​​​​​​

أحزاب بلا نساء

محمد الحريبي

يطلبون منها حشد صديقاتها مع كل فعالية، لكنها باتت تدرك أنّ مشاركتهنّ لن تتجاوز عتبة "إسقاط الواجب الذكوري!"، كما تقول فاطمة علي، وهي ناشطة شابة من محافظة الجوف، شمال شرق اليمن.

فاطمة لا تشكو؛ فهي ترى أنّ "النساء يتحملنّ جزءًا من المسؤولية"، معيدة ذلك إلى "عدم تمسكهنّ بحقهنّ، والضغط لانتزاعه".

تعتقد فاطمة أنّ "السيطرة الذكورية، وتفرد الرجال بالقرار" من أهم الأسباب التي أدت إلى "ضعف مشاركة النساء في الأحزاب"، مضيفة: "حضور الفعاليات التي ينظمونها هو الدور المناط بهنّ، وأحيانًا يسمحون لمسؤولة قطاع المرأة باعتلاء المنصة لخمس دقائق؛ لإلقاء كلمة تشكرهم فيها على دعمهم السخي لإشراك المرأة".

حضور حزبي

تشيد سكرتيرة دائرة المرأة في الحزب الاشتراكي اليمني، وهبية صبرة، بحزبها الذي تشارك في مكتبه السياسي 3 نساء، و5 أخريات في أمانته العامة، مشيرة في حديثها لـ"هودج" إلى أنّ "سكرتير أول منظمة الحزب في الحديدة، غرب اليمن، امرأة"، في "تجربة فريدة لا توجد في باقي الأحزاب".

أما سارة قاسم هيثم، وهي مسؤولة قطاع المرأة في فرع التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة تعز، فتؤكد أنّ حزبها "حرص على دور المرأة في العمل السياسي والحزبي، وأعطى لها مكانها ومكانتها"، موضحة أنّ دور النساء "أصبح حاضرًا في مجلس الشورى، والأمانة العامة، بالإضافة إلى وجود دائرة المرأة".

وتضيف: "كان لافتًا حضور المرأة في المؤتمر العام الثاني للتجمع؛ حيث تم ترشيح 7 عضوات، ثم 11 امرأة في المؤتمر الثالث من أصل 130 عضوًا بنسبة 14.3%، ليرتفع في المؤتمر الرابع إلى 13 عضوة بنسبة 16.9%".

وتقول مسؤولة قطاع المرأة في فرع المؤتمر الشعبي العام بمحافظة تعز، شادية محمد سعيد، إنّ "المرأة القيادية متواجدة في المؤتمر، وبنسبة أكبر من أي حزب آخر"، على الرغم من أنها لا تعتبرها "نسبة كافية للمرأة المؤتمرية".

تراجع مبرر!

"العملية السياسية برمتها ضعفت وتراجعت نتيجة الوضع"، ترى وهبية، موضحة: "هذا الضعف والتراجع شمل الأحزاب"، لكنها تعود وتؤكد: "على الرغم من ذلك، أستطيع القول أنّ النساء في الأحزاب، أو بعضها، لم تتراجع مشاركتهنّ، مثل تكتل النساء الحزبيات الموجود في العاصمة المؤقتة عدن ونشاطه الملموس، وأيضًا في محافظتي حضرموت وتعز".

وتنفي وهبية تهميش الأحزاب اليمنية للمرأة قائلة: "قد يكون هناك ضعف في دور الأحزاب نتيجة للوضع، لكن علينا أن ندرس الواقع بكل جوانبه؛ حتى نصل إلى أحكام موضوعية لا عاطفية".

وترجع شادية ضعف مشاركة النساء في الأحزاب إلى "الأوضاع الحالية في البلاد، وبسبب الفتاوى والأحزاب الدينية"، مضيفة أنّ "وجود قوانين غير منصفة لمشاركة النساء سبب مهم، وكذلك تهميش المرأة لنفسها".

وترى سارة أن "توقف انعقاد المؤتمرات العامة للأحزاب؛ بسبب الحرب، انعكس سلبًا على استحقاق الدور السياسي للمرأة بشكل عام". مشيرة إلى أنّ "ضعف مشاركة المرأة ناتج عن الضعف العام للنشاط الحزبي؛ نتيجة ظروف الحرب، وهذا لا يعني أنّ حضور المرأة في الأحزاب غائب أو مثالي!". موضحة: "لا زال دور المرأة الحزبي والسياسي دون المطلوب؛ بسبب ما ذكرته آنفًا، لكنه يتقدم بثبات، ويحتاج إلى ظروف سياسية صحية متمثلة في إنهاء الحرب، واستحقاق دورها من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني".

تعزيز ممكن

تؤكد وهبية صبرة أن تعزيز مشاركة النساء في الأحزاب "لن يأتي إلا بالكثير من العمل والجهد من قبل النساء أنفسهنّ".

وهو ما تتفق معه سارة هيثم التي ترى أنّه "أمرٌ ممكنٌ في حال زاد حرص المرأة، ووعيها، واستشعارها بأهمية دورها السياسي داخل أحزابها، وثقتها بقدراتها، ثم بمزيد من الممارسة السياسية التي تؤدي إلى النضج السياسي، والمشاركة الفاعلة من المرأة بعيدًا عن الأمنيات ومجرد الرغبات".

ولكنها تشير إلى أنّ كل ذلك "لا يمكن تحقيقه إلا عبر منظومة متكاملة من الإجراءات، تبدأ من قيادة الأحزاب واستشعارهم بأهمية الدور القيادي للمرأة"، موضحة: "يكون ذلك أولًا بالتعليم والتدريب والتأهيل للنساء، ثم بالدفع عبر الآليات الطبيعية، ومحاولة إزالة العوائق التي يفرضها الواقع لتفرغها للقيادة السياسية".

فيما تطالب شادية بــ "تنفيذ الكوتا، واقتناع الأحزاب بمشاركة النساء، وإعطائهنّ مناصب قيادية في الهيئات الحزبية"، وتؤكد أنّ الأهم هو "توعية المرأة بأهمية مشاركتها، وفصل الدين عن السياسة".

وجهة نظر

الباحث السياسي والمدرب في المشاركة السياسية، عمار السوائي، يرجع ضعف تمثيل المرأة في مراكز القرار داخل الأحزاب السياسية إلى سببين، "يتمثل أولهما في أن الأحزاب فاقدة لشروط الديمقراطية الداخلية في بنيتها، وعاجزة عن ممارستها في التصعيد والتمثيل لمراكز القرار، والثاني يتمثل في البيئة والظرف الذي نعيشه؛ والذي يجعل الأحزاب تلتفت لتمثيل الأشخاص الذين لديهم حضور وشعبية جماهيرية أكبر؛ لأن هذا، من وجهة نظر الأحزاب، يجعلهم قادرين على خوض المعركة والصراع بالكيفية التي تتطلبها المرحلة، وهو أمر لا تمتلكه النساء". موضحًا: "هذه وجهة نظر خاطئة؛ لأنّ المرحلة تتطلب أيضًا فريقًا تفاوضيًا جادًا يمثل المجتمع بمختلف فئاته وأشكاله".

ويؤكد عمار : "إذا كان هناك مؤسسة تتحمل اللوم، وتُلقى على عاتقها مسؤولية تهميش وغياب دور المرأة في العملية السياسية؛ فهي الأحزاب السياسية؛ لأنّ هذه وظيفتها".

وعن كيفية تعزيز حضور المرأة في مراكز القرار داخل الأحزاب، يرى عمار أنّ "الحل في تغيير قواعد اللعبة السياسية، ومن ضمن هذا التغيير تطبيق الكوتا، وتغيير النظام الانتخابي من الأغلبية إلى نظام القائمة النسبية".

 

نشرت هذه المادة في منصة هودج على الرابط التالي:


http://hodaj.net/posts/hzb-bl-ns