ماذا يريد الإيرانيون؟

كتب_ د. عيدروس نصر

قال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللاهيان أن بلاده تؤيد قيام حكومة ائتلافية في اليمن تضم كل الأطراف السياسية اليمنية مؤكداً أن بلاده لا تسمح بتقسيم اليمن، ليس لعدم أهمية الموضوع لكن، وهو ما يطرح السؤال: ماذا تريد إيران من الحديث عن حكومة تضم كل الأطراف اليمنية؟ 

 هذا التصريح لوزير الخارجية الإيراني الجديد الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية في فترة الرئيس السابق حسن روحاني، وهو ما يعني أنه على اطلاع كامل بكل التفاصيل المتصلة بالصراع في اليمن، أقول هذا التصريح يأتي في حفل تأبين حسن أيرلو السفير الإيراني (المزعوم) لدى الجماعة الحوثية، يمكن أن يحمل مجموعة من الدلالات المهمة، لكن النظام الإيراني عود كل متابعي مواقفه وسياساته وتصريحات قادته، بأن ما يصدر عن قادته من تصريحات وأقاويل وخطابات قد لا يعني بالضرورة المعنى الحرفي للمفردات المستخدمة فيه.

فهل اقتنعت السلطات الإيرانية باستحالة مواصلة هيمنة الحوثيين منفردين على الساحة اليمنية؟

لا أظن ذلك لأن المشروع الإيراني لا يقتصر على الهيمنة على اليمن (الجمهورية العربية اليمنية السابقة) وربما لن تقتنع أيران بضم الجنوب إلى مساحة هيمنتها، لأن النزعة التوسعية للنظام الإيراني تستهدف كل الجزيرة العربية وبلاد الشام أو كما قال احد خبرائها "القمر الشيعي"، عوضا عما كان يسمى بـ"الهلال الشيعي" والذي كان يقصد به العراق وسوريا ولبنان.

هل سيقبل قادة إيران بنظام ائتلافي في اليمن يضم المخالفين للسياسات الإيرانية والرافضين للمشروع التوسعي الإيراني؟

الحالة الوحيدة التي يمكن أن يقبل فيها نظام إيران بشركاء لذراعهم السياسي والعسكري في اليمن، هي أن يكون هؤلاء الشركاء خاضعين للإملاءات التي ستفرضها الجماعة الحوثية، ثم تقوم بتصويرها للعالم على أنها نوع من الائتلاف الوطني أو المشاركة الديمقراطية، بحيث تبقى الجماعة الحوثية هي الممسكة بصناعة القرار وتبقى بقية القوى السياسية مجرد ديكور سياسي لتحسين صورة الجماعة أمام العالم.

ونأتي للحديث عن عدم القبول بتقسيم اليمن، وهذه ليست المرة الأولى التي يصرح فيها أقطاب النظام الإيراني بهكذا موقف.

إن نظام ولاية الفقيه في إيران وهو يتخذ هذا الموقف من إشكالية (الوحدة والانفصال) في اليمن، لا يعبر عن عدم دراية بتاريخ المشكلة، وأن الجنوب كان دولة مستقلة ذات سيادة حتى 21 مايو 1990م بل بالعكس فقد ارتبط نظام الخميني بعلاقة ليست سيئة مع نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على خلفيات عديدة ليس هذا مجال تناولها، لكن ما يعبر عنه الإيرانيون في هذه االجزئية لا علاقة له بتلك المرحلة التاريخية، إن هذا الموقف ينسجم مع ما تعرضنا له من استراتيجية إيرانية توسعية تقوم على بسط الهيمنة الامبراطورية الفارسية على كل المحيط الإقليمي بشواطئه ومنافذه البحرية ومضايقه الاستراتيجية وثرواته الطائلة ومقدساته الدينية وفي مقدمتها بلاد الحرمين الشريفين، ومن هذا المنطلق فإن الهيمنة على جنوب الجزيرة العربية ممثلة بمساحتي الجمهوريتين السابقتين، وبضربة واحدة أفضل للنظام الإيراني من الهيمنة على مراحل، ويرى أقطاب نظام إيران أن استعادة الشعب الجنوبي لدولته سيعقد المسألة على المشروع الإيراني وربما فشل المشروع الإيراني في الجنوب بالذات، نظرا لغياب الحاضنة الاجتماعية والعقائدية التي يمكن الرهان عليها في القبول بما يتكئ عليه هذا المشروع من أسس عقائدية ومذهبية وسلالية، ثم إن تجربة المقاومة الجنوبية في العام 2015م لعزو قوات التحالف الانقلابي وتلقينها الدروس القاسية يجعل أساطين هذا المشروع يزدادون تمسكا بحكومة يمنية رخوة وعاجزة عن مقاومة مشروعهم أفضل من دولتين إحداهما قد تتعايش مع المشروع الإيراني، لكن الأخرى، أعني الدولة الجنوبية، لا يمكنها القبول بهذا المشروع التوسعي العنصري المقيت.

حديث أمير عبد اللاهيان عن حكومة تضم كل الأطراف اليمنية ورفض تقسيم اليمن، مجرد كلام دبلوماسي لا يعني شيئا للتطبيق على الأرض طالما أفصح ممثلوه في اليمن عن إصرارهم على الهيمنة على كل اليمن ويجسدون ذلك عملياً في سلوكهم اليومي وخطابهم السياسي وأفعالهم ومارساتهم اليومية، كما إن هذا الحديث يقول به الجميع من أمريكا وبريطانيا وروسيا والصين حتى دول التحالف العربي وجميع الدول العربية، لكن العبرة ليست في ما يقال بل في ما يفعله القائلون به على الأرض، وما يفعله الإيرانيون لا يتطابق مع أقوالهم إلا عندما يتعلق الأمر برفضهم لـما أسموه "تقسيم اليمن" فهم في هذا يتفقون مع غالبية القوى السياسية اليمنية، حوثية وإصلاحية ومؤتمرية وقومية وغيرها.

حديث عبد اللاهيان لا يختلف عما يقول به الإصلاحيون والمرتمريون (الذين في صنعاء والمتفرقون بين القاهرة وأبو ظبي والرياض) والحوثيين وبالتالي فلا قيمة له بالنسبة للقضية الجنوبية ولثنائية الدولتين السابقتين (العربية اليمنية واليمن الديمقراطية).

تجربة الحوثيين مع المقاومة الجنوبية شديدة القساوة، فهم لا يمكن أن ينسوا ما تلقوه من كؤوس المرارة في العام 2015م على أيدي أبناء الجنوب، ولذلك نتوقع أن حديث عبد اللاهيان لم يأتِ إلا من باب المواساة لأنصاره الذين ما يزالون يتوهمون إمكانية العودة إلى الجنوب سواء في إطار تسوية سياسية تحقق لهم ما يبتغون، أو من خلال التخادم المكشوف وغير المكشوف مع أشقائهم الإصلاحيين والمؤتمريين الذين لا يتقبلون فكرة استعادة الجنوبيين لدولتهم، أو من خلال مواصلة قضم المديريات الجنوبية واحدة تلو الأخرى كما جرى مع مديريات بيحان الثلاث في محافظة شبوة، لكن تلك ليست سوى مجرد تمنيات تفتقد لكل عوامل التحقق طالما تمسك الجنوبيون بحقهم في استعادة دولتهم كاملة السيادة على حدود 21 مايو 1990م واستعدادهم لبذل الغالي والنفيس في سبيل الوصول إلى تلك اللحظة.

مقالات الكاتب