​​​​​​

مراسلات حربيات يمنيات.. سعاد الصلاحي نموذجاً

عمران مصباح

تعيش النساء في اليمن وضعاً اجتماعياً معقداً، تعتبر فيه المرأة التي استطاعت أن تحصل على حقها في التعليم، والعمل، امرأة ناجحة، لقدرتها على تجاوز الكثير من الحواجز، والعراقيل التي لا تمت لهذا القرن بأي صلة. ولا تغفل عن وصف وضع المرأة اليمنية، بأنه الأسوأ من بين كل البلدان. ومن هذا المجتمع بقيوده المعروفة، صعدت بعض النساء عبر العمل في مجال مهني غاية في الصعوبة، مثل مجال الإعلام في لحظة الحرب التي تمنحه خطورة أكبر. الصحفية سعاد الصلاحي، واحدة من تلك النساء، وقد حظيت مؤخراً بالتقدير الدولي، من خلال حصولها على جائزة بايو-كالفادوس الفرنسية العالمية لمراسلي الحرب.

الخوض في العمل الإعلامي

قليلات هن النساء اللاتي يعملن في مجال الإعلام في اليمن، إذ يبرز في هذا المجال الرجال أكثر، وذلك لقيود الظهور التي تفرض على المرأة من الأسرة، والقبيلة، والمجتمع. لكن سعاد الصلاحي، اجتازت كل ذلك، وبدأت العمل منذ عشرة أعوام في هذا المجال، ومع بداية الحرب، ازداد الوضع العملي صعوبة، وارتفعت معها مسؤولية العاملين في الحقل الإعلامي كما تتحدث سعاد الصلاحي، لمنصتي 30، مضيفة: “منذ بداية الحرب، أصبحت أولوياتي إيصال مظالم الناس المتضررين من الحرب للرأي العام المحلي، والدولي، ودافعي الوحيد هو الشعور بالمسؤولية تجاه ما يحدث”.

ولم يكن وصول سعاد الصلاحي لهذه المرحلة بقفزة غير متوقعة، أو لحظة حظ، بل عبر محطات كثيرة صقلتها، ومنحتها الكثير من الخبرة، من ضمن تلك الخطوات عملها للكثير من الجهات الدولية بشكل مستقل مثل: CNN , CBS , 60 Minutes , HBO , Gorgetwon University and American Evidence Video, قبل أن تستقر مع BBC الإنجليزية منذ ثلاث سنوات.

تتحدث سعاد، عن اختلاف ما تقدمه، قائلة: “في بلادي اليمن لا توجد صحافة حساسة للنزاع بالمفهوم المتعارف عليه، بل إن صحافة الحرب، والتي تقدم أصوات الناس أصبحت شبه غائبة، وما يوجد في الساحة معظمها وسائل إعلام تابعة لأطراف النزاع”.

عن تجربة المرأة

تعتبر تجربة المرأة في ظل وضع حربي تجربة جديرة بالاهتمام، لأن هناك تنميط من نوعٍ ما، يعتبر الرجال هم الأكثر إقداماً للعمل في الأوضاع الصعبة، الا إن هناك مميزات تستطيع المرأة التفرد بها في هذا المجال، أكثر من الرجل. بحكم تجربتها، تتحدث سعاد الصلاحي عن ذلك، قائلة: “وجود النساء في المجال الصحفي يعمل فارقاً نوعياً، ويخلق توازناً في الميدان من خلال نقل الحقائق، وتوثيقها، وتعتبر المرأة أكثر قدرة على اللقاءات مع الضحايا، والوصول للمناطق التي في بعض الأوقات يصعب على الرجل التقدم فيها”، وتضيف الصلاحي: “أيضاً عند عمل المرأة في هذا المجال يعمل هذا على تشجيع الضحايا الرجال والنساء في الميدان على التحدث دون قلق أو ذعر، لأن اليمن بلد محافظ يصعب على المراسلين الرجال اللقاء بالنساء فيه، والدخول إلى المنازل، وهو بالضبط ما تستطيع المرأة أن تنجزه”.

بالمقابل هناك صعوبات تواجه المرأة أثناء عملها، تقول الصلاحي عنها: “أوقات في الميدان توجد صعوبة إعداد بعض اللقاءات، خاصة لأن بعض المجتمعات الريفية تحكمها العادات، والتقاليد، وبالتالي يشعرون بصعوبة التعامل مع الإناث”

تقدير عالمي للمرأة اليمنية

خلال هذه الحرب كرمت كثير من النساء اليمنيات وذلك لعملهن في صف الضحايا، سوى بالمجال الإعلامي، أو الحقوقي، والإنساني، سعاد الصلاحي، وهي الحاصلة مؤخراً، على جائزة بايو-كالفادوس الفرنسية العالمية لمراسلي الحرب، تقول لمنصتي 30: “بالتأكيد يسعدني الحصول على هذا التكريم الدولي، لأن فيه تقدير لما نقدمه، لكن، للتوضيح؛ لم أرشح على الجائزة لوحدي، بل المجموعة ككل الذين عملنا بهذا التقرير”.

وفيما يخص   الذي عملت عليه، وحصلت بسببه على الجائزة، تتحدث الصلاحي عنه، قائلة: “تعز مدينة عرفت بالكثير من القنص، أو بقتل الضحايا المدنيين بالقذائف، ونحن قمنا بمتابعة إحصائية ضحايا القنص الذي كانت تشهده مدينة تعز، وبشكل كارثي، وكان هناك بطلة لقصتنا الطفلة رويدا التي تعرضت للقنص، وأخوها الذي يكبرها بعامين، هو الوحيد الذي تجرأ أن يدخل لتلك المنطقة الحساسة، والخطرة لأجل سحبها، وأخذها إلى منطقة آمنة، بعدها استطاع أهل منطقتها أن يأخذوها للمستشفى، كانت قصة مؤثرة جداً، وأظهرت كيف تتعرض الطفولة باليمن للقتل بذلك الشكل المرعب".

الجدير بالذكر، أن هذه الجائزة لم تكن الأولى التي تحصل عليها سعاد الصلاحي، وذلك يؤكد جدارتها في مجال عملها، وعن الجائزة السابقة تقول سعاد: “هذه المرة الثانية التي استلمنا فيها هذه الجائزة، و كانت على   من صعدة في عام 2019، عندما تعرض باص مدرسة للأطفال لاستهداف قتل فيه 45 طفل، وهو حدث من أقوى أحداث الحرب التي حصلت في بلادنا”.

الرسالة أهم من الجوائز

رغم ما تحصل عليه من تكريمات، مقابل عملها الجيد، إلا أن سعاد تعتبر كل ذلك غير مهم أمام الهدف الأسمى الذي تسعى لإيصاله عبر عملها، وتقول: “لا يهمني التكريم حقيقة، وكان المهم بالنسبة لي أن تصل كل قضية، وجريمة تحدث في حق الأبرياء، والمظلومين إلى كل العالم، ولك أن تتخيل بلداً هو الأفقر في العالم، ويشهد، ومايزال، حرباً منذ سبعة أعوام متعددة الأطراف، ويحدث ضدهم الكثير من الكثير من الجرائم”.

وتختتم حديثها لمنصتي 30، بالقول:” من واجبي كامرأة يمنية تعمل في هذا المجال، أن أنقل معاناة المتضررين التي تحدث في كل مكان، وعلى الدوام”.

هذا التكريم يعتبر بمثابة تقدير عالٍ لعمل سعاد، كما هو تشجيع لزميلاتها اللاتي يعملن في هذا المجال، ومفاده القول إن العالم يراقب كل عمل إنساني، وحقوقي، يقدم أصوات الضحايا، والمتضررين، على أطراف الحرب.

 

منصتي 30