​​​​​​

نور عبد الله وصناعة السلام الخلّاقة

إصلاح صالح


 من القلائد المضيئة في عدن، نور عبد الله اليوسفي، التي برعت في فن الحوار وتسوية النزاعات. فكيف استطاعت هذه المرأة أن تصبح قوة دافعة للتغيير والحلول في مجتمعها؟

في حديقة منزلها المتواضع الواقع بضواحي مدينة عدن، استقبلتني نور عبد الله اليوسفي بابتسامة دافئة، مرتدية عباءتها السوداء التي تعد الزي التقليدي الأساسي للنساء في المدينة. تفتخر نور بعملها، فقد أصبحت مرجعًا لحل قضايا الناس في الحي منذ أكثر من عشرين عامًا. 

تتحدث المرأة الخمسينية بتركيز عن تجربتها في فض النزاعات، وهي التجربة التي غيرت مجرى حياتها. ورغم أنها لم تتعلم القراءة والكتابة. "استطعت التصدي للنزاعات الكبيرة وحلها، محافظةً على سلامة أهالي المنطقة."

تأثير إيجابي، رغم التحديات   

أم حسين، كما يلقبها الناس باحترام، تعيش حياةً عاديةً مثل أي امرأة، لكنها بالنظر إلى نشاطها الاجتماعي، تقترب من هموم الناس. تعتبر نور أن النساء يستطعن الوصول إلى البيوت ومعرفة احتياجات السيدات وحل المشكلات الأسرية بشكل أفضل من الرجال. يمكنهن التواصل مع النساء والفتيات والأطفال والشبان والأمهات والآباء، ومعالجة قضايا المطلقات والأرامل والتصدي للعنف الأسري.

أعتقد أن ثقة المجتمع بالشخص
 أساس تولي مهمة حل الخلافات.

وتؤكد أم حسين أن المرأة قادرة على أن تكون قريبة من أحوال الناس أكثر من الرجل، كما تستطيع تشجيع النساء والفتيات على الحديث عن مشاكلهنّ وما يتعرضنّ له من تعنيف من قبل ذويهنّ، لأنهن يتحفظنّ على الحديث مع الرجال عن خصوصيات كثيرة قد تحدث لهنّ.

تقول نور "أعتقد أن ثقة المجتمع بالشخص والسمعة الحسنة هي من تجعله قريبًا منهم لتولي مهمة حل الخلافات." وتتابع قائلةً: "ترجع تلك الثقة التي يمنحها الجميع إلى إنصافها للجميع بكلمة الحق، وإلى الاحترام الذي تحظى به في منطقتها والمناطق المجاورة."

ويتفق جيران أم حسين على ضرورة تعيينها في منصب يتعلق بحل النزاعات، نظرًا لقدرتها على إدارة الأزمات حيث عجز الآخرون عن ذلك. يحترمها الكبير والصغير في المنطقة وجميع من عرفوها.

براعة ومرونة في حل النزاعات

تعددت النزاعات التي تدخلت فيها نور، منها مشاكل الأراضي، والبناء العشوائي، والطرقات، ومعالجة القضايا الأمنية في الحارات، وتقديم الخدمات. كما ساعدت على حل المشاكل الزوجية التي كادت تصل إلى حد الطلاق، ولكن بحكمتها استطاعت الحفاظ على تماسك الأسرة، التي هي ركيزة المجتمع.

تتذكر أم حسين كيف قامت بتسهيل طرق السير في قريتها بمنطقة مكيراس قبل انتقالها إلى مدينة عدن. كانت تقطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام لتلبية احتياجات أسرتها، وواجهت تحديًا حينما عارضها بعض أبناء القرية. ولكنها لم تستسلم، وواصلت جهودها مع الغالبية التي كانت تؤيد مبادراتها، وساعدها هؤلاء في خدمة المجتمع.

وتروي أم حسين قصة أصعب مشكلة واجهتها، عندما اختلفت مجموعة من الأهل في منطقة الممدارة بمدينة عدن، حيث تقطن، بشأن قطعة أرض. "تطور الأمر حتى تم استخدام السلاح والتهديد وحتى التفكير في القتل،" تحكي أم حسين. 

عندما فشلت جهات أمنية وشيوخ الحارات في فض الخلاف بين الطرفين، جاء الحل على يدي هذه المرأة الحكيمة. "جلست مع الطرفين منفصلين، وكسبت ثقتهم، ووصلت معهم إلى حل نهائي وقناعة تامة." 

صامدة في وجه الصعوبات 

ما يشدك أكثر في أم حسين هو شخصيتها القوية وشجاعتها. قسا عليها الزمان، ومرت بتجارب صعبة، لكنها لم تستسلم أو تضعف، بل استمرت بقوة وإصرار، وحرصت على رعاية أبنائها الذين فقدوا والدهم منذ حوالي 20 عامًا. اليوم، هؤلاء الأبناء أصبحوا كبارًا، ويقفون إلى جانبها، ممتنين لكل ما قدمته لهم. تقول "الحياة ليست سهلة، ولكن بقليل من التصميم وبكثير من الإرادة يمكن تحقيق المعجزات".

قليل من التصميم وبكثير من
الإرادة يمكن تحقيق المعجزات.

تضحك أم حسين، وهي تصف كيف كانت تتطوع لحل النزاعات، دون أن تتقاضى ريالًا واحدًا، وتقطع أحيانًا المسافات الطويلة مشيًا على الأقدام، وتعود إلى المنزل منهكة القوى. فهذا العمل يستهلك الكثير من مشاعرها ومن قواها، ومع هذا فقد استمرت. 

وعلى الرغم من أن الحياة سارت للأسوء وتدهور الوضع بعد الحرب في مدينة عدن، إلا أنها واصلت دورها كامرأة مكافحة تعرف مسؤولياتها ناحية مجتمعها. "أتلقى الكثير من الاتصالات والدعوات، خاصةً من الأشخاص الضعفاء الذين لا يجدون من ينصفهم، ولا يمكن إلا أن نساعدهم بما نستطيع. بخبرتي المتواضعة أعمل على تقريب وجهات النظر، وأبحث لهم عن حل وسط يرضي الطرفين".

رمز القوة والتمكين

تشعر نور بالرضا والاعتزاز كونها من أوائل النساء اليمنيات اللاتي قمن بتولي دور مجتمعي هام، في ظل الصراع القائم في البلاد وتدهور الوضع الأمني. حل قضايا الناس يشعرها بالسعادة والقبول. 

لم أصل لما أنا عليه اليوم من فراغ.

في مجتمع مثل اليمن، لا يتوقع من امرأة أن تفض نزاعات الناس؛ لأن الدولة غائبة، فهو عمل رسمي ينفرد به الرجال. "مسيرتي لم تكن بالسهلة، ولن تكون سهلة لأيّ امرأة يمنية تخوض هذا المجال، أو تسعى لإثبات أنها خارج الأطر التقليدية وما هو متوقع منه،" تقول أم حسين. 

"لم أصل لما أنا عليه اليوم من فراغ، بل من الجهد الذي قدمته خلال سنوات طويلة من خلال العمل المجتمعي، الذي عرّفني على الناس واحتياجاتهم، وعلى احتياجات مجتمعي، وما يعانيه".

ومع هذا، اجتازت حدود التوقعات، وفرضت واقعًا مختلفًا، مؤكدة أن المرأة مساوية للرجل في العمل والمهام.