رجل الكهف ( الرمز البشري ) لسقطرى
د. محمد حلبوب
رجل الكهف انسان ودود، بشوش، يتعامل بتلقائية نادره. مرهف الاحساس، سريع البديهة يقضي معظم وقته في كهف...
بعد أن شدد الحجاج الحصارعلى عبدالله بن الزبير بمكة وتفلك جيشه و أنصاره ؛ ذهب يستشير أمه أسماء بنت أبي بكرالصديق . . وقد بلغت من العمر مئة سنة . . وقد كف بصرها . . فقال لها :
يا أماه . . لقد خذلني الناس حتى أهلي و ولدي ؛ و لم يبق معي إلا اليسير و من ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة . . فما رأيك ! ؟ .
فقالت له يا بني ! إن كنت تعلم أنك على حق و إليه تدعو فامض له . . فقد قتل عليه أصحابك !
و إن قلت كنت على حق ؛ فلما وهن أصحابي ضعفت ؛ فهذا ليس من فعل الأحرار و لا أهل الدين ! . . إذن لبئس العبد أنت . . القتل أحسن ! لضربة بالسيف في عز ؛ خير من ضربة بالسوط في ذل !
فقال يا أماه ! إني أخاف أن يمثلوا بي إذا قتلوني !
فقالت ويحك يابي إن الشاة المذبوحة لا يضيرها السلخ ! . . فقبل رأسها و ودعها و مضى !
هكذا استشار ابن الزبير أمه في أصعب أوقات حياته ! وقد بلغت من العمر مئة سنة ؛ وقد عمي بصرها ؛ و هكذا أشارت عليه رضي الله عنها !
فمضى عبدالله بن الزبير يقاتل حتى لجأ إلى الكعبة فدخلها محتميآ بها . . فرماها الحجاج بالمنجنيق حتى هدمها عليه !
وقتل فيها !
فصلبه الحجاج في المسجد الحرام ؛ و صاح في حاشيته : هاتوا لي أسماء تنظر ما فعل الحجاج بولدها !
فأتوها فأخبروها فقالت والله لآ آتيه !
فقال أخبروها تأتي وإلا لأبعثن إليها من يسحبها من قرونها !
فقالت والله لا آتيه حتى يبعث إلي من يسحبني من قروني !
فلما رأى إصرارها وقوة عزمها تركها و تظاهر بالخروج من مكة !
فلما اعتقدت خروجه من مكة جاءت إلى الكعبة تتحسس ولدها عبدالله . . فتسلل إليها الحجاج من أحد البيوت فناداها متشفيآ بها : كيف وجدتني فعلت بإبنك يا أم عبدالله ؟
فردت عليه بشجاعة نادرة : وجدتك يا حجاج أفسدت عليه دنياه و أصلحت له آخرته . . !
فطأطأ الحجاج و همس في حاشيته قائلآ قتلت ولدها فغلبتني بصبرها و قوتها !
إسمعي يا أم الشهيد !
بمثل هذه الأم .. التي تعلم أبناءها ؛ أن المبادئ أغلى من التضحيات ؛
تعيرهم يوم يأتون بنقيصة . .
و تؤنبهم يوم يفرون عن واجب . .
و تفخر بهم يوم يضحون . .
و تعتز بهم يوم يخاطرون . .
بمثل هذه الأم تكون الرجال . .
و بمثل هذه الأم تكون العزة . .