​​​​​​

الشرف في ميزان المجتمع

لمياء الشرعبي

تحاول الخروج من التهمة التي ألصقوها بها، لكنها تفشل دومًا: "عندما أريد أن أنسى، تذكّرني نظراتهم المستحقِرة وعمري الذي تجاوز منتصف الثلاثين".

تحكي منيرة (اسم مستعار؛ حفاظًا على خصوصيتها وسلامتها)، ما حدث لها قبل 15 سنة: "كنت حينها في الثانوية، وكان هناك شاب في القرية يحبني، وكان يترك لي رسالة بجانب الزريبة في الطريق كل يوم، كنت آخذها، وأنا في طريقي إلى المدرسة".

في سن الـ35، تعيش منيرة في أحد أرياف محافظة تعز، وهي كغيرها من النساء اللواتي يخشين الحديث للصحافة، خوفًا من أن يتعرف عليهن المجتمع؛ لكنها وبعد ما تأكدت أننا لن نبوح باسمها، وضعت قلبها هنا لتكون الصورة الظاهرة لما يحدث في قلب المجتمع.

كانت رسالة الحب الموضوعة في الطريق، سببًا ليتهمها أهل القرية بالعهر ويطلقوا عليها أسوأ الألفاظ. تقول منيرة في حديثها لـ"خيوط": "بعد أيام بدأت زميلاتي بالتركيز عليّ وأنا آخذ الرسالة من الطريق، كنت أقرؤها معهن لثقتي بهن، ولم يمضِ إلا أسابيع حتى بدأ الخبر يفوح في القرية، ومن ثَمّ بدأ الأهالي يحذّرون صديقاتي من المشي معي، وحين وصل الأمر إلى أهلي، قاموا بضربي وساهموا في اتهامي وتعنيفي واحتقاري".

غدت منيرة وحيدة في المدرسة، كما منعت من دخول منازل جيرانها، وما زالت تتذكر حين أغلقت أمّ إحدى زميلاتها الباب في وجهها. صارت محتقرة ومنبوذة في القرية، فرسائل الحب تلك، كانت كافية لتجعلها تبلغ سن الـ35 دون زواج. ظلت لسنوات وحيدة في المنزل وتحتقر نفسها أيضًا، ومع مرور السنين، عاد أهالي القرية تدريجيًّا لمعاملتها بصورة طبيعية، لكنهم لم ينسوا أنها لا تزال امرأة غير صالحة للزواج.

تقول: "عانيت كل هذه السنين، وكان أخي يضربني ويصفني بالوقحة، ويذكّرني أن لا أحد سيتزوجني لأني لم أحفظ شرفي، زوجة أخي أيضًا بعد كل شجار بيننا تقول لي إني عانسة ولا أحد سيتزوجني".

سلطة العرف

في ظل ثقافة تشترط على المرأة أن تكون آلة تسير وفق ضوابط محددة، ونظام مبرمج شكّله لها العرف والتقليد، تعاني النساء في اليمن من العنف، بشقيه النفسي والجسدي، فأبسط تصرف يبدر من المرأة يقاس في ميزان الشرف والأخلاق. 

أخصائيون نفسيون يقولون إن المرأة التي تتعرض للاحتقار بسبب أنها عديمة الشرف، تلحقها أضرار نفسية؛ أبرزها "الخجل والانطواء وتجنب الآخرين".

يقول الدكتور ياسر الصلوي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، يقول إن للجانب المجتمعي دورًا كبيرًا في تحقير النساء، كما أن هذه المسألة تعود إلى الموقع المحدد للمرأة في المجتمع اليمني مقارنة بالموقع المحدد للرجل. وبطبيعة المجتمع اليمني، فإنه يضع المرأة في مرتبة متدنية مقارنة بالرجال، ويصدر أحكامًا وتقييمات لكل ما تقوم به المرأة، وفقًا للمكانة التي تحتلها في المجتمع.

ويضيف في حديثه لـ"خيوط": "يُصور المجتمع اليمني المرأة بدونية، وذلك في إطار التكوين الهرمي للأسرة، حيث إن الأسرة اليمنية أسرة تقليدية بطبيعة الحال، ويحتل الأب المرتبة العليا فيها، يليه الذكور ثم أخيرًا النساء".

ويوضح ذلك الدكتور ياسر القباطي، إذ يقول إن "هناك الكثير من السلوكيات والتصرفات التي لا يقبلها المجتمع من المرأة، فما بالك في موضوع يربطها بالرجل! تكون النظرة سيئة تجاهها وكأن كل علاقة عاطفية لا بد أن تقترن بارتكاب سلوكيات سيئة وغير سوية".

ويضيف أن "عوامل كثيرة تلعب دورًا في الحكم على تصرفات المرأة، منها ثقافة الأسرة والمجتمع"، التي تحكم سلوك المرأة، ومن هنا، بحسب القباطي، "نجد التفسير لسبب تعنيفها نفسيًّا وجسديًّا".

السياسة يد العنف

الثقافة المجتمعية المتعسفة سبب رئيسي في النظرة القاصرة تجاه المرأة، فالمجتمع يطلب من المرأة أن تكون صماء القلب إزاء رغباتها، وأي مؤشر لتعبيرات عاطفية طفيفة يبدر من المرأة، يُحيلها إلى قائمة انعدام الشرف. أحد الأسباب الرئيسية لذلك، يعود للسلطات التي حكمت اليمن على مدى قرون، مستخدمة الدين والعرف القبلي لمصادرة حق المرأة بالمشاركة في الحياة العامة، ولاستمرار عزل البلاد عن تطورات المجتمعات الأخرى. ولا يزال أثر تلك السياسات ممتدًا إلى الزمن الراهن، خاصة مع صعود الجماعات الدينية المسلحة التي باتت تحكم أو تتحكم بشؤون الحياة العامة، وتحدد لباس المرأة وطريقة حياتها. يعزز هذا الراهن المزري التأثيرات التراكمية لانتقاص المرأة، التي ستكون وطأتها شديدة على الجيل القادم، إذ تؤكد زعفران زايد، رئيسة مؤسسة تمكين المرأة، لـ"خيوط"، أن أكثر النساء المعتقلات في اليمن يتواجدن في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين).

تضيف زعفران أن مؤسسة تمكين المرأة اليمنية، رصدت 304 حالات لنساء تعرضن للعنف الأسري من قبل الأزواج، منها حالات قتل وتشويه وحبس منزلي. وتساهم السلطة السياسية في مناطق سيطرة أنصار الله (الحوثيين) في العنف الأسري عن طريق التعبئة السلبية ضد المرأة ومشاركتها الاجتماعية والسياسية، وهو ما يؤثر في ذهن الرجل ويدفعه لاستخدام العنف ضد نساء عائلته في المقام الأول، وانتقاص النساء المشتغلات في الشأن العام.

 تقول إلهام صالح (24 سنة)، من محافظة صنعاء، إن طقمًا عسكريًّا أوقفها ذات يوم في شارع عام بسبب وجود ربطة خصر على عباءتها، وأن الجنود تهجموا عليها لفظيًّا قبل أن يأمروها بنزع الربطة، ما لم فسيتم القبض عليها. تضيف: "نزعتها وعدت إلى البيت، ولم أخرج منه لمدة أسبوع من شدة الخوف".

سنوات من العنف

29 عامًا منذ إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن تحديدها تاريخ 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، يومًا عالميًّا للقضاء على العنف ضد المرأة، ثم أطلقت مبادة حملة الـ16 يومًا من النشاط لمناهضة العنف ضد المرأة، كتأكيد على أن العنف الذي تتعرض له المرأة لا يكفي لمناهضته يومًا واحدًا في السنة.

 

 

خيوط