​​​​​​

لروح الموسيقى عودة في عدن بأنامل نسائية

إصلاح صالح


قامت فتيات من مدينة عدن بتشكيل الفرقة الموسيقية النسوية الأولى في اليمن. جمعهن حب الموسيقى وحماس وتصميم لكسر العادات الدخيلة على المجتمع في المدينة التي عرفت المسرح والفنون منذ مطلع القرن الماضي، إثباتًا أن الموسيقى ليست حكرًا على الرجال وهي متنفس، بعيدًا عن أجواء السياسة والحرب. 

في مؤسسة عدن للفنون والعلوم، اجتمعت 14 فتاة متحدة بحب الموسيقى. حلمهن أن تصل أصواتهن للعالم أجمع، بعد النجاح المحلي الذي حققته تجربة إنشاء فرقة موسيقية نسائية، على غرار غيرها من الفرق الموسيقية الخاصة بالشباب.

يقول شعيب العفيف مدير مشروع الفن مهنتي: "نساعد الفتيات على تجاوز التحديات والمعيقات المحيطة بهن، من خلال تطوير مهاراتهن في العزف على الآلات الموسيقية، وكذلك نساعدهن في تحقيق أحلامهن للوصول إلى مستويات متقدمة." 

أتمنى أن يصبح هذا التجمع
النسوي فرقة وطنية موسيقية.

فكرة تأسيس فرقة موسيقية متكاملة من النساء فقط، نابعة من رغبة العديد من الفتيات في تعلم الموسيقى، وانطلاقًا من إيمانهن بإمكانية ممارسة الموسيقى كمهنة. "قمنا بتصميم مشروع الفن مهنتي وتقديمه لمنح الاتحاد الأوروبي ومعهد جوته، وتم تنفيذ المشروع باسم مؤسسة عدن للفنون والعلوم،" يقول العفيف. 

ويرى العفيف أن جزءًا كبيرًا من المجتمع قبل وجود أول فرقة نسائية متكاملة، ورحب بهذا الحدث الفريد من نوعه. "أتمنى أن يصبح هذا التجمع النسوي فرقة وطنية موسيقية تشارك في الاحتفالات الرسمية داخل البلاد، وتمثل اليمن خارجيًا في المهرجانات والمسابقات،" يضيف العفيف. 

 

تأهيل وتحدي

عكفت عضوات الفرقة على عزف الموسيقى باستخدام أربع آلات موسيقية: العود، الكمان، البيانو، والجيتار، ضمن دورة تدريبية استمرت ثلاثة أشهر في مؤسسة عدن للعلوم والفنون. تلقت الفتيات خلال التدريب أساسيات الموسيقى ومبادئ الثقافة الموسيقية، استخدام آلات العزف المختلفة، الوترية منها وغير الوترية، إضافة إلى معرفة الطبقات الصوتية والسلم الموسيقي. قام بعملية التدريب نخبة من فناني ومدربي الموسيقى والغناء والعزف في معهد جميل غانم للفنون الجميلة بعدن. 

من أهم التحديات التي
واجهتنا هي نظرة المجتمع
لنا كنساء يعزفن الموسيقى.
 
لاقت عضوات الفرقة التشجيع من الأهل والعائلة والمقربين، فيما ظهرت فئة في المجتمع ترفض الموسيقى عمومًا للفتيات، وترى فيها عيبًا كبيرًا. لكنهن تحدين المجتمع وقاومناه عن طريق إثبات أهمية الموسيقى للإناث. 

تقول عازفة آلة الكمان، دينا المدني، 25 عامًا، وهي إحدى عضوات الفرقة النسائية "من أهم التحديات التي واجهتنا هي نظرة المجتمع لنا كنساء يعزفن الموسيقى، واحتكارها فقط للرجال. هذا اعتقاد شائع غير صحيح ومترسخ في عقول مجتمعنا. تجاوزته بتشجيع عائلتي ووقوفهم معي حتى وصلت". وتصف المدني، التي بدا عليها الشغف بالموسيقى وآلة الكمان، تجربتها بأنها "جميلة"، فقد كان فيها الكثير من الإصرار والعزيمة والتعاون والعمل بروح الفريق الواحد لمواجهة كل التحديات واستمرارية الوصول. 

يذهب القائمون على المشروع إلى أن تعزيز وجود المرأة وتمكينها فنيًا وفكريًا يعد من أبرز دوافع إنشاء الفرقة، خصوصًا في مجال العزف، لكون المرأة مغيبة تمامًا عن هذا الجانب، ولتكون فعلًا حاضرة في المجالات كافة. 

وبالعودة إلى ماضي مدينة عدن، فإن حرية المرأة في مجال الفن كانت مزدهرة في الماضي، إلا أنه تم التضييق على الوُجود الثقافي للمرأة منذ سنة 1990.   

 

يقول المخرج المسرحي وأستاذ التمثيل في معهد الفنون الجميلة، عبد العزيز عباس إن الأغنية العدنية برزت بدرجة أساسية بعد تأسيس "الندوة العدنية" برئاسة الفنان خليل محمد خليل في أربعينيات القرن الماضي، وبرزت فيها الكثير من الأسماء التي اتسمت بالحداثة والتطور والتجديد، تماشيًا مع التعايش الذي كانت تتميز به عدن، فأصبحت الأغنية ترضي وتغطي الكثير من الأذواق من حيث اللحن والكلمة.

ظهرت المرأة العدنية في مجال الموسيقى في مرحلة مبكرة، وكانت نجاة قاسم، شقيقة الفنان أحمد قاسم، أولى من عزفت على العود وغنت. لم توثق أغاني نجاة قاسم في ذلك الوقت قبل ظهور الإذاعة، وبعد ظهورها سجلت الكثير من الأغاني. "في أوائل الستينيات ظهرت فرقة تسمى "الثلاثي اللطيف"، مكونة من صباح منصر ورجاء باسودان وأسمهان عبد العزيز، وغنت الأغاني الصباحية والدينية ومختلف الألوان،" يضيف عباس. 

العرض الأول  

دشنت الفرقة الموسيقية النسائية أول عمل فني جماهيري لها بأمسية أقيمت في 14 مارس بمدينة عدن، حيث عُزفت مقطوعات موسيقية محلية وعربية وعالمية، وأحيت التراث الفني اليمني. 

ويرى نشطاء أن الفرقة عملت على تنشيط الحراك الثقافي في عدن وإعادته لمكانته الطبيعية، باعتباره من أبرز حواضن الفن، عوضا عن أخبار الحرب ومعارك السياسة التي أصبحت تحتكر تشكيل الصورة الذهنية للناس عن المدينة. فيما وعد مدير مكتب الثقافة في عدن، أحمد بن غودل، برعاية فكرة الفرقة وتطويرها وإضافة آلات جديدة، طالما أن هناك مواهب بهذا المستوى. 

ويعبر الصحفي، نشوان العثماني، عن بهجته بذلك، واعتبره ضمن سياق استعادة المدينة ملامحها الثقافية والحضارية والفنية، وعودة المرأة إلى دورها الرائد، واصفًا الجهود المبذولة بأنها تُكمِّل بعضها في كافة المجالات، وتأتي كخطوة تقدم وجهًا مشرقًا للأمل. 

الموسيقى أصبحت جزءًا من حياتنا
ولا شيء سيوقف أحلامنا عن التحقق.

ويكمل العثماني أن "هذا الشغف لمجموعة من الفتيات يعيد للمدينة روحها؛ تمسك الفتاة بآلة الكمان، العود، الجيتار أو البيانو، لتعبر عن نظرة حالمة بعين الفن، لتجاوز أي نظرة دونية أخرى بأن المدينة والفن والمرأة هم ثالوث لا ينفك عن بعضه". 

الحرب ونظرة المجتمع تمثلان تحديًا أمام طموحات فتيات الفرقة، لكن العزيمة والإصرار تدفعهن للاستمرار. تقول عازفة آلة الكمان، دينا المدني: "الموسيقى أصبحت جزءًا من حياتنا، تدخل الفرح والسرور، ولا شيء سيوقف أحلامنا عن التحقق."  


الصور: ©  مشروع الفن مهنتي