور الولادي، وقد يؤدي إلى الوفاة أو أمراض مزمنة، كالتهابات المسالك البولية واحتقان الحوض وتضرر المثانة والجهاز التناسلي، إضافة إلى فقدان الرغبة الجنسية والتأثير النفسي على الفتاة".
وتشير بدر إلى أن هناك ٤ أنواع من ختان الإناث: النوع الأول يتم فيه استئصال البظر، أما الثاني فيتم فيه استئصال البظر والشفرين الصغيرين، وفي الثالث يقطع الشفران الصغيران والكبيران ويخاطان مع ترك فتحة صغيرة، والنوع الرابع يشمل جميع العمليات الضارة الأخرى مثل وخز وثقب وكشط البظر أو منطقة الأعضاء التناسلية.

حرب نفسية
إن المخاطر النفسية أيضًا لا تقل تأثيرًا عن المخاطر الجسدية، إذ تظل الفتاة تشعر بالإحساس بالنقص كلما تذكرت التشويه الذي تعرضت له أعضاؤها التناسلية، بالإضافة إلى البرود الجنسي الذي يؤثر على علاقتها مع الزوج أثناء المعاشرة، ويدفعها للإحساس بأنها "أنثى مشوهة".
وعلقت أخصائية الطب النفسي وفاء سعد طلحة: "ما تزال عملية ختان الإناث مستمرة في المناطق النامية المتمسكة بالعادات والتقاليد بحجة المحافظة على طهارة الفتاة، ونجد أن الفكرة السائدة في المجتمع أن الفتاة المختونة باردة على فراش الزوجية دون العلم أن الاستثارة الجنسية تكون أولًا في الدماغ وليس الجزء المستأصل، فتعامل الزوجة معاملة سيئة مما ينعكس على نفسيتها مسببًا لها ضغط نفسي، والإكثار من المحاولات لإرضاء الزوج فتوصل إلى الشعور بالدونية وتتقبل استحقار الزوج بانكسار قد يضعها في دائرة الاكتئاب وكره العلاقة الزوجية ما يؤدي إلى زيادة المشاكل".
تكمل: "تحتاج النساء في مثل هذه الحالة إلى الوعي بأن المرأة المختونة مثلها مثل أي امرأة لديها القدرة على الوصول إلى المتعة في العلاقة الزوجية، كما تحتاج إلى جلسات في فهم جسدها وأماكن الاستثارة بحضور الزوج إضافة إلى جلسات الدعم النفسي".

وجهة نظر دينية
من جانبه قال شيخ الدين الدكتور ياسين اليهري، إن "الشرع أجاز الختان لمن يريده، فيرى المذهب الحنفي أن الختان سنة، ويعتبره المذهب المالكي أنه مستحب، فيما يراه المذهب الشافعي واجب ولهم رواية قديمة أنه مستحب، فيما يوافق المذهب الحنبلي الحنفي بأن ختان الإناث سنة".
ويوضح اليهري، أن "هناك من يأخذ البظر والشفرين الكبيرين أثناء الختان ومعنى ذلك أنه يأخذ المنطقة المحيطة بمخرج البول بأكملها، طبيًا هذه المنطقة تحتوي من ٤٥ ألف إلى ٦٠ ألف خلية عصيبة، هذا الكم الهائل من الأعصاب في هذه المنطقة لا شك أن الله تعالى وضعها لأداء وظيفه حيث أن نقصها يؤدي إلى البرود الجنسي بسبب ضعف أداء وظيفتها حيث تنقص الرسائل التي تنتقل إلى الجهاز العصبي ومن ثم إلى الدماغ، لذا تتعرض كثير من الإناث المتزوجات إلى عنف لفظي ويتردد على مسامعها أنتِ مختونة وعندك برود جنسي".
 
ضعف القوانين
يجرّم القانون على مستوى العالم هذه العادة ويعاقب مرتكبيها بالسجن وتختلف المدة باختلاف النتائج المترتبة، ولكن مع ذلك ما زالت هذه العادة غير مجرّمة في كثير من البلدان ومنها اليمن، حيث تمارس عادة ختان الإناث في بلادنا بدون أي غطاء قانوني، بل أنها عادات وتقاليد اتخذت في كثير من الأحيان شكل الممارسات الدينية.
وفي إطار ذلك، تؤكد المحامية والحقوقية هدى الصراري، عدم وجود أي مادة قانونية تجرّم ختان الإناث، إنما هناك قانون للإيذاء البدني ويدخل ختان الإناث ضمن ذلك، "لكن لا تستطيع الفتاة رفع قضية على والديها أو تدّعي تعرضها لإيذاء من أحد أفراد أسرتها لأن هناك نصوص قانونية لا تجرّم أي اعتداء من الآباء تجاه الأبناء".
مضيفة: "يعتبر ختان الإناث من الايذاء البدني الذي يتسبب فيما بعد بأعراض مسيئة للمرأة كما يتسبب بأعراض ومضاعفات مرضيه، ويعتبر من العادات والتقاليد ومن الصعب تجريمه إنما ممكن التخفيف أو الحد منه بمواصلة عملية التوعية".

أرقام 
وكشفت نتائج عملية مسح أعدتها الزميلة علياء يوسف بدأت في مايو 2019 واستمرت حتى نهاية أكتوبر 2020، وشملت 12 محافظة تنتشر فيها هذه الظاهرة، أن محافظات الحديدة وحضرموت وتعز هي أكثر المحافظات التي ارتفعت فيها نسبة الفتيات اللاتي أجريت لهن عملية الختان، وأن ما نسبته 19.4% من القائمين بعملية الختان هم أطباء وممرضون وأعوان يعملون في مراكز صحية حكومية وخاصة، فيما توزعت باقي النسب على "الدايات"، وهن نساء يمتهن التوليد والختان، كما قد يتولى أحد أفراد العائلة بنفسه عملية الختان.
وأظهر المسح أيضا أن 10.6% من العمليات تمت في مراكز صحية حكومية و13.7% في عيادات خاصة، فيما توزعت النسب المتبقية على منزل القائم بعملية الختان أو منزل الضحية.
وتراوحت الأضرار الناجمة عن الختان وفقًا للحالات بين الوفاة والنزيف الحاد والتهابات المسالك البولية المزمنة وتكوّن أكياس دهنية وأضرار أخرى.
وبحسب إحصائية صادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان في يونيو 2020، أن 19% من الإناث الذين تتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا في اليمن خضعن للختان، وجاءت اليمن بذلك في المرتبة السادسة بعد الصومال، وجيبوتي ومصر والسودان وموريتانيا، من حيث ترتيب الدول العربية التي تنتشر فيها هذه الظاهرة.
وخلص بحث أعده فريق منظمة إيكوالتي ناو (Equality Now) البريطانية، بالتعاون مع الشبكة الأوروبية والشبكة الأمريكية للقضاء على الختان العام الماضي، إلى أن اليمن ضمن عدد من دول الشرق الأوسط التي تمارس ختان الإناث، حيث قدرت الإحصائيات الرسمية أن نسبة انتشار الختان بـ 18.5% بين النساء والفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 49.