في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
سبع سنوات من الحرب المستمرة في اليمن خلفت عشرات القتلى والجرحى والمهجرين، وفي وسط كل هذا الدمار والمأساة لعبت المرأة دوراً كبيراً في بناء السلام والتخفيف من النزاعات، وبرزت التكتلات والمبادرات النسوية الداعية للسلام وكان للمرأة دور بارز في مبادرات محلية لإطلاق الأسرى والمعتقلين وفي جهود الإغاثة والإنعاش، ورغم ذلك لم يشفع لها دورها لتكون مشاركة حقيقة في مراكز صنع القرار وفي مفاوضات السلام اليمنية، وكان هناك تعمد من أطراف الصراع في اقصاء النساء من مراكز صنع القرار وآخرها استبعاد مشاركة النساء من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتي شكلت مؤخراً خالية من أي مقعد للنساء لتواصل التهميش المتواصل للنساء في الحقائب الوزارية في الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990. ولا يختلف الأمر في مشاورات السلام فتمثيل المرأة كان ضعيفاً جداً ودورهن محدود كمستشارات، فبحسب رد الحكومة اليمنية على تساؤلات اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة أوضحت أنه تم تمثيل المرأة في الوفود المشاركة في مفاوضات السلام بنسبة 8% في جنيف ديسمبر 2015م ونسبة 10% في الكويت 2016م، ونسبة 14% في جنيف 2018م، ونسبة 14% في ستوكهولم 2018م.
هذا التهميش والإقصاء يناقض الدعوات المستمرة للحكومات اليمنية في أهمية إشراك النساء وتنفيذ القرار 1325 الخاص بالمرأة والأمن والسلام، كما يناقض مخرجات الحوار الوطني التي تنص على تمثيل النساء في مراكز صنع القرار بنسبة لا تقل عن 30%.
قرارات مجلس الأمن: المرأة، والسلام والأمن
القرار 1325
في 31 أكتوبر 2000 صدر القرار الاممي 1325 ويعد أول وثيقة رسمية وقانونية تصدر عن مجلس الأمن حول المرأة والسلام والأمن، ليؤكد الـدور الهام للمـرأة في منـع الصراعـات وحلـها وفي بنـاء السـلام، ويشدد على أهميـة مسـاهمتها المتكافئـة ومشـاركتها الكاملـة في جميع الجـهود الرامية إلى حفظ السلام والأمن وتعزيزهما، وعلـى ضـرورة زيـادة دورهـا في صنع القـرار المتعلق بمنع الصراعات وحلها. ويتكون القرار من 18 فقرة تركز على أربعة محاور رئيسية هي:
الحماية: يدعو القرار إلى حماية النساء والفتيات من العنف القائم على النوع في الحالات الإنسانية وفي المخيمات والاستجابة لاحتياجاتهن الخاص.
المشاركة: زيادة تمثيل المرأة في كافة مستويات صنع القرار وعمليات السلام بما فيها المستوى المحلي والإقليمي والدولي كألية لمنع وإدارة النزاعات وفي المفاوضات.
الوقاية: يدعو القرار لتطوير استراتيجيات التدخل لمنع العنف ضد المرأة عن طريق عقاب المسؤولين عن تلك الانتهاكات وعن طريق تعزيز حقوق النساء في القوانين المحلية ودعم المنظمات والمبادرات النسائية بما في ذلك العاملة في مجال حل النزاعات.
الإغاثة والإنعاش: يدعو القرار الي اشراك النساء في بناء السلام وتلبية احتياجاتهن في الإغاثة والإنعاش الاقتصادي والاجتماعي
كما صدرت قرارات أخرى داعمة للقرار 1325 وهي القرار رقم 1820 صادر عام 2008م، والقرار رقم 1888 الصادر عام 2009م، القرار رقم 1889 الصادر عام 2010م، والقرار رقم 1960 لعام 2010م، والقرار رقم 2106 لعام 2013م، والقرار رقم 2122 لعام 2013م، والقرار 2242 لعام 2015م.
الجهود اليمنية لتنفيذ القرار 1325
يصادف 31 أكتوبر 2021م ذكرى مرور 20 عاماً على صدور القرار الأممي 1325، وخلال الفترة الماضية منذ صدور القرار شارك ممثلون عن الحكومات اليمنية المتعاقبة في ورش عمل ودورات ذات علاقة بالقرار وتنفيذه لكن الجهود اليمنية لتطوير خطة وطنية لتنفيذ القرار لم تبدأ الا بعد أكثر من سبع سنوات من صدور القرار.
اللجنة الوطنية للمرأة
تم تأسيس اللجنة الوطنية للمرأة بموجب قرار رئيس الوزراء رقم (97) لسنة 1996 تنفيذاً لمقررات منهاج عمل بيجين، كي تسهم في إعداد واقتراح السياسات والاستراتيجيات والخطط الخاصة للنهوض بأوضاع المرأة في المدينة والريف. وتلا ذلك إعادة هيكلة اللجنة بموجب قرار رئيس الوزراء رقم 68 لسنة 2000 بإنشاء المجلس الاعلى لشؤون المرأة، برئاسة رئيس الوزراء، وفي مرحلة لاحقة تم إعادة هيكلة المجلس الاعلى بموجب القرار الجمهوري رقم 25 لسنة 2003.
الخطة الوطنية لتنفيذ القرار 1325
في أغسطس 2018م تم صياغة مسودة خطة العمل والتي أتت بعد جلسة نقاش نظمتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حيث تم تشكيل فريق فني يضم ممثلين عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل واتحاد نساء اليمن واللجنة الوطنية للمرأة، وفي 2018 أصدر مجلس الوزراء قراراً بتشكيل لجنة وطنية لمناقشة الخطة ضمنت اللجنة ممثلين لعدد من الوزارات الحكومية، واللجنة الوطنية للمرأة وممثلين لمنظمات المجتمع المدني.
وفي 12 مايو 2020م أطلقت وازرة الشؤون الاجتماعية والعمل الخطة الوطنية لتنفيذ القرار 1325.
تهدف الخطة بحسب بيان الوزارة إلى حماية النساء أثناء النزاعات وما بعد النزاعات وتعزيز مشاركتهن في عمليات حفظ السلام وفي التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتتضمن خطة العمل الوطنية برامج ومشاريع لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، والمخرجات المتوقعة والمؤشرات وتحديد الأدوار المناطة بكل جهة ضمن إطار زمني محدد.
وترتكز خطة العمل التنفيذية لتفعيل القرار 1325 على الركائز التالية:
المشاركة: زيادة مشاركة النساء على مستوى السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وفي الأمن والجيش وفي الاليات المحلية والدولية لمراقبة تنفيذ الاتفاقية الدولية لحقوق الانسان وفي السلك الدبلوماسي وفي التصدي للنزاعات وحفظ السلام.
الوقاية: إنشاء آليات للإنذار المبكر تراعي النوع الاجتماعي وزيادة مشاركة المرأة في الوقاية من التطرف والعنف وتفعيل القوانين والتشريعات وتأهيل كوادر الشرطة والجيش للوقاية من العنف ضد النساء.
الحماية: تقديم خدمات الدعم الصحي والنفسي والقانوني للنساء والفتيات ضحايا الانتهاكات والعنف، ووضع أدلة إرشادية لمقدمي الخدمات وتنفيذ برامج لتمكين النساء في أوقات النزاعات وما بعدها وتوفير التعليم للفتيات، وإنشاء مراكز لتأهيل النساء والفتيات التي يتعرضن للعنف.
الإغاثة / الإنعاش: تلبية احتياجات الفئات الضعيفة من النساء والفتيات المشردات واللاجئات وضحايا العنف لاحتياجاتهن من الإغاثة وخدمات الرعاية وإشراك المرأة في خطط نزع السلاح وفي جهود الإغاثة والمساعدات الإنسانية، وتنفيذ برامج فورية لتمكين النساء للاندماج في المجتمعات المضيفة.
خطة لا تلبي الطموح
يرى كثير من الخبراء والناشطين أن الخطة تعتبر خطوة إيجابية، لكنها لا ترقى إلى خطة وطنية بمفهومها الشامل وتحتاج للكثير من الجهود لتطويرها. الناشطة مها عوض رئيسة مؤسسة وجود للأمن الإنساني تقول:
“صحيح بأن عملية وضع الخطة الوطنية من الحكومة يمكن اعتبارها خطوة إيجابية في طريق تطبيق قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالمرأة والسلام والأمن على رغم حاجتها إلى التطوير، لكن ومع ذلك لم تشهد الخطة الوطنية حتى الآن التطبيق العملي، خاصة وأنه قد مضى ما يقارب عامين على إقرارها والموافقة عليها، الأمر الذي يجعل منها مجرد خطة رمزية، ويعود ذلك إلى غياب التركيز في توفير الظروف والشروط التي تضمن فعالية التنفيذ للخطة الوطنية، كما في أهمية اتباع التخطيط
جوانب الإجراءات التشغيلية والموارد البشرية والمادية في تخصيص الميزانية اللازمة خاصة وأنه لم يتم تضمينها الخطة الوطنية. ناهيك عن ضعف الالتزامات في المسؤوليات المشتركة في تضمينها الخطط القطاعية، من ذلك دمج الخطة الوطنية في أولويات خطط الجهات الحكومية المعنية، وكذلك وضع إطار واضح وشامل للشراكة”.
من جانبها تقول الناشطة وداد البدوي فيما يتعلق بالمأخذ على الخطة الوطنية لتنفيذ القرار 1325: “هناك الكثير القصور في الخطة، أولاً لم يكن هناك إشراك حقيقي للمجتمع المدني، وظلت مشاركته صورية وتقتصر على المحافظات الجنوبية، وأهملت المنظمات الأخرى العاملة في مناطق الشمال وخاصة تلك الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) وهذا يجعل من الخطة قاصرة لا تتحدث عن وطن بشكل كامل”.
وأضافت: “يؤخذ على الخطة أنها سردت في مصفوفتها أنشطة عامة تخص النساء ولم تحدد بشكل دقيق أنشطة قابلة للقياس خاصة وأننا في وضع الحرب، كما أنها لم تدرس الاحتياجات للنساء بشكل أكثر تفصيلاً، ولم تشِر لأهم الأسماء العاملة على قضايا النساء في اليمن وتجاوزت الجميع بما في ذلك التوافق النسوي اليمني من أجل الأمن والسلام، أهم تكتل نسوي تشكل في العام 2015 ليكون منصة نسوية متنوعة تخصصت للعمل على تنفيذ القرار 1325 ويشمل نساء من كل البلد، لكن لا ذكر له في الخطة ولا وجود له في فترات العمل عليها، وكأن الوزارة تعمل بمعزل عن التكتلات النسائية، كما أنه لا يوجد تفعيل حقيقي للخطة ولا تقييم لمستوى الإنجاز وكأنها خطة من أجل الحديث عنها فقط”.
ومن أجل معالجة القصور في الخطة وتطويرها بما يسهم في تنفيذ القرار 1325، يقول الخبير الوطني في مجال النساء والسلام والأمن وليد عبدالحفيظ:” هناك الكثير من الجهود الممكنة خلال المرحلة الراهنة لتنفيذ القرار 1325، أولاً لابد من أن يكون هناك مسوحات ميدانية عبر الجهات الحكومية كاللجنة الوطنية للمرأة وعمل ورش عمل في المحافظات للتعريف بالقرار والاستماع إلى آراء النساء حول آليات إشراك النساء في بناء السلام والاستماع إلى رؤية النساء لعدد من القضايا التي تعتبر جوهرية في أجندة التفاوض، وأيضاً من المهم أن تعمل الحكومة اليمنية على استكمال تطوير الخطة الوطنية لتنفيذ القرار 1325 وفي نفس الاتجاه عليها أن تنفذ عدداً من المشاريع بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني والتكتلات النسوية المدنية لمتابعة تنفيذ القرار ولضمان إشراك النساء في عمليات بناء السلام و إشراك النساء في صنع القرار. هناك جهود على أرض الواقع يقوم بها المجتمع المدني، ولكنه يحتاج إلى تجميع هذه الجهود لتنفيذ حملات مناصرة وأنشطة عملية لأجل دعم إشراك النساء في عمليات بناء السلام وصنع القرار على المستوى المحلي والوطني.”
ويضيف: “أيضاً على السلطات المحلية على مستوى المحافظات والمديريات أن تعمل على إشراك النساء على المستوى المحلي عبر إصدار قرارات تعيين لنساء كمستشارة للمحافظ مختصة بشؤون النساء وتعيين مديرات إدارة تنمية المرأة على مستوى المحافظات وعلى مستوى المديريات، وكذلك تعيينها في المناصب الحكومية كمدير عام ومدير إدارة ضمن الهيكل التنظيمي للسلطة المحلية بما يعزز ويساهم في تمكين النساء من المشاركة في صنع القرار المحلي على مستوى المحافظات والمديريات”.
منصتي 30