في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
وسط شعور بخيبة الأمل، تركت "فاطمة" العمل الذي أحبته في إنتاج وبيع الإكسسوارات والدمى، وقضت فيه سنوات تعمل بشغف وجد؛ لتبحث عن عمل آخر، تستطيع، من خلاله، تحمل نفقات المنزل، حتى استقر بها الحال فرّاشة (عاملة تنظيف) في عيادة طبيبة أسنان غرب أمانة العاصمة.
تفتقد فاطمة عملها الحرفي، وتعود لممارسته من حين إلى آخر، كهواية، بعد أن كان مهنة وطوق نجاة لعائلتها، وعائلات نساء أخريات احترفن مهن وصناعات متعددة، واستطعن الخروج من دائرة الفقر التي حاصرت كثيرًا من الأسر اليمنية؛ بسبب الحرب، وانقطاع مرتبات الأزواج المعيلين الرئيسين للأسرة.
تقول فاطمة لـ"هودج": "صناعة الإكسسوارات والدمى لم تعد مجدية في ظل الواردات الصينية المشابهة، وكغيري من النساء، وجدت نفسي في منافسة غير عادلة مع بضائع رخيصة أغرقت السوق".
خيبة أمل
انتكاسة جديدة لعمالة المرأة اليمنية، وتمكينها الاقتصادي المحدود الذي استطاعت انتزاعه خلال سنوات الحرب، وعزز دورها الاجتماعي داخل الأسرة، فوصلت إلى قيادتها في بعض الأحيان، وخلق نوعًا من إعادة ترتيب الأدوار.
لم تكن عمالة المرأة، قبل اندلاع المواجهات العسكرية في أواخر 2014 م، أفضل حالًا؛ فمعدلات مشاركة النساء في القوى العاملة باليمن، بوجه عام، من أدنى المعدلات على مستوى العالم، إلا أن سنوات الحرب الطويلة دفعت الكثير من النساء إلى العمل؛ بسبب فقدان مصدر الدخل، أو فقدان الأسرة معيليها من الرجال،بحسب تقرير مركز صنعاء للدراسات الصادر في يوليو 2019 م، "اليمن: تداعيات الحرب على القوى العاملة من النساء"
تراجع الإنجازات التي حققتها النساء في مجال المشغولات المنزلية يشعر مدربة الإكسسوارات،أمل الشوتري، بالخيبة، وهي ترى جهود النساء والتمكين الاقتصادي الذي استطعن تحقيقه يتراجع؛ بسبب الواردات الصينية المنافسة التي أوصلت البعض إلى الانسحاب.
ولا يقتصر تأثير البضائع الصينية على صناعة الإكسسوارات المحلية وحدها؛ فجميع المنتجات الحرفية؛ كالخياطة، والتطريز، والحياكة،وصناعة أدوات الزينة والدمى، وبقية الصناعات المنزلية، تعرضت للمنافسة ذاتها؛ مما أثر على إنتاج المرأة العاملة، وضيق عليها الخناق؛ بسبب صعوبة المنافسة، وفارق سعرالمنتج، والقدرة على التسويق، كما تقول الشوتري لـ"هودج".
الأرخص أم الأجود؟
الصيدلانية هيفاء العودي، صاحبة معمل هيربل كير لمنتجات العناية بالبشرة، ترى أن عنصر المنافسة مع السلع الصينية لا يقتصر على قيمة المنتج وحدها؛ فالتغليف، والعلب المميزة، والألوان تلعب دورًا بارزًا في التسويق للمنتج.
وتقول في حديثها لـ"هودج": "نفتقر في السوق المحلية لوجود أدوات تغليف مناسبة، ونواجه صعوبة في إيجاد التشكيلات الجذابة؛ لذا نضطر لاستخدام الموجود في السوق".
وعلى الرغم من جودة المنتج المحلي، إلا أنه يواجه صعوبة في الاستمرار؛ حيث توقفت منتجات كثير من النساء الحرفيات؛ كنتيجة للمنافسة الشديدة التي تحاول النساء التغلب عليها بتخفيض الأرباح إلى الحد الأدنى، لكن العودي ترى أنه من الصعب مقاربة أسعار بعض المنتجات.
عنود السقاف، مالكة معمل سبأ ستايل، تتفق مع العودي في أن معالجة السعر يكون ممكن مع بعض المنتجات، ومستحيل مع أخرى، لكنها تعتقد أن التجديد والابتكار في التشكيلات والمنتج يجعل المرأة تصمد أمام المنافسة؛ ما يدفعها، دائمًا، للتنويع في منتجاتها، وخلال عامين من دخولها إلى سوق العمل، اشتغلت في صناعة الإكسسوارات، وتطريز المباخر، وتدوير المخلفات إلى أدوات للزينة، والاستخدامات المنزلية، وصناعة كوشات الأعراس، والورد، وصولًا إلى صناعة ملابس الصلاة، وأدوات زينة من خيوط الحبال القطنية.
ليست الجودة الميزة الوحيدة للمنتج المحلي؛ ففي حين يتقيد تجار الجملة، أثناء الاستيراد، بكميات كبيرة ومتشابهة من المنتج الخارجي، يستطيع التاجر أن يحدد الكمية التي يريدها من المعمل المحلي، وبالمواصفات المطلوبة، بحسب السقاف، التي تقول إنها استطاعت بيع بعض منتجاتها المحلية، بالجملة، بنفس سعر البضائع الصينية، وبجودة أفضل.
دونية التعامل
التعامل مع التجار مشكلة أخرى تواجه النساء؛ حيث تُجمع عاملات في الأشغال الحرفية على استخفاف التجار بالمنتجات المحلية، والتعامل معها بدونية، وتفضيل المنتج الصيني؛ نظرًا لرغبتهم في الحصول على ربح أعلى؛ وهو ذاته ما يضطر السقاف لصناعة المنتج على ثلاث درجات، وعلى عكس التوقعات، تجد أن تجار الجملة يقبِلون على المنتج من الدرجة الثانية، بينما يطالب كثير منتجار البسطات والتجزئة بالدرجة الأولى.
وما يحز في نفس السقاف أن التجار، عند شرائهم المنتج المحلي، يرفضون الترويج للجهة التي صنعته، ويعرضونه كمنتج صيني.
التعامل ذاته تلقاه العودي وهي تحاول التغلب على المنافسة الخارجية، وإقناع التجار بجودة منتجاتها التي تستخدم لأجلها مكونات طبيعية غالية السعر، عكس المكونات التجارية الرخيصة.
تقول العودي: "التاجر يشتري البضاعة الصينية وهو مغمض العينين، ويوصل للمنتج المحلي طارحًا العديد من الملاحظات والشروط، ولا يشتري إلا آجل، وبعد أن تجعل البضاعة تحت تصرفه، ما يحاسبك إلا وقد طلّع عينك".
وتضيف: "لا نقلل من بضاعة دولة مصنعة كالصين، لكن البضاعة التي تصل إلى اليمن تكون رديئة جدًا؛ لأنها تُصنع حسب طلب التاجر الذي يفضل الحصول على أرباح مرتفعة".
الحفاظ على المكتسبات
عدم وجود داعم للنساء العاملات ومنتجاتهن، وارتفاع أسعار المواد الخام، ومجهود العمل جعل المنافسة مع المنتج الصيني أكثر صعوبة، إلا أن الشوتري ترى أن بعض المنتجات المحلية ما تزال محافظة على سوقها وزبائنها، وأن بعض النساء استطعن شق طريقهن، والتعامل مع بعض التجار بشكل دائم.
المشغولات والحرف اليدوية تتمتع بجودة أفضل، وطابع تراثي مميز، كما تمكنت العاملات في المشغولات التراثية من المنافسة، وافتتاح مشاغلهن الخاصة؛ لإنتاج الملابس التراثية، والحقائب اليدوية، والمطرزات، وصرن يبعن منتجاتهن بالجملة، كما تؤكد الشوتري.
تقول الشوتري: "للحفاظ على مكتسبات التمكين الاقتصادي، وإبقاء المرأة داخل سوق العمل؛ يجب إيجاد مؤسسات تدعمها بالمواد الخام، وتسويق المنتج، والحصول على دعم التجار ورجال الأعمال، وعمل مَعارض للأسر المنتجة، وإعداد دراسات حول وضع النساء واحتياجاتهن، خصوصًا في ظل الحرب والحصار التي تعانيه اليمن".
بينما ترى العودي الحل الوحيد لاستمرار إنتاج النساء في حصر وزارة التجارة والصناعة المنتجات المحلية، والتقليص من استيراد البضائع التي يغطيها المنتج المحلي، لكن وزارة الصناعة تقف مكتوفة الأيدي أمام تدفق البضائع الصينية التي تؤثر على الكثير من الأسر، وتجعل الحرف النسوية تتكدس في السوق.
وبحسب مصدر مسؤول بوزارة الصناعة في صنعاء،طلب عدم ذكر اسمه، لا يوجد أي تنظيم للسوق، وليس للوزارة دور في حماية المنتجات المحلية، وخاصة المنتجات الحرفية للنساء، علاوة على أن ظروف الحرب قلصت من تدخلات الوزارة على الأسواق.
الخبير الاقتصادي، ومدير الإعلام بالغرفة التجارية والصناعية في أمانة العاصمة، أحمد الطيار، يرى أن تشجيع الحرف أوالمنتجات النسوية يتمثل في شقين؛ إتاحة الفرصة للوصول إلى التمويل الذي يمثل العقبة الرئيسية أمام النساء العاملات في الحرف المنزلية، وإيجاد مصادر تمويلية غير البنوك والصناديق الحالية التي تأخذ فوائد على القروض تصل لـ30%، والتمويلات الميسرة ستمكن النساء من إقامة مشاريع منتجة بمستويات متعددة.
ويقول الطيار: "لابد من استراتيجة وطنية لدعم المنتج المحلي، والمشاريع الصغيرة والأصغر، والمنتجات من المنازل؛ فالنساء في اليمن أكثر نجاحًا ومثابرة على إنجاح المشاريع، وأكثر حرصًا على تسديد الالتزامات".
نشرت هذه المادة في منصة هودج على الرابط التالي:
https://hodaj.net/posts/fy-zl-mnfs-shdyd-gyb-ldaam-llmshryaa-lhrfy-lnswy