​​​​​​

سجينات خارج السجون

بشرى الحميدي

لا تختلف أوضاع السجينات اليمنيات في السجن عنها بعد الخروج منه؛ حيث قد يتعرضنّ للملاحقة أو التهديد، وغالبًا ما يتبرأ الأهل منهنّ في ظل عدم وجود حماية قانونية تضمنّ سلامتهنّ، وتحفظ كرامتهنّ.

وفي مارس 2021، أوردت منظمة سام، في تقريرها، أرقامًا صادمة عن حجم الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة اليمنية خلال سنوات الحرب الستة الماضية؛ حيث سجلت أكثر من 4000 حالة انتهاك حتى نهاية 2020، شملت القتل، والإصابات الجسدية، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، والمنع من التنقل.

التقرير أشار، أيضًا، إلى وجود أكثر من 900.000 امرأة نازحة في مخيمات محافظة مأرب؛ بسبب الصراع في اليمن، وتأتي جماعة أنصار الله الحوثيين في مقدمة الأطراف المنتهِكة لحقوق المرأة بنسبة 70%، تليها القوات الموالية للشرعية بنسبة 18%، ثم المجلس الانتقالي بنسبة 5%، وجهات أخرى بنسبة 7%، وتنوعت بين قتل متعمد، وإصابات بالغة بحق المدنيات والناشطات، والتي ترقى لمستوى جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، بحسب التقرير.

سونيا

سونيا صالح واحدة ممن تعرضنّ للاعتقال، حدث ذلك في صنعاء، مارس2019 م؛ بسبب ما نشرته عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي من انتقادات بشأن الأوضاع المعيشية، وارتفاع أسعار السلع، وإيجارات الشقق السكنية.
تعرضت سونيا لاعتداءات وحشية أثناء فترة اعتقالها في سجون جماعة أنصار الله الحوثيين، بين الترهيب، والاعتداء الجسدي، والتجويع لأيام.

كانت سونيا تأمل أن تنتهي مأساتها سريعًا؛ لتعود إلى أهلها، لكنَها صُدمت بواقع مرير بعد خروجها؛ حيث شعر أهلها بالعار منها، وتركوها تواجه مصاعب الحياة، ومخاطر التعرض للقتل بمفردها، كما تقول، مؤكدة: “أُفرج عني بكفالة مالية، رغم ثبوت تعرضي للتعذيب في تقرير الطب الشرعي، وقضيت 3 أشهر، بعد خروجي، في حالة نفسية صعبة”.

تعنيف أسري

تقول سونيا: “مرضت ابنتي، وبسبب مرضها، وسوء الحالة الطبية في صنعاء؛ فقد نصحتُ من قبل الطبيب، بعد عرضها عليه، بأخذها إلى مستشفى الحياة في المكلا (عاصمة محافظة حضرموت)؛ لأنّ هناك تنسيق لوصول بعثة طبية مجانية لإجراء عمليات القلب”.

وتضيف: “عندما علم إخوتي المتواجدون في الخارج بخبر سفري إلى المكلا، وقفوا ضدي، ومنعوني من السفر، وتعرضت للتعنيف من قبلهم، وقد أوصوا أحد إخوتي، الذي كان معي في اليمن، بمنعي من السفر؛ خوفًا من هروبي إلى خارج الوطن، حتى لو اضطر إلى أخذي للقرية، وسجني في البيت”.

“النساء اللواتي أُفرج عنهنّ يواجهنّ مشكلات كبيرة، ليس على الصعيد الجسدي والنفسي فقط، وإنما على الصعيد الأسري والاجتماعي أيضًا”.

توضح سونيا: “تدَّخل طليقي، والد ابنتي، وأقنع أهلي بسفري على مسؤوليته، شرط أن يرافقني أحد الأقارب؛ حتى يضمن عدم هروبي. وافق أهلي، ولكنّهم، أيضًا، احتجزوا بقية أولادي؛ ليضمنوا عودتي مرة أخرى”.

رسائل تهديد

عادت إلى صنعاء، بعد 10 أيام في المكلا، ومكثت فيها أربعة أشهر، تعرضت، خلالها، للتضييق، وسوء المعاملة من قبل الأهل؛ فقررت الهروب إلى محافظة عدن، حيث مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.

بعد أن رفضت العديد من منظمات المجتمع المدني دعمها، كما تقول، عدا منظمة مسار السلام بالتعاون مع بعض الأصدقاء؛ لتسهيل عملية سفرها من صنعاء إلى عدن، حيث مكثت ثلاثة أشهر، تلقت رسائل تهديد من قبل جماعة أنصار الله الحوثيين جعلتها تقرر السفر إلى العاصمة المصرية القاهرة.

إعادة التأهيل

عضو الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، نعمان الحذيفي، أوضح أن: “النساء اللواتي أُفرج عنهنّ يواجهنّ مشكلات كبيرة، منها الافتقار إلى إعادة التأهيل، ليس على الصعيد الجسدي والنفسي فقط، وإنما على الصعيد الأسري والاجتماعي أيضًا، في ظل مجتمع تقليدي يستعيب المرأة السجينة، وكثير من النساء المفرج عنهنّ يجدنّ صعوبة بالغة في عملية الاندماج”.

ويصف رئيس الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، محمد العمدة، النساء اليمنيات بأنهنّ “تصدرنّ كشوفات المختطفين، والمخفيين قسرًا، والمعذبين، فضلًا عن تعرضهنّ لأعمال القتل، والإصابة اليومية جراء القذائف المتساقطة بشكل شبه يومي”.

وتقول الباحثة في شؤون اللاجئين، رئيسة مؤسسة قرار للإعلام والتنمية المستدامة، قبول عبده العبسي: “تتعرض النساء اللاجئات للعنف الأسري؛ نظرًا لتردي الأوضاع المعيشة، لذا يلجأنّ للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لطلب الحماية”.

وتضيف: “تقتصر الحماية التي توفرها المفوضية والمنظمات الشريكة على نقل السيدة من عنوان السكن الذي تعيش فيه إلى منطقة أخرى، وهذا لا يوفر الحماية الآمنة بشكل كبير لهنّ، كما أنّ انتشار جائحة كوفيد-19 قلل التمويلات المقدمة من الداعمين للمفوضية؛ ما أثر على مقدرة المفوضية على مساعدة اللاجئين”.

 

*تنشر هذه المادة وفق مذكرة تفاهم بين “المشاهد” ومنصة هودج