​​​​​​

في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!

إصلاح صالح

لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكرهة لعش الزوجية بعينين باكيتين، ويد عريسها تحكم قبضتها على يدها. 

صوتها المخنوق وهي تروي قصتها كشف عمق الجرح الذي تعرضت له: "كل محاولات الترجي لم تشفع لي عند أمي وأبي، اللذين كانا مصرين على زواجي على اعتبار أن الزواج في مصلحتي".  

فشل حتمي 

هدى التي تسكن في إحدى قرى محافظة إب، وسط اليمن، تطلقت بعد زواج دام عام ونيف فقط، لتجد نفسها مجبرة على التعايش مع أزمة وعقدة نفسيتين لم تتخلص منهما -كما تقول- وتطور وضعها حد رفض فكرة الزواج رغم مرور ثلاثة أعوام على مأساتها. 

العشرينية سامية، ابنة محافظة تعز، كان قرارها مغايرًا، فقد انصاعت لزواج أجبرت عليه من قبل أهلها لتعيش حياة تصفها "بالموت بصمت" في سبيل تربية طفلها. 

ووفقًا لأستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب بجامعة عدن فضل الربيعي فإن بعض التجارب الزوجية التي بدأت بشكل من أشكال الإكراه قد تنتهي بالفشل، في حال أجبرت الفتاة على الزواج برجل لا تحبّه ولا ترغب في الزواج به، خصوصًا إذا كان الإكراه بدافع الحصول على مصالح مادية للأب على حساب ابنته.  

كما أن نتائجه الكارثية لا تقتصر على انهيار الزواج أو فشله فحسب بل له تباعاته السلبية التي تؤثر على حياة الأبناء، وعدم استقرار الأسرة وتختلف أسباب تزويج الفتيات بالإكراه، فمنها ما يأتي لأسباب ماديّة ونتيجة لحاجة عائلة الفتاة، أو قد يكون زواج الأقارب المنتشر في المجتمع القبلي، أو زواج التبادل، وفي هذه الحالة يتمّ تزويج الفتاة من شخص لا تعرفه، يتم اختياره من قبل عائلة الفتاة التي اختارها والدها أو أخوها للزواج، حتى أن الأمهات من كبار السن نتيجة الجهل يدعمن الرجال في هذا الأمر، ولكن كثيرًا من تلك الزيجات تؤدي إلى مشاكل زوجية تنتهي بالطلاق. 

قوانين قاصرة 

وعلى الرغم من أنّ المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي صادقت عليه اليمن عام 1986، تنص على أنه "لا ينعقد الزواج قانونًا إلا برضى الطرفين رضاءً كاملًا لا إكراه فيه". ويُعتبر إبرام عقد الزواج في غياب الإرادة الحرة للطرفين المعنيين باطلًا ولاغيًا في عدد من الدول من بينها الإمارات وسلطنة عمان، كما أصبح الزواج بالإكراه يُمثّل جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن أو الغرامة، إلَّا أنَّ العادات والتقاليد القبلية، والمستويات التعليمية المحدودة، وغياب تطبيق القوانين في اليمن، لا تزال عائقًا في إحراز أيّ تقدّم في الحدّ من هذه الظاهرة، وفقًا للناشطة الحقوقية هدى الصراري. 

وتشير الصراري إلى إن زواج الإكراه يُعدّ من القضايا التي لا تثار قضائيًا إلا إذا تقدّمت الضحيّة بالشكوى. ويتوجّب عليها حينها إثبات تعرّضها إلى التهديد أو إجبارها على الزواج، وصعوبة الوقوف في المحكمة وتقدّمها بشكوى ضد والدها أو إخوتها.  

تضيف الصراري: "في الشريعة الإسلامية البكر علامة رضاها السكوت، والثيّب تنطق بالموافقة، وهذا حديث نبوي واضح، لكن يتم إسقاط هذه الحقوق والأب يوكل بالنطق بالموافقة، وحتى أن الفتاة في أحيان كثيرة لا تعلم بذلك العقد إلا بعد إعلان والديها دون الأخذ برأيها واستشارتها، لأن الإيجاب والقبول من شروط الزواج، فبالتالي عندما يسقط هذا الشرط يكون في عقد الزواج عيبًا ولو ترفع قضية يتم إسقاط هذا الزواج أو فسخه". 

مخالفة للأعراف القبلية 

ينظر البعض إلى إن العرف القبلي في اليمن يجبر المرأة على الزواج، ويمارس انتهاكًا ممنهجًا بحقها إلا إن الشيخ صالح مجمل روضان، رئيس المجلس الأعلى للعُرف القبلي في اليمن، يرفض ذلك ويرى أن تزويج الفتاة دون موافقتها والأخذ برأيها مخالف للأسلاف والأعراف القبلية ولا يمت لها بصلة، وإن وجدت عند البعض من القبائل فهي عادات باطلة وغير مقبولة، والعرف القبلي يمقت ذلك وينكره جملة وتفصيلا.  

ويوضح الشيخ روضان، أن العرف في مثل هذه الأمور يعمل وفق قواعد الشريعة الإسلامية ولا يخالفها، فمن حق الفتاة أن تكون صاحبة الرأي والقرار الأول والأخير في قبول أو رفض من يتقدم لطلب الزواج منها لأن ذلك حق شرعي وعرفي مكفول لها في الدين والأعراف. 

 يكمل: "إن إجبار المرأة أو الرجل على الزواج دون الأخذ برأيهم وعدم موافقتهم بهذا الارتباط المصيري له عواقب وخيمة، تنعكس على الطرفين بشكل خاص بالخلافات، وعدم الاستقرار في بيت الزوجية، ناهيك عن ضياع الأولاد إن كانا قد أنجبا، وعواقب تصيب أسر الطرفين بشكل عام نتيجة هذه الأخطاء والعادات السيئة". 

جروح عاطفية 

آثار نفسية عدة تترتب على الزواج بالإكراه تؤكدها الأخصائية النفسية، إيمان البريهي قائلة: إن "الآثار النفسية للمرأة عند إجبارها على الزواج متنوعة وتختلف من حالة لأخرى، فقد تتعرض للقلق والتوتر، والاكتئاب، وانعدام الثقة بالنفس، والإحباط، وشعورها بعدم القدرة على التحكم في حياتها واتخاذ قراراتها الخاصة، إضافة إلى العجز والضعف، مما يؤثر سلبًا على حالتها العاطفية".  

وتضيف البريهي: "إجبار المرأة على الزواج يؤدي عادة إلى انخفاض الرغبة الجنسية؛ حيث تشعر بعدم الارتياح والاستياء من العلاقة الزوجية، وقد يفتح ذلك بابًا من المشكلات". 

بدوره، الدكتور فضل الربيعي، يرى أن مسألة الزواج في مجتمعنا اليمني خاضعة لظروف وثقافة المجتمع التقليدية، ولا تتعلق بالفرد ذاته كان العريس أو العروس، بل يعود القرار إلى جماعة الأسرة، باعتبار أن المرأة ستحمل معها اسم العائلة، ثم إن كبار السن يرون بأنهم أفهم بمصالح ابنتهم على عكسها، فهي قد تقع تحت تأثير العواطف، حسب ما يرونه. 

هدى وسامية، رقمان إضافيان في قائمة طويلة من ضحايا الزواج بالإكراه، في ظلّ الطابع الذكوري والقبلي الذي يسود المجتمع، كما ويشرّع الأبواب أمام العنف القائم على النوع الاجتماعي والعنف العائلي والعنف الجسدي، وهو ما يحتاج إلى تكثيف الجهود للتوعية وإصدار قوانين تحمي الفتيات وتحول دون استمرار هذه الانتهاكات. 

 

منصة أصوات نساء يمنيات