​​​​​​

القاعدة بدول الربيع العربي..من سيناء الى الرايات السود

خليج عدن/ تقرير اعدة المعهد العربي للدراسات والتدريب

إن الحديث عن خطر إرهابي قائم - أو محتمل - في دولة ما، ليس محلا للمزايدة أو التمويه السياسي، فحين تتم مهاجمة كمين الماسورة الذي قضى فيه في سيناء 16 من الضباط والجنود المصريين في سيناء أوائل أغسطس الماضي، بينما يصرح في سبتمبر المسؤولون المصريون أن القضاء على فلول الإرهاب في هذه المنطقة قد يستدعي شهورا أخرى فحين يتكرر رفع الرايات السود منذ بداية الثورات وترفع صور زعيم القاعدة أسامة بن لادن مرات عديدة، وتكون لدينا ثلاث جماعات تتسمى منها باسم (أنصار الشريعة) تتبنى السلفية الجهادية وفكر القاعدة نشطة في هذه الدول الثلاث.. فلا شك أن السؤال عن فرص القاعدة في دول الربيع العربي يحمل شرعيته وأعمق وأكبر من مجرد التنافسية أو الاستقطاب السياسي السائد في دول الربيع العربي بين الصعود الإسلامي أو الشتات المدني!أنصار الشريعة وزعماؤهايتزعم أنصار الشريعة في مصر الشيخ الجهادي السابق أحمد عشوش أحد أبرز من رفضوا مراجعات الدكتور فضل منظر القاعدة وجماعات الجهاد، والذي أفتى مؤخرا في 17 سبتمبر بقتل كل ممثلي الفيلم المسيء للنبي محمد -ص- كما أخرج عددا من الكتب والرسائل في نقد الممارسة الإخوانية والسلفية بعد الثورة، في كتيب حمل عنوان: الحصاد المر: الإخوان المسلمون والسلفيون بعد الثورة" متماهيا مع كتاب زعيم القاعدة أيمن الظواهري" الحصاد المر: الإخوان المسلمون في سبعين عاما" وإن استخدم نفس المقولات والحجج والإسنادات وإن تميز كتاب الظواهري باتساع مراجعه وفضاءاته وحجمه، حتى عاد فيه للمؤرخ اليساري الدكتور رفعت السعيد وسلسلة انتقاداته لجماعة الإخوان المسلمين أكثر من مرة.

هذا بينما يتزعمها في تونس سيف الله بن حسن الشهير بالشيخ أبي عياض الذي تمت محاصرته في جامع الفتح في تونس بعد تداعيات الفيلم المسئ للنبي محمد في 17 سبتمبر الماضي أيضا!

ورغم العديد من الحوادث الليبية التي تكررت فيها رايات أنصار الشريعة، بدءا من مهاجمة السفارة التونسية في ليبيا، رد فعل على مواقف الحكومة التونسية من نظرائهم في تونس، أو الهجوم الأخير على القنصلية الأمريكية في بنغازي، وقتل السفير الأمريكي بطريقة بشعة في 11 سبتمبر، وما أعلنته القاعدة من أن هذا القتل كان انتقاما لمقتل زعيم القاعدة أبي يحيي الليبي الذي قتل في يونيو الماضي، ورغم البيانات المتناقضة بتبني العملية وعدم تبنيها من قبل أنصار الشريعة الليبية إلا أن وجودها ومرجعيتها السلفية الجهادية القاعدية حاضرة وينبغي كذلك أن تكون بعيدة عن المزايدة والتنافسية السياسية.

لا شك أن التظاهرات التي حدثت في الدول الثلاث وغيرها كانت تتقد من سخونة العواطف الدينية الإسلامية والغضب من الإساءة لنبي الإسلام، عبر شباب متدين وغير مؤدلج يمثل أرضا خصبة للتجنيد الجهادي، ووجد ضالته في تأييد أكثر الاتجاهات أو الشخصيات الدينية تصلبا في انتخابات الرئاسة المصرية الماضية مثلا، قبل استبعاده، وهو ما تكرر في مرات سابقة مع حوادث شبيهة كان آخرها ما حدث في أزمة الرسوم الكاريكاتورية سنة 2004.. ولكن ما حدث في هذه التظاهرات من رفع صور زعيم القاعدة برفقة راياتها السود وهتافاتها وتنظيمها في مناخ سياسي واجتماعي لا تزال دولة ما بعد الثورات مأزومة تسترد عافيتها وهيبتها.من أزمة التنظيم إلى نشاطية الحالةأحداث عديدة في العام 2011 جاز معها توقع انهيار تنظيم القاعدة وشبكته وفروعه، أتت في مقدمتها الثورات العربية التي أسقطت سلميا الأنظمة في تونس 12 ومصر 11 فبراير وليبيا التي قتل حاكمها معمر القذافي في 20 أكتوبر من نفس العام، وتنحى على عبد الله صالح عن الحكم في 23 يناير عام 2012، بينما يترنح نظام بشار الأسد أمام الثورة الكرامة السورية.

واجهت القاعدة هذا التحدي النظري بسقوط وتساقط الأنظمة أمام الثورات المدنية الديمقراطية اللاعنفية، بالالتفاف عليه، حيث أثبت فشل خيارها في الانقلاب والاستنزاف المسلح، الذي استخدمته التنظيمات الجهادية المحلية في مواجهتها، ثم اعتمدته القاعدة والجهادية المعولمة.

ظن البعض أن هذا التحدي النظري والفكري للقاعدة قد يكون الضربة القاضية القاصمة على أساس فكرها الانقلاب والجبهوي، خاصة مع توالي الضربات القاتلة لعدد من أبرز رموز قادتها ومنظريها، كان في مقدمتها زعيم القاعدة أسامه بن لادن في 2 مايو عام 2012 والذي تلاه عطية الله الليبي في 2011 ثم مقتل منظرها الشرعي وقائد العمليات في التنظيم عطية الله الليبي المصراتي في 22 أغسطس سنة 2011، ثم المنظر اليمني أنور العولقي في 1 أكتوبر سنة 2011 كما تأكدت وفاة أبي يحيي الليبي، الذي رجحت الولايات المتحدة مقتله في يونيو سنة 2012، بعد أن اكدها أيمن الظواهري في 11 سبتمبر سنة 2012، وهو نفس التاريخ الذي أكدت فيه الحكومة اليمنية مقتل سعيد الشهري نائب زعيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو الأمر الذي لا يمكن الجزم به حتى الآن، كما قتل أمير الصحراء في تنظيم القاعدة في المغرب العربي نبيل الصحراوي المعروف ب نبيل الأوراسي.

هذه أزمة التنظيم في القاعدة وقيادتها المركزية، ولكن ما حمله الربيع العربي من وعود كبيرة بيقظة امة لا تعيش في العالم وحدها، مع فراغات أيدولوجية وأزمات هوية وعدم تحديد لمفهوم الشرعية، هل هو سياسية أو دينية، وما رافقه من التفوق التنظيمي للقوى الإسلامية بعموم مع خطاب لم يخل أثناء التنافسية السياسية والانتخابية من بعض وجوه الجهادية والسلفية الجهادية( كنماذج حازم أبو اسماعيل وبعض القنوات الدينية وغزوة الصناديق ورفض المواطنة الكاملة لغير المسلمين بل ورفض الديمقراطية من قبل بعض من اخترقوا و فازوا في مضمارها من قبل الأحزاب السلفية) كل هذا الخطاب يمثل أسسا متماهية مع خطاب القاعدة ولكن القاعدة واضحة فيه بينما الآخرون يستخدمونه تكتيكيا أو مرحليا فقط.

من جانب آخر لم تلق القاعدة- وتيارات الإسلاميين- بالا للتحدي النظري الذي طرحته الثورات المدنية الديمقراطية السلمية، بل رآت في انهيار نماذج الدولة الوطنية المشوهة قبل الثورات، نتيجة طبيعية لاستنزافها عبر الهجمات والنضالات الإسلامية وحدها، وكذلك الاستثمار في توجهات الأغلبيات المتدينة وغير المسيسة المتعاطفة مع الخطاب الديني بعموم، فضلا عن الفشل التنظيمي الذريع للقوى المدنية في المرحلة الأولى بعد الربيع العربي.

و من نافلة القول التأكيد على هذا التجاهل لمدنية هذه الاحتجاجات والثورات من قبل قادة القاعدة أو منظريها، فرغم ما أبداه زعيم التنظيم الراحل أسامة بن لادن من إعجابه بهذه الثورات، قبل مقتله في 2 مايو من نفس العام، ودعوته أنصاره لعدم التدخل في مساراتها حتى لا تصح استخدام فزاعتها من قبل الأنظمة أو القوى الدولية الداعمة لهذه الثورات، ولكن كان يلح دائما على ضرورة أسلمتها كخيار مضمون للجماهير المسلمة، وهو ما يكاد يستحيل الربيع العربي معه الآن مشروعا أيدولوجيا لتنظيمات دينية معينة أكثر منه مشروعا سياسيا لدى هؤلاء.

ففي رسالة بن لادن ل عطية الله الليبي( الذي قتل في 11 أغسطس سنة 2012، التي كتبها قبل وفاته بأيام- وهي الوثيقة رقم 10 ضمن الوثائق التي تم الإفراج عنها بعد مقتله- بتاريخ 26 نيسان/ابريل 2011 وصف الثورات العربية بالحدث العظيم وأنها «ثورة الأمة ضد الطغاة»، وإن «الأمة لم تشهد تحركاً بهذا الحجم منذ قرون»، ويوصي مسؤول العمليات في تنظيمه بألا يدخل الجهاديون في مواجهات مع الإسلاميين الذين يتوقع بن لادن أن يسيطروا على المشهد السياسي عربياً، ويرى أن من الضروري أن يتأنوا وأن يعتنوا بدور التوجيه عبر الرسائل الإعلامية.

كما وجه الظواهري في رسائله- عشرة أجزاء- إلى أهل مصر، نصائح للقوى الإسلامية الصاعدة محذرا لهم أن يحافظوا إسلامية الثورة، وقد أدت إليها جهود القاعدة عبر إجهاد هذه الأنظمة وكذلك حليفتها الولايات المتحدة، والحذر من العلمانيين حلفاء الغرب، وخص بالذكر أسماء كالدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما ذكر في رثائه ل بن لادن في 9 يونيو، التي ينذرها بالويلات، حيث إنها الآن أمام أمة منتفضة لن ترحم من يواجهها! فتحول الأمر من الإشكال النظري وهزيمة فكرة الانقلاب المسلح للقاعدة إلى اعتبار الثورات انتصارا للقاعدة وقوى الإسلاميين عموما! وهكذا فعل عطية الله الليبي المصراتي، قبل مقتله في أغسطس من نفس العام، في حديثه للثورة الليبية وهو ما فعله أيضا أنور العولقي قبل مقتله في 1 أكتوبر من نفس العام في حديثه للثورة اليمنية!

ولكن ما تعرضت له القاعدة من ضربات متتالية عقب الثورات العربية، وخاصة مقتل زعيمها في الثاني من مايو سنة ضربات تلاحقت للقاعدة تنظيما وشبكة فروع تنظيمية في العالم بعد مقتل زعيمها في عدد من بلدان العالم ولكنها كحالة لا زالت نشطة وهو ما تأكد في عملية محمد مراح في فرنسا بتاريخ 12 مارس سنة 2012، أو ما شاهدناه في مقتل السفير الأمريكي يوم 11 سبتمبر في ليبيا على إثر ردود الفعل الشعبية والاحتجاجية على فيلم مسئ للنبي محمد- صلي الله عليه وسلم- وهو ما أعلنت القاعدة أنها قامت به ثأرا لمقتل أحد قيادييها أبي يحي لليبي، أو رفع الرايات السوداء للقاعدة وصور زعيمها الراحل أسامه بن لادن في الاحتجاجات ضد السفارة الأمريكية بالقاهرة أو تونس، وفي تظاهرات عديدة في مختلف بلدان العالم العربي، مما يجعلنا نجزم أن القاعدة كحالة تنشط بقوة مع الانفلات الأمني وصعود الإسلاميين وسياسات الهوية ومناخات الانفلات الأمني وضعف هياكل الدولة.

ربما يكون ثمة تراجع ملحوظ على مستوى القيادة المركزية للقاعدة المحاصرة في جبال باكستان وأفغانستان، وعلى مستوى بعض الفروع وليس كلها، وهو أثر على حجم العمليات التي تراجعت على مستوى العالم ‏10283‏ عملية في العام الماضي بعد أن كان‏11641‏ في‏2010، حسب المركز الوطني لمكافحة الإرهاب الأمريكي ولكن هناك تقدم في مستوى بعضها وخاصة في منطقتي الساحل الإفريقي والقرن الإفريقي، عبر جماعات التحقت بها في السنتين الأخيرتين ك بوكو حرام النيجيرية النشطة في القرن الإفريقي وحركة شباب المجاهدين الصومالية وجماعة أنصار الله وكتيبة الملثمين اللتين سيطرتا قبل شهور على الشمال المالي مجتمعا، حين نجحت القاعدة مثلا في مالي في السيطرة على تومبكتو في مالي أوائل يوليو سنة 2012.

كما أن هناك حركات أخرى عديدة مرتبطة بها لا زالت تمارس نشاطها مثل طالبان باكستان التي نفذت ما لا يقل عن عشرين عملية نوعية في باكستان انتقاما لمقتل زعيم القاعدة حتى الآن، كما أن هناك حركة لشكر طيبة الكشميرية المرتبطة كذلك بها، فضلا عن بعض التنظيمات التي لازالت ناشطة أو عادت لنشاطها بقوة في العالم العربي مثل تنظيم القاعدة النشط في العراق في ظل السجال الطائفي الساخن، وكذلك الدولة المشخصنة الفاشلة، في شخص رئيس الوزراء نوري المالكي، ومجموعات السلفية الجهادية في سيناء وليبيا وغيرها التي يمثل مناخ الحرية غير المضبوطة والفراغ الأيدولوجي السائد في دول ما بعد الثورات العربية مساحات مفتوحة لنشاطاتها مع أقرباء أيدولوجيين في سدة الحكم.

من هنا نرى أن الجهاديين المحتملين وبعض الجماعات المنظمة ك انصار الشريعة بفروعها الثلاث، ونجاحات القاعدة في بعض المناطق، فضلا عن زخم الصعود الإسلامي، الذي لم يترافق مع تطورات أو مراجعات عميقة على مستوى الخطاب أو الممارسة، واستمرار أزمة الهوية المستمرة، التي تجلت في تداعيات أزمة الفيلم المسئ أو الرسوم المسيئة الجديدة، كل هذه الفجوات الثقافية- السياسية- الاجتماعية، والقانونية تمثل فضاءات فرص جديدة للقاعدة أو التطرف الديني بشكل عام، وليس هذا فزعا من حدث التغيير السياسي والديمقراطي أو ثورة ما زالت تتفتح في سوريا أمام نظام قمعي متوحش يبيد شعبها، ولكنه كشف عن المهمة التي تقع على عاتق القوى المدنية والإسلامية المعتدلة بعموم في رأب الصدع والتوافق من أجل النهضة والبناء دون شعبوية أو استحواذ لن يكون في صالح أحد إلا الشموليين عموما، أنظمة سياسية أو أصولية دينية!