​​​​​​

أثر "الاغتصاب الزوجي" على المرأة

لمياء الشرعبي

تشير الخلفية الثقافية لجرائم الاغتصاب إلى أولئك الرجال الغرباء الذين قد يتهجمون على امرأة لا يربطها بهم عقد زواج شرعي، فلا يخطر على بال الكثيرين ما يسمى بـ"الاغتصاب الزوجي"، وهو مصطلح انتشر مؤخرًا. غير أن البعض لا يعترف بهذا المصطلح، بمبرر أن تعريف الاغتصاب ينحصر في استخدام شخص ما لشيء غير مملوك له. وحسب هذا التعريف، فإن الزوجة مِلك لزوجها، وبالتالي فإجبارها على ممارسة العلاقة الزوجية لا يعد اغتصابًا. إلا أنّ المنظمات الحقوقية تصفه بالاغتصاب باعتبار أن عدم الرضى هو الغصب، وقد عرّى هذا المصطلح الكثير مما يحدث تحت وثائق الزواج، إضافة إلى أنه كشف عن وجود سيدات عربيات يرفضن ما تفرضه عليهن العادات والقوانين بالسكوت عن التعسف والاستخدام العنيف في سرير الزوجية دون رغبة منهن.

ورغم وجود قوانين تنص على عدم إجبار المرأة على الزواج، يضاف إليها تأكيد الدين على عدم جواز ذلك، إلا أن حالات غصب الفتيات على الزواج منتشرة كثيرًا في اليمن، دون وجود أي رقابة قانونية تحمي حق المرأة بالاختيار والقبول، وتحميها في حال تعرضت للعنف من قبل أسرتها بسبب ممارسة هذا الحق.

تبعات العنف ضد النساء

ما بين الغصب على الزواج والاغتصاب في سرير الزواج، تعيش زينب (اسم مستعار) نوبات من الاضطراب النفسي، تبرز أعراضه في رغبتها بالبقاء وحيدة وعدم الخروج من المنزل، وتقلص رغبتها في الكلام حتى مع أفراد عائلتها.

"كانت زينب تبدو كبيرة في السن مقارنة بالفتيات اللواتي في مثل عمرها، وهذا ما دفع أمي وإخوتي لإجبارها على الزواج، ظنًا منهم أنها ستغير رأيها حين تتزوج، لكن ما حدث كان عكس ذلك". هكذا بدأت حياة، أخت زينب، حديثها لـ"خيوط"، عن قصة غصب أختها على الزواج، ومصادرة حقها في اختيار شريك حياتها.

تبلغ زينب من العمر الآن (33 سنة)، وتعيش في إحدى القرى النائية بمديرية شرعب الرونة (شمال غرب محافظة تعز). تعاني من اضطرابات نفسية، وتبدأ بالبكاء إذا ما تطرق أحد لقصة زواجها. تقول حياة: "عندما تزوجت زينب لم تستطع إقامة علاقة جنسية مع زوجها، كان هذا أسلوبها الذي قاومت به إجبارها على الزواج، ثم انصدمت بتعامله معها، بخلاف الوعود التي كان يقولها".

ريم، صديقة زينب المقربة في القرية، أكدت في حديثها لـ"خيوط"، غصب زينب على الزواج. تقول: "يوم زفافها كنتُ جالسة إلى جانبها وبدأت تحدثني عن أنها مغصوبة ولا تريد زوجها، وكان جميع من في الزفاف يعلم أنها مغصوبة على الزواج؛ لأنها كانت تقول ذلك للجميع دون خوف".

تواصل حياة شرح ما كان يحدث لأختها في بيت زوجها من قسوة وتجريح على مدى شهر كامل، استمرت فيه زينب مصرة على عدم معاشرة زوجها، خاصة بعد أن بدأ في إساءة معاملتها، إلا أن الوضع لم يدم طويلًا. فبعد شهر من الزواج، استيقظت زينب على نزيف حاد وأعراض تدل على حدوث اغتصاب فبدأت بالصراخ.

توضح حياة ذلك بالقول: "أتذكر صباح ذلك اليوم حين اتصلت لنا زينب وهي تبكي، لحظتها ذهب والدي ووالدتي مسرعين إلى بيتها، رغم أنها كانت في قرية تبعد عنا كثيرًا، أسعفاها إلى أقرب مركز طبي في المديرية، وتبين من الفحوصات الطبية أنها اغتُصبت بطريقة عنيفة". بعد أيام على واقعة الاغتصاب، أخبرها زوجها وهو يقهقه ضاحكًا، أنه وضع لها حبوبًا منومة في الحليب الذي شربته قبل أن تنام. تقول حياة على لسان أختها المغدورة: "كان يضحك بينما يقول لي تتذكرين الكأس الذي شربت منه قبل النوم، كان فيه حبوب منومة".

مغزل

/

مجتمع

أثر "الاغتصاب الزوجي" على المرأة

الإجبار على الزواج وغياب التوافق أبرز أسبابه

لمياء الشرعبي

الخميس, 2 ديسمبر/كانون الأول, 2021

Tweet

Share on Facebook

Share on Facebook

Share on Facebook

تشير الخلفية الثقافية لجرائم الاغتصاب إلى أولئك الرجال الغرباء الذين قد يتهجمون على امرأة لا يربطها بهم عقد زواج شرعي، فلا يخطر على بال الكثيرين ما يسمى بـ"الاغتصاب الزوجي"، وهو مصطلح انتشر مؤخرًا. غير أن البعض لا يعترف بهذا المصطلح، بمبرر أن تعريف الاغتصاب ينحصر في استخدام شخص ما لشيء غير مملوك له. وحسب هذا التعريف، فإن الزوجة مِلك لزوجها، وبالتالي فإجبارها على ممارسة العلاقة الزوجية لا يعد اغتصابًا. إلا أنّ المنظمات الحقوقية تصفه بالاغتصاب باعتبار أن عدم الرضى هو الغصب، وقد عرّى هذا المصطلح الكثير مما يحدث تحت وثائق الزواج، إضافة إلى أنه كشف عن وجود سيدات عربيات يرفضن ما تفرضه عليهن العادات والقوانين بالسكوت عن التعسف والاستخدام العنيف في سرير الزوجية دون رغبة منهن.

ورغم وجود قوانين تنص على عدم إجبار المرأة على الزواج، يضاف إليها تأكيد الدين على عدم جواز ذلك، إلا أن حالات غصب الفتيات على الزواج منتشرة كثيرًا في اليمن، دون وجود أي رقابة قانونية تحمي حق المرأة بالاختيار والقبول، وتحميها في حال تعرضت للعنف من قبل أسرتها بسبب ممارسة هذا الحق.

تبعات العنف ضد النساء

ما بين الغصب على الزواج والاغتصاب في سرير الزواج، تعيش زينب (اسم مستعار) نوبات من الاضطراب النفسي، تبرز أعراضه في رغبتها بالبقاء وحيدة وعدم الخروج من المنزل، وتقلص رغبتها في الكلام حتى مع أفراد عائلتها.

"كانت زينب تبدو كبيرة في السن مقارنة بالفتيات اللواتي في مثل عمرها، وهذا ما دفع أمي وإخوتي لإجبارها على الزواج، ظنًا منهم أنها ستغير رأيها حين تتزوج، لكن ما حدث كان عكس ذلك". هكذا بدأت حياة، أخت زينب، حديثها لـ"خيوط"، عن قصة غصب أختها على الزواج، ومصادرة حقها في اختيار شريك حياتها.

تبلغ زينب من العمر الآن (33 سنة)، وتعيش في إحدى القرى النائية بمديرية شرعب الرونة (شمال غرب محافظة تعز). تعاني من اضطرابات نفسية، وتبدأ بالبكاء إذا ما تطرق أحد لقصة زواجها. تقول حياة: "عندما تزوجت زينب لم تستطع إقامة علاقة جنسية مع زوجها، كان هذا أسلوبها الذي قاومت به إجبارها على الزواج، ثم انصدمت بتعامله معها، بخلاف الوعود التي كان يقولها".

ريم، صديقة زينب المقربة في القرية، أكدت في حديثها لـ"خيوط"، غصب زينب على الزواج. تقول: "يوم زفافها كنتُ جالسة إلى جانبها وبدأت تحدثني عن أنها مغصوبة ولا تريد زوجها، وكان جميع من في الزفاف يعلم أنها مغصوبة على الزواج؛ لأنها كانت تقول ذلك للجميع دون خوف".

تواصل حياة شرح ما كان يحدث لأختها في بيت زوجها من قسوة وتجريح على مدى شهر كامل، استمرت فيه زينب مصرة على عدم معاشرة زوجها، خاصة بعد أن بدأ في إساءة معاملتها، إلا أن الوضع لم يدم طويلًا. فبعد شهر من الزواج، استيقظت زينب على نزيف حاد وأعراض تدل على حدوث اغتصاب فبدأت بالصراخ.

توضح حياة ذلك بالقول: "أتذكر صباح ذلك اليوم حين اتصلت لنا زينب وهي تبكي، لحظتها ذهب والدي ووالدتي مسرعين إلى بيتها، رغم أنها كانت في قرية تبعد عنا كثيرًا، أسعفاها إلى أقرب مركز طبي في المديرية، وتبين من الفحوصات الطبية أنها اغتُصبت بطريقة عنيفة". بعد أيام على واقعة الاغتصاب، أخبرها زوجها وهو يقهقه ضاحكًا، أنه وضع لها حبوبًا منومة في الحليب الذي شربته قبل أن تنام. تقول حياة على لسان أختها المغدورة: "كان يضحك بينما يقول لي تتذكرين الكأس الذي شربت منه قبل النوم، كان فيه حبوب منومة".

المرأة تجهل حقوقها القانونية، وإذا استخدمتها، فإنها تستطيع الحصول على الإنصاف من القانون، لكن الحاصل أن النساء تجهل هذا الحق ولا تستخدمه، وذلك لأنها تخشى التبعات، أو لا تستطيع تحمل كلفته.

اختلاف في التسمية

تعّرف منظمة الأمم المتحدة العنف الجنسي أي فعل عنيف مدفوع بعصبية الجنس ويترتب عنه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية. إذ يعد الاغتصاب الزوجي من الأنواع التي يشملها العنف الجنسي، ويُعرف بأنه: "العنف المُمارس من قبل الشريك، وهو سلوك ضمن العلاقات الجنسية يتسبب في ضرر جنسي ونفسي، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والعلاقات الجنسية القسرية والإيذاء النفسي وسلوكيات السيطرة".

ويثير أمر الاغتصاب الزوجي جدلًا كبيرًا في مجتمعات الشرق الأوسط من الناحية الدينية؛ فهناك من يعترض على تسميته بالاغتصاب، مبررًا اعتراضه بأن للرجل شرعًا حق الاستمتاع بزوجته ولو كان غصبًا، وأنه لا يجب على المرأة الاعتراض. ويستدلون على ذلك بالحديث النبوي القائل: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح"، وفي رواية أخرى "حتى ترجع"، فيما يفيد مركز الأزهر بمصر بأن هذا الحديث لا يحمل أي دلالة على جواز إيذاء الزوجة جسديًّا ونفسيًّا. ويفيد المركز بأن الأصل في العلاقة الزوجية، أنها علاقة روحية وإنسانية قوامها الدين والرحمة والاحترام وحفظ الأمانات ومراعاة الخصوصية، وينفي الأزهر إجازة الإسلام الاغتصاب الزوجي، وينهى عن الاسترشاد بحديث واحد في الحكم على موقف الدين من العلاقة الزوجية.

ويقول المحامي عمر الحميري، أن استخدام العنف في المعاملة مع الأطراف الضعيفة، يشمل أكثر من سلوك، كالضرب والإساءة اللفظية، وأن القانون اليمني يُعاقب الجاني على كل أنواع العنف، سواء كان اعتداء جسديًّا، أو سبًّا، أو إهانة؛ لأن "القانون لا يبيح للزوج أن يعتدي على زوجته لأي سبب كان".

ويضيف الحميري في حديثه لـ"خيوط": "المرأة تجهل حقوقها القانونية، وإذا استخدمتها، فإنها تستطيع الحصول على الإنصاف من القانون، لكن الحاصل أن النساء تجهل هذا الحق ولا تستخدمه، وذلك لأنها تخشى التبعات، أو لا تستطيع تحمل كلفته، أو مواجهة اعتراض من الأسرة، وعدم وجود تأييد ودعم من المجتمع والأسرة، يجعلها تتجاهل هذا الحق".

وينصح المحامي الحميري المرأة بتوثيق الاعتداء الذي تتعرض له، وتشهيد جيرانها من النساء بعرض آثار الاعتداء، ثم المبادرة بالشكوى لقسم الشرطة، أو المثول أمام المحكمة، وإذا كانت حالتها خطيرة تطلب الإحالة إلى أي مستشفى حكومي وتعرض نفسها على طبيب، للحصول على تعويض وأرش وعقوبة على الزوج.

ويشير الحميري، من واقع ممارسته لمهنة المحاماة، إلى أن المرأة التي تتزوج تكون، وفقًا "للشرع والقانون"، "مستعدة أن يدخل عليها زوجها، حتى لو كانت مكرهة على الزواج، لا يعتبر ذلك جريمة"، وفي الوقت ذاته، يشير إلى أن "التراضي مطلوب، ومن واجبات الزوج أن يطأها بالطريقة السليمة ولا يكرهها، ولكن شرعًا وقانونا أيضًا، يجب على الزوجة أن تمّكن زوجها من حقوقه، ولا نسمي ذلك اغتصابًا في الحالة الزوجية، ولكن تعسف في استعمال الحق".

ويُبرر ذلك بأن "القانون [اليمني] غير قاصر، ولا نسمي عملية الجماع بالقوة اغتصابًا، وإن كان نفسيًّا يؤثر على المرأة، فهو استعمال لحق، والتعسف في الحق لا يعتبر جريمة، إذ إنه من حقها طلب فسخ الزواج بسبب وجود تعسف في استعمال الحق".

تبعات نفسية للعنف

يحدث الاغتصاب الزوجي بأشكال متنوعة، فقد يكون بإجبار الزوجة على العلاقة الحميمة باستخدام العنف، أو بالبدء في العلاقة الحميمة في حالة غياب الزوجة عن الوعي أو النوم. والاغتصاب الزوجي لا يقف فقط عند الشكل التقليدي له، وهو إهانة المرأة، حسب آراء أطباء نفسانيين.

الطبيبة النفسية منى الشرجبي، تشرح لـ"خيوط" الآثار النفسية على المرأة التي تتعرض لـ"الاغتصاب الزوجي": "الآثار النفسية التي تلحق المرأة المغتصبة قد تلازمها طوال عمرها، وأعراضها تكون كراهية الذات والنفور، وهنا تشعر المرأة برفض تام تجاه جسدها وكيانها بشكل عام، فتشعر وكأنها ترغب في انتزاع جلدها تمامًا والتخلص منه، بل وفي بعض الأحيان قد يكون الأمر دافعًا لتفكيرها في الانتحار، ومن الآثار النفسية كذلك، الإحساس بالإهانة الجسدية وعدم احترام خصوصيتها، شدة الانفعال، القلق، النبذ للجسد، اضطرابات في النوم والرهبة من العلاقات الجسدية".

وتضيف الشرجبي: "من الآثار النفسية أيضًا على المرأة المغتصبة من قبل الزوج، كراهيتها لشريكها، ورغبتها في التخلص من حياتها معه أيًّا كانت الخسائر". ولذلك فإن التركيز على الجسد، وذلك بممارسة الرياضة التي قد تساعد المرأة المعنفة على التخفيف من وطأة التأثير السلبي الواقع عليها من عنف واعتداء، هو من ضمن طرق العلاج عند الأخصائي النفسي- حسب الدكتورة منى الشرجبي.