​​​​​​

نسوية افتراضية في واقع ذكوري!

عبد الملك النمري

يبدو الوسط الإعلامي واقعًا مفتوحًا لذوي الخبرة والكفاءة في كثير من الدول، وفي نفس الوقت لا يزال عند بعضها محصورًا على فئة دون أخرى؛ ففي اليمن تعتبر فرص هذا المجال خاصة بالرجل، والرجل فحسب، وعلى الرغم من ذلك، برزت مؤخرًا إلى السطح شخصيات صحافية كسرنّ القيود، وشققنّ طُرقًا ونجاحات جديدة، وبجهود ذاتية أسسنّ مشاريع مُستقلة تتفرد بالإدارة النسوية.

عبير واكد، حضرمية المنشأ، صحفية حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة حضرموت. بدأت نشاطها الإعلامي والحقوقي في مناصرة النساء والشباب منذ العام 2013م، وما إن اندلعت الحرب اليمنية حتى نشطت في قضايا الأمن والسلام على مستوى المحافل الدولية.

حازت واكد على جائزة الوكالة الفرنسية للإعلام لأفضل تغطية إعلامية لـ "كوفيد-19" باليمن، وتعتبر حاليًا عضوة في شبكة "مكانتي" الفرنسية، وعضوة في منصة صحافة السلام. إنجازات جميعها تدفعنا للتفتيش والبحث في مشوار واكد الصحفي، وتسليط الضوء على ما لاقته من صعوبات.

منذ سنوات التخرج، عملت واكد مع العديد من المنصات الإعلامية، ومع كل جهة، فضلت عدم ذكر أسماء، كانت تشعر بالتهميش بعد انتهائها من كل عمل وتكليله بالنجاح، وبحسب حديثها، فإنها لم ترى سببًا منطقيًا لرفض مشاركتها والعمل من جديد سوى شخصيتها القوية، والتي تدفع الإدارة الذكورية لإقصائها.

وبعد مسلسل طويل من الإقصاء، لجأت واكد في مارس 2018م إلى إطلاق مشروعها الخاص "العمود الوردي" بالتعاون مع موقع "الوطن توداي"، ثم استقلت به كمدونة خاصة تقدم من خلالها مقالات أسبوعية تتحدث عن النساء، وتتناول واقعهنّ ومشاكلهنّ وطموحاتهن، كما خصصت مقالات محتواها يساهم في تحفيز المرأة ودعمها معنويًا ونفسيًا، كما تقول.

تَأثُّر نساء المجتمع كافة بفكرة هذا العمود بما ينشره من مقالات تقوم على عنصر "المحاكاة"، وعلى الأسلوب الرشيق في تقديم ما يخص المرأة، كانت أهدافًا سامية للمدونة؛ الأمر الذي جعلها تحدث أثرًا واسعًا، وضاعف عدد القُراء من الجنسين بشكل فاق توقعات واكد، والتي صارت قائدة مؤثرة وسط مجتمع قبلي عادة ما يرفض تقبل هذا النوع من الأفكار.

وساهم "العمود الوردي" في مناصرة المرأة بطرح مشاكل وقضايا في الغالب لا تطرح في وسائل الإعلام التي تقتصر على تناول قضايا معينة، أو زوايا جزئية منها، وفقًا للخطة التي تسير بها الوسيلة، على عكس المدونة التي صارت مساحة آمنة ومُتنفسًا للكثير من الفتيات.

توضح واكد لـ "هودج" : "لكل مقالة رجع صدى"، وتضيف: "كانت تصلني كثير من الرسائل عبر مواقع التواصل الاجتماعي من فتيات وسيدات يُشاركنني تجاربهنّ والآراء بحسب موضوع المقالة؛ وهذا ما جعل العمود حلقة وصل نسوية بحتة. أخبرتني إحداهنّ أن إحدى المقالات قد ساعدت شقيقتها على تجاوز مشكلة الطلاق".

محدودية التواجد

لأن المجتمع اليمني قبلي بامتياز، عادته التقليل من قدرات الإناث في القيادة؛ ما يفسر الذكورية في مختلف الأوساط، بينها الصحفي.

الوظائف الحكومية العليا (رئاسة مجلس الإدارة، وكيل وزارة، ورئيس قطاع) في مجال الإعلام حكرًا في اليمن على الذكور دون الإناث، وفقًا لدراسة الدكتور في جامعة صنعاء، صالح حميد.

يوضح: "المستويات الوظيفية التي تعمل فيها النساء داخل المؤسسات الإعلامية تندرج في مستوى الإدارة الوسطى بنسبة 60%، كما تتواجد النساء بنسبة 33 % في مستوى الإدارة الدنيا، فيما يتواجد الذكور بنسبة 21% في مستوى الإدارة العليا مقابل 6% من إجمالي عينة الدراسة للنساء، وهذه النتائج تؤكد سيطرة الذكور على المناصب القيادية العليا".

ويرى  في دراسته، "الإعلام النسوي في المجتمع اليمني"، أن جملة من العوائق تقف أمام المرأة اليمنية التي تعمل في وسائل إعلامية، وتمثل لهنّ تحديات حقيقية تحول بينهن وبين الحضور القوي والفعال؛ نتيجة لقيود اجتماعية تفرضها عقلية المجتمع الذي يُرسّخ صورة نمطية سلبية لبعض فئات المجتمع، وبالأخص النساء.

لأول مرة في تاريخ اليمن، عينت نادية السقاف وزيرة للإعلام في حكومة الكفاءات نهاية عام 2014م، والتي كلفت بدورها الصحافية نادرة عبدالقدوس رئيسة تحرير لصحيفة  14أكتوبر الحكومية، قبل أن تستقيل تحت ضغط التحريض.

منذ تقديم نادرة الاستقالة، انتظرت النساء حتى منتصف فبراير من العام الماضي ليحصلنّ على منصب حكومي قيادي في مجال الإعلام؛ ذلك بتعيين محافظ عدن، أحمد لملس، هدى خالد الكازمي مديرة عامة لمكتب إعلام المحافظة.

وعما إذا تقبل المحيط الإعلامي والاجتماعي تعيينها في منصب طالما ظل حكرًا على الذكور، تقول هدى الكازمي في تصريح خاص لـ"هودج": هناك قبول يحدده المحيط الإعلامي والمجتمعي، ولا أحدده أنا. نحن نعمل قدر المستطاع لإيجاد دور حقيقي لمكتب الإعلام بعد أن أصابه التهميش والإقصاء والإهمال".

وبحسب الكازمي، وهي أكاديمية في مجال الإعلام، "ظل مكتب الإعلام في عدن لأكثر من 20 عامًا حكرًا على مدير واحد، وحبيس الأطلال، يفتقد لأبسط مقومات العمل الإداري والإعلامي، واليوم أصبح له دور في العمل الإداري والإعلامي".

وفيما أصبح العمل أكثر تنظيمًا، وبات هناك دور فاعل للمكتب، تواجه الكازمي، كما تقول، صعوبات عدة معظمها بنيوية وتنظيمية، لكنها تؤكد أن العمل "يسير على ما يرام"، وتضيف في حديثها لـ"هودج: "سنستمر بالعمل من أجل عدن وأهلها، وسنعمل في كل الظروف مهما كلفنا الثمن، ونأمل أن نكون قد قدمنا الشي الطيب للإعلام والمهنية الإعلامية"

تاء التأنيث

عبير عبدالله، مراسلة ميدانية، ورئيسة تحرير منصة "تاء" المتخصصة بالمرأة، تتحدث لـ "هودج": "اعتقاد بعض الإدارات الذكورية للمؤسسات الإعلامية بقلة كفاءة المرأة، وعدم قدرتها على تحمل أعباء المهنة خصوصًا في الميدان، وقدراتها البطيئة في الإنتاج هو السبب الحقيقي لقلة الصحفيات ميدانيًا".

وتضيف: "حصول المرأة اليوم على ما تستحقه من الامتيازات والاستحقاقات المكتسبة في مجال الإعلام أمر قد يبعث على استهجان البعض على اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية والاجتماعية"، مؤكدة: "هناك العديد ممن كان لهنّ تجاربهنّ الصعبة مع الأهل والمجتمع؛ لاعتقاد البعض بأن التحاق المرأة بوظيفة هي الأكثر حساسية وتحفظًا يعد تجرؤًا لا يتوافق مع عاداتهم ومبادئهم".

وتشير دراسة أجراها منتدى الإعلاميات إلى أن نسبة الإناث في قوة العمل داخل المؤسسات الإعلامية تمثل 32% مقابل 78% للذكور، ويتركز عملهنّ في التقديم وتحرير المواد.

وعلى الرغم من محدودية التواجد للمرأة، إلا أن النسبة تراجعت بعد تأزم الأوضاع في 2014م؛ حيث وصلت إلى أقل من 20%، أغلبهنّ يعملنّ في الوسائل المرئية والمسموعة، مقارنة بالرجال الذين يشكلون 80%، ويتوزعون على مجال الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون، وفقًا لأستاذة الإعلام، نوال عبد الله الحزورة.

امرأة استثنائية

بقدر وعي المجتمع تنال المرأة مساحة حرة لممارسة العمل. نور سريب، وهي صحفية من مدينة عدن، لم ترى في مهنة الصحافة مكانًا للتمييز الجُندري؛ باعتبارها نشأت على رؤية كوكبة من الصحفيات عملنّ في قنوات التلفزة والإذاعات المحلية؛ وهذا ما شكل لها دافعًا لخوض التجربة بتحدي وشغف كبيرين.

بدأت مراسلة في عدد من الصحف، ثم عضوة في غرفة أخبار مشاورات السلام اليمنية التي أقيمت في السويد 2018م، وتدير اليوم صحيفة "الوطن توداي"، وعضوة في مجلة "فاين لاين" النسوية، ومراسلة لوكالة أنباء المرأة. تقول إنها تنقلت بين المنصات دون أن تواجه أية مشاكل لكونها شابة، وإن العمل كان يسير وفق المعايير المهنية.

وتستطرد لـ "هودج": "بإمكاننا القول إن الفرص القيادية غالبًا تذهب للرجال؛ بسبب الأوضاع السياسية والترشيحات التي تتخذ معايير حزبية لإدارة المرافق الحكومية، لكن مؤخرًا أصبح هناك توجه للعمل بعيدًا عن المرافق الحكومية؛ أي في مواقع صحفية تُدار بواسطة النساء".

ومن أجل تعزيز وجود الفتيات في المؤسسات الإعلامية؛ فقد أنجبت مشروعها "الوطن توداي" كمنبر يمثل قناعاتها الشخصية، حد تعبيرها، مع إتاحة فرص القيادة لزميلات المهنة، وتوفير مساحة لنشر أخبار وتقارير الصحفيين والصحفيات مع إعطاء الأولوية للنساء، وهي صحيفة صادرة عن مؤسسة الإعلام الديمقراطي، وتهتم بشؤون المرأة وحقوق الإنسان.

وعن الصعوبات التي واجهتها، توضح نور: "التمويل هو المشكلة الأكبر، لكن العمل لم يتوقف. تكاليف الاستضافة أدفعها من عملي الخاص أو الإعلانات في حال توفرت".

ثمة قصص كثيرة طرفاها الإرادة والإدارة في آن. تُضاف لرصيد الإناث منصات نسوية خالصة هي بمثابة مشاريع مستقلة تعني بالمرأة ومناصرتها. جهود ذاتية تسعى نحو تمكين المرأة وتعزيز ثقتها بما تملك من مهارات، إضافة إلى التفرد بالقيادة والاستقلال في العمل، كل هذا وأكثر يمثل قفزة نوعية، وانتقالة مهمة في مشوار وحياة الصحفيات في اليمن.

 

نشرت هذه المادة في منصة هودج على الرابط التالي:


https://hodaj.net/posts/nswy-ftrdy-fy-wqaa-dhkwry