في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
"لم أرث من أجدادي غير هذه الأرض المتمثلة في 6أحواض، والتي استطعت من خلالها إعالة أولادي"، هكذا بدأت أم أيمن حديثها لـ "هودج"، وهي امرأة في الخمسين من عمرها، تعيل 7 أبناء، ومن مدينة الحامي بمديرية الشحر التابعة لمحافظة حضرموت، جنوب شرق اليمن، والتي تعد واحدة من المدن التي تمتاز بتوفر المساحات الصالحة فيها لاستخراج الملح.
تعمل أم أيمن في استخراج الملح الطبيعي من جوف الأرض، حيث تنطلق في ساعات الصباح الباكرة بحزم أدواتها البدائية إلى أرض لأجدادها تبعد عشرات الكيلومترات شرق مدينة الحامي، وتعمل هناك طيلة أيام الأسبوع.
آلية العمل
تبدأ أم أيمن وبعض النساء العاملات إلى جانبها بحفر أحواض الملح للوصول إلى نبع الماء الصافي من جوف الأرض، والذي يتحول بعد فترة إلى ألوان عديدة، وبعدها بأيام يتحول إلى اللون الأزرق، ثم إلى اللون الأحمر، ومن ثم إلى اللون الأبيض، بعد ذلك يتم تركه أيامًا معرضًا لأشعة الشمس حتى يجف منه الماء تمامًا، وهو ما يسمى بعملية الترسيب، ثم تقوم أم أيمن والنساء الأخريات باستخراجه من داخل الأحواض، وتصفيته من العوالق التي تكون ملتصقه به، وتجفيفه وتعبئته بأكياس كبيرة ومتوسطة.
ويعتبر فصل الشتاء من أفضل مواسم الإنتاج، إذ تبلغ كمية الإنتاج في الأسبوع الواحد 50 كيسًا فئة 50 كيلوجرام، وعند هطول الأمطار يذوب الملح في الأحواض، ويترك إلى أن يجف، بحسب أم أيمن.
صعوبات وتحديات
استطاعت أم أيمن تغيير نظرة مجتمعها المحيط لاشتغال المرأة في الأعمال الشاقة، وجعلت الكثير من النساء يلتحقنّ بهذه المهنة، وتغلبت على الكثير من التحديات والصعوبات أبرزها "استخراج الملح بأدوات وطرق بدائية، ما يجعله أكثر مشقة بالنسبة ليّ كامرأة، وتعرض المحصول للسرقة في المساء بعد أن نعود إلى منازلنا، كما أن هطول الأمطار يتسبب في ذوبان المحصول لعدم وجود حماية للأحواض"، كما تقول أم أيمن.
وتبيع أم أيمن الملح عبر تنقلها على متن عربة خشبية بين الأحياء السكنية بمديرية الشحر، تقول: "العائد من هذا العمل لا يكفي، فثمن بيع الملح قليل جدًا مقارنة بعملية استخراجه ونقله، لكني أقوم بمضاعفة عملي للحصول إلى ربح أكثر يسد حاجات ومتطلبات بيتي، وخصوصًا مع الارتفاع الحاصل لأسعار المواد الغذائية والدوائية".
نظرة مختلفة
ويوضح أستاذ علم الاجتماع المشارك بكلية الآداب - جامعة حضرموت، الدكتور محمد بن جمعان، بأن النظرة لعمل المرأة في أي مجال من مجالات الحياة بمحافظة حضرموت أصبحت مختلفة عن سابقتها، ويختلف ذلك بين الحضر والريف، "دخول المرأة لسوق العمل ومنافستها للرجال بشكل كبير، وخصوصًا في المشاريع والأعمال النوعية، يرجع إلى الظروف المادية التي تعاني منها معظم الأسر اليمنية، وقد تبدو مثل هذه الأعمال غير مقبولة لدى البعض في البداية، ومع استمرار النساء فيها تتغير تلك النظرة، بل يقدم بعض الرجال على مساعدة نسائهنّ العاملات بهذه المهن".
ويضيف: "يجب الاستفادة من هذه النعمة التي حباها الله لبعض المدن الساحلية في حضرموت عبر الاستثمار الأمثل لها بتمكين وتدريب النساء اللاتي ليس لهنّ معيل أو ذوات الدخل المحدود، وتوفير الآلات والمعدات الحديثة التي ستساعدهنّ على إنجاز عملهنّ بكل سهولة ويسر، وتشكيل جمعيات خاصة بهنّ، وعمل مبانٍ خاصة بهذه الأحواض والإشراف عليها".
ويرى جمعان بأن أم أيمن تعتبر من الأمثلة الناجحة على صمود المرأة أمام ضغوطات وتحديات الحياة، حيث أصبحت بعملها الشاق قادرة على أن تؤمن مصدر دخل لها ولأولادها، وتكتفي بنفسها.
مثالًا للمرأة المتفانية
مع مرور سبع سنوات من الحرب في اليمن، وتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والإنسانية في أزمة تعتبرها منظمة الأمم المتحدة أكثر الأزمات الإنسانية تعقيدًا في العالم اليوم، تسعى الكثير من النساء إلى إيجاد وخلق الفرص والحلول من أجل تخفيف وطأة الحياة اليومية، وتوفير أبسط حاجيات الأسر، تمامًا كأم أيمن التي ظلت تكافح وتقاوم ظروف الحياة القاسية من خلال عملها الشاق.
جسدت أم أيمن مثالًا للمرأة المتفانية في العمل بمهنة شاقة للتغلب على الظروف الحياتية، ووقوفها إلى جانب زوجها في تأمين الغذاء وتربية الأبناء وتعليمهم، وهي اليوم تتمنى أن تحظى بدعم لحماية الأحواض، تقول: "مشروعي يحتاج للأدوات والمعدات التي تساعدني على إنجاز عملي بكل سهولة، وتوفير أغطية لحماية المنتوج عند هطول الأمطار، وتوفير الأكياس الجيدة والمناسبة لتعبئة الملح فيها".
نشرت هذه المادة في منصة هودج على الرابط التالي: