​​​​​​

عندما تصبح المرأة عورة ومكلف

إصلاح صالح

في اليمن، تستخدم ألفاظ لوصف المرأة والتعبير عن الأفكار المتعلقة بها. تأخذ ألفاظ مثل العورة، العيب والمكلف مكانة بارزة في المجتمع، حيث تمثل القيم الاجتماعية والتقاليد المتوارثة. من الضروري فهم تأثير هذه المفاهيم والمصطلحات على المجتمع كاملًا، عبر تأثيرها على المرأة، فالمرأة تمثل نصف المجتمع وهي عمود أساسي له. 


اللّغة أداة لترسيخ الصور النمطية 

عانى عمل المرأة واختلاطها بالرجل من الوصم الاجتماعي؛ بسبب ثقافة تمييزية موروثة عبر الأجيال. ثلاث مصطلحات تجسد هذا التمييز بطريقة واضحة. تعتبر المرأة في اليمن عورة يجب تغطيتها وحمايتها. هذا الاعتقاد يشير إلى أن المرأة جسد مكشوف يجب أن يظل مخفيًا، ويترتب على ذلك تقييد حركتها وحريتها ومنعها من المشاركة الفعّالة في المجتمع. يسهم هذا الاعتقاد في تأكيد الأفكار النمطية حول المرأة، ويصل إلى إخفاء المرأة، عبر إخفاء جسدها، صوتها وحتى اسمها.  

أما كلمة العيب فتستخدم لوصف ما لا يليق. تستعمل هذه الكلمة لتحديد سلوك المرأة وتصرفاتها في المجتمع. هناك ارتباط كلمة العيب بكلمة العورة، فكل ما يكشف العورة عيب، أي لا يليق. هذا الاعتقاد يفرض قيودًا على المرأة، ويجعلها تشعر بالذنب عند انتهاك تلك القواعد. بالتالي، يقوم المجتمع بتعزيز القيود الاجتماعية والثقافية التي تحول دون تحقيق المساواة بين المرأة والرجل. 

للغة تأثير كبير على كيفية
تفكيرنا وتصورنا. 

فيما يشير مصطلح المكلف إلى المرأة التي تعتمد بشكل تام على الرجل من الناحية المادية، وتعتبر عبئًا عليه. الكلمة مستمدة من مصطلحات اللهجة المحلية اليمنية، وتحمل معاني متنوعة للرجل اليمني، منها تلك المتعلقة بالمصاريف والنفقات. تصبح المرأة من هذا المنظور ثقلا يجب حمله من طرف الرجل، الذي يتحمل مسؤولية توفير سبل العيش والحماية لها.

تلعب شخصية المرأة والبيئة المحيطة بها دورًا مهمًا في تأثير هذه المصطلحات الشائعة في المجتمع اليمني. هذا وتعزز التربية الاجتماعية في بعض المناطق استخدام هذه المصطلحات كجزء من السلوكيات المقبولة. هذا ما تفسره الصحفية دِفاع صالح، التي تقول أنها لاحظت ذلك بحكم اهتماماتها بقضايا المرأة وتناولها الإعلامي لقضايا إنسانية.   
إن استعمال ألفاظ مثل العورة، العيب والمكلف ليس من أعراض عدم المساواة فقط، ولكن يساهم فعليا في تجذير هذه الأفكار. للغة تأثير كبير على كيفية تفكيرنا وتصورنا للعالم المحيط بنا. عندما نستخدم ألفاظاً تقلل من المرأة وتحد من حريتها، فإننا نساهم في تأصيل هذه الأفكار ونشرها في المجتمع. 

كلمات تجرح بعمق 

في بعض الأحيان، قد يستخدم الرجل هذه المصطلحات بسبب شعوره بالنقص، خاصة إذا كانت المرأة التي أمامه على مستوى عالٍ من التعليم والعمل. "هناك بعض النساء اللاتي يواجهن تحديات تتعلق بكونهن ذوات قدرات مهنية وعقلية وتميز في جوانب العمل أو حتى العلاقات المجتمعية، وهذا ما يدفع الرجل، وقد يكون زوج أو أخ مثلا إلى محاولة التقليل من شأن المرأة،" تقول دفاع صالح. "يلجأ إلى استخدام بعض الألفاظ ليوصل لها رسالة 'أنت مجرد امرأة'". يوضح هذا التعبير الصراع الذي تواجهه النساء في المجتمع اليمني. 

تشير الدكتورة نعمة منذوق أستاذة علم النفس الإكلينيكي في جامعة صنعاء، إلى أن ثقافة العيب والعورة من الأفكار السائدة في مجتمعاتنا العربية، التي تُمنع المرأة من العمل بمجالات وتخصصات مختلفة. "تصبح المرأة فريسة لهذه المعتقدات، وتظل محصورة وغير قادرة على تحقيق طموحاتها وأكثر عرضة لشعورها بالدونية"، تفسر الدكتورة. نتائج ذلك هو انطواء المرأة على نفسها ودخولها "في حالة من الاكتئاب والقلق".

المرأة إنسان مستقل لها حقوق وواجبات 
كما الرجل، ولها حضورها الفعلي أيضًا.  

يقول البروفيسور فضل الربيعي أستاذ علم الاجتماع في جامعة عدن، إن "هذه المفاهيم فرضتها الثقافة الذكورية في المجتمعات والعادات والتقاليد القديمة للتقليل من أهمية دور المرأة وحضورها في المجتمع وحقوقها وكرامتها وإنسانيتها". 

في المجتمع اليمني، تتوارى هُوِيَّة المرأة خلف صفات وألقاب تحت ذريعة التمسك بالعادات والتقاليد. تنعت المرأة قبل الزواج بـ"بنت فلان"، وبعد الزواج بـ"زوجة فلان"، وبعد الإنجاب بـ"أم فلان"، مما يجعل هويتها الفعلية تغيب تمامًا. 

ووفقًا للبروفيسور الربيعي، فإن "ثقافة الخجل والتكتّم على البوح باسم المرأة لدى المجتمع اليمني يعود إلى معتقدات خاطئة لا يزال الكثير من الناس متمسكين بها، مع أنّ أننا بتنا في القرن الواحد والعشرين". "المرأة إنسان مستقل لها حقوق وواجبات كما الرجل، ولها حضورها الفعلي أيضًا"، يضيف الربيعي.  

تؤكد الدكتورة منذوق أن أغلب الأسر غير مدركة لما قد ينتج من أثر عميق ومستدام في نفسية المرأة لهذه الألفاظ، لذلك لابد من التوعية والدعم النفسي، وهذا أقل ما يمكن أن يُقدَّم للنساء في مجتمعاتنا العربية الذكورية. 

من المهم بالتالي التعامل مع هذه المشكلة على مستويات متعددة، بدءًا من تغيير اللغة التي نستخدمها عند التحدث عن ومع المرأة ووضع حد للأفكار النمطية، وصولًا إلى تعزيز التوعية والتثقيف حول قضايا المساواة بين الجنسين. يمكن لكل فرد منا أن يصبح قوة للتغيير، عندما ننتبه إلى كيفية توجيه حديثنا عن ومع النساء في مجتمعاتنا. عندما نتحدى الصمت المحيط بهذه المصطلحات، سنتمكن جميعًا من صنع فرق حقيقي!