في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
وصلت "مشيرة" إلى مرحلة لا تستطيع فيها الاستمرار بالحياة الزوجية لتعامل زوجها معها بقسوة، وتهديده المستمر لها بالطلاق، ففي كل مرة يحلِف عليها به كتهديد لمخالفتها أوامره التي قيدت حريتها وجعلتها تعيش معه حياة أشبه بالسجن.
تقول مشيرة: "الخوف على تشتت الأسرة وضياع ابني الوحيد جعلني أصبر على تلك المعاملة، لكنّ التهديد الدائم بالطلاق يجعل الزوجة تحس أن لا قيمة لها في حياة زوجها، ويستطيع التخلص منها في الوقت الذي يريد".
الشعور بأن التهديد بالطلاق يسلبها الإرادة والحرية، ويمنعها حتى من زيارة أهلها، جعلها ترفض الاستمرار بالحياة الزوجية، وتقرر الانفصال مهما كانت النتائج
أسلوب عقابي
"مشيرة" ليست المرأة الوحيدة التي تعرضت طوال حياتها الزوجية التي لم تستمر سوى ثلاث سنوات للعنف الأسري المتمثل بالتهديد المتواصل بالطلاق، أو الحِلف به لإجبارها على القيام بفعل معين، أو تركها لعمل تود ممارسته، فكثير من النساء يتعرضنّ يوميًا لمثل هذا العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ مما ساهم في رفع مؤشر العنف ضد النساء في اليمن إلى 65% خلال سنوات الحرب وفقًا لمؤشرات صندوق الأمم المتحدة للسكان.
وترى رئيسة اتحاد نساء اليمن بعدن، فاطمة المريسي، أن التهديد بالطلاق سلوك غير أخلاقي يمارسه الزوج في كثير من الأسر كأسلوب للعقاب والإذلال، ونظرًا لهذا التصرف زادت أعداد حالات الطلاق، وتعرضت الأسر للدمار والتمزق الأسري والتشتت الاجتماعي.
تقول المريسي: "تصلنا يوميًا العديد من النساء المعنفات اللاتي يتضح أنهنّ تعرضنّ للتهديد بالطلاق وعنف لفظي أو أخلاقي، ومن خلال فرق الرصد الميدانية التابعة للاتحاد، تصلنا بيانات توضح بأن كثيرًا من الرجال يلجؤون إلى أسلوب التهديد بالطلاق في أبسط المواقف، حتى التي يمكن معالجتها بأساليب أخرى أقل تأثيرًا على الأسرة".
نقص رجولة
الحياة الزوجية لها قدسيتها الخاصة، وتُصنع بالتفاهم والوفاق، ولا يمكن أن تخلو من اللحظات الصعبة والمنغصات التي يتطلب التعامل معها بالحكمة لتجاوز تلك المصاعب، لكن التهديد بالطلاق يجعل المشكلة تتفاقم، ويعرض العائلة لمخاطر التمزق.
التهديد الدائم بالطلاق أمر غير مقبول، ويلجأ إليه الرجل الذي لا يمتلك القدرة على التعامل مع إدارة الخلافات، كما أنه يخلق حالة من التوتر وعدم الإحساس بالأمان لدى المرأة، وتهتز بسببه الثقة بين الزوجين، وتصبح المشاعر ضعيفة بينهما، بحسب الاختصاصية النفسية، ورئيسة قسم الطفولة المبكرة بكلية التربية - جامعة صنعاء، الدكتورة سلوى علي المأخذي.
تقول المأخذي: "على الرجل أن يفهم أن هذا السلوك ينقص من رجولته، ويفقده الاحترام لشخصيته، ولا بد أن يقدّر الزوجة، ويحترم مشاعرها، ويغير تعامله معها، إلا أن هناك نوع من الرجال لا يهتمون إلا بأنفسهم، ولا يتمتعون بالمسؤولية الأسرية، ولا يهتمون بالعواقب الناتجة عن تصرفاتهم".
وتؤكد المأخذي أن عواقب هذا السلوك لا تقتصر على الزوجة فقط، وإنما "تمتد إلى الأبناء الذين يعانون نتيجة هذا السلوك من الخوف، وعدم الإحساس بالأمان، والرجوع إلى سلوكيات طفولية كالتبول اللاإرادي والعناد والقلق، وتظهر عليهم علامات الانطواء والعزلة".
أبغض الحلال
الباحث الديني والداعية، محمد عبدالغني مصطفى، يؤكد أن الطلاق أبغض الحلال عند الله، والحل الأخير إذا لم يكن هناك سبيل للتوافق بين الزوجين، فإن أحب الرجل زوجته أكرمها، وإذا لم يحبها لم يهنها، امتثال لقول الله تعالى: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، ولا ينبغي أن يكون التهديد بالطلاق وسيلة لحل الخلافات، أو لتقييد المرأة والتحكم بها.
ويقول مصطفى: "سيُسأل الرجل عن هذا السلوك يوم القيامة، والمرأة زوجة وليست أسيرة حتى يحرمها حريتها، ويسلبها إرادتها بما لا يتوافق مع الشرع، ويجب أن لا يكون الزوج كالذباب لا يقع إلا على الجرح".
ويضيف: "من العار أن يلجأ الزوج إلى هذا السلوك، فالنساء آخر وصايا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين قال في خطبة الوداع: استوصوا بالنساء خيرًا".
خلل في الاتزان
تقف كثير من الزوجات عاجزات عن التعامل مع تلك السلوكيات، ويضطررنّ للصبر عليها دون جدوى، ولهذا تقدم الاختصاصية المأخذي للزوجة العديد من النصائح التي يجب أن تواجه بها هذا الأسلوب أبرزها الالتزام بالصمت والهدوء لحظة الشجار، واختيار الوقت المناسب للتحدث مع الزوج عن خطورة هذا الأسلوب وعواقبه، والتعبير عن رفضها لتلك المعاملة التي تعد مؤشرًا لانهيار العلاقة، وطلب المساعدة في حل المشكلة من المحيطين بالأسرة، واستشارة المتخصصين في العلاقات الأسرية.
وتعتقد المأخذي أن أسبابًا كثيرة تجعل الرجل يلجأ إلى تهديد المرأة بالطلاق باستمرار، وترجعها إلى خلل في الاتزان الانفعالي عند الرجل لعدم قدرته على ضبط انفعالاته، أو عدم قدرته على مواجهة مواقف الخلاف وحلّها، علاوة على التنشئة الأسرية لاسيما إن كان والده يمارس نفس السلوك مع والدته.
تقول: "عدم قناعة الرجل بالزوجة، ورؤيتها غير مناسبة ولا تلبي احتياجاته العاطفية، من أسباب هذا السلوك، بالإضافة لأسباب مرتبطة بالمرأة، كأن تكون غير مبالية به، أو متسلطة وحادة الطباع؛ مما يجعل العلاقة بينهما تسوء".
كلمة مؤلمة
كلمة الطلاق مؤلمة ومؤثرة كثيرًا على النساء بشكل عام، وتؤثر أيضًا على الرجل، خاصة إذا كان بين الزوجين أطفال باعتبارهم الأكثر عرضة للتشتت والضياع، كما تؤكد رئيسة اتحاد نساء اليمن بعدن.
وتوصي أن تعطى الأولوية داخل الأسرة للتفاهم، وتقديم التنازلات من الطرفين، والتوافق الأسري، وعدم التفكير بالطلاق لأن هذا السلوك يعرض أفراد الأسرة لمخاطر نفسية وسلوكية، ولتغيير مضامين العلاقات الأسرية، ويجعل شكل العلاقة العائلية ممزقة.
نشرت هذه المادة في منصة هودج على الرابط التالي: