في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
منذ الإعلان عن تشكيلها، وأسئلة كثيرة تدور حول المجموعة النسوية الاستشارية المختصة بمكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، وبينما يسأل كثير عن أهميتها، يسأل آخرون عن المعايير التي اعتمدت لاختيار عضواتها والدور المناط بهنّ، وعمّا سيقدمنه للمرأة اليمنية.
وبحسب موقعه الرسمي، أطلق مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن عددًا من المبادرات منذ إنشائه، مثل منتدى المرأة والشباب عام 2013م، ثم مجموعة “التوافق” كآليةً استشارية عام 2015م، حضرت سبع من عضواتها مشاورات الكويت عام 2016م، على الرغم من أنّ النساء لم يكن لهنّ دور مباشر فيها، وقد نمت المجموعة لتضمّ حوالي 60 امرأة يمنية في أواخر 2018م؛ وكل ذلك لضمان مشاركة المرأة في جهود السلام، بما في ذلك ضمان تمثيلها بنسبة 30٪ على الأقل في جميع الاجتماعات والمبادرات التي يقودها المبعوث.
(TAG)
وفي منتصف عام 2018م، أنشأ مكتب المبعوث الخاص المجموعة النسوية اليمنية الاستشارية المُختصّة (TAG)، وهي شبكة سيدات يمنيات من خلفيات متنوعة، مثل الاقتصاد، والسياسة، وحقوق الإنسان، والحوكمة.
ضمّت المجموعة ثماني نساء يمنيات، ثلاث منهنّ من “التوافق”، وفي منتصف عام 2020م، أصبحت خمسة من أعضاء المجموعة المختصّة أعضاء في التوافق النسوي أيضًا.
وتقدم عضوات المجموعة المشورة عند بدء المحادثات الرسمية، وفي غياب المفاوضات الرسمية، يقدمنّها وملاحظات ومدخلات إلى مكتب المبعوث لدعم عمله وفرقه المختلفة، بحسب المسؤولة الإعلامية لمكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، مي الشيخ، ويسلطنّ الضوء على بواعث القلق التي قد يرغب المبعوث في معالجتها، “وقد يطلب المكتب منهنّ إعداد أوراق تعريفية وتحليلية حول القضايا ذات الصلة بعمله، كالأوراق التي أعددنها قبل اجتماعات ستوكهولم في ديسمبر 2018م، ويمكنهنّ تطوير أولويات السياسة بشأن القضايا المحلية و/أو الوطنية”، مضيفة: “يعمل مكتب المبعوث حاليًا على أولويات عمل المجموعة لهذا العام”.
“لم تكن شفافة”
وتعمل المجموعة بسرية تامة، ما قد يؤثر سلبًا على مستوى عملها مع مكتب المبعوث، أو مستوى الثقة والتواصل بينها والمكونات النسوية المختلفة، بحسب الناشطة النسوية وداد البدوي؛ “حيث إن تشكيل هذه المجموعة تم بالتشاور مع مكونات نسوية، كالتوافق النسوي اليمني“.
ويقف الناشط السياسي صلاح أحمد على الأسس والمعايير غير المعروفة لاختيار عضوات المجموعة، “أغلبهنّ يشتغلنَّ في منظمات المجتمع المدني. ذلك ليس عدلًا، وتمثيلًا غير صائب لقضايا الجندر؛ فالنساء ذوات النشاطات السياسية والحزبية، وذوات الارتباط المجتمعي النسوي غير موجودات!”، ويستدرك: “هذا لا يعني أنهنّ لسنَ مؤهلات، ولكنّ الآليات لم تكن شفافة وواضحة للجميع”.
من جانبها، تشير الشيخ إلى أن عضوات المجموعة يتم اختيارهنّ على أساس الجدارة من حيث خلفيتهنّ المهنية، “مع مراعاة التنوع في الموقع الجغرافي، والعلاقات مع مختلف مستويات المجتمع اليمني، والقدرة على التأثير والتواصل، وتنوع الخبرة ومستواها في مجالات صنع وبناء السلام المحلي، وجهود الوساطة، وتعزيز المساواة بين الجنسين، وحقوق النساء اليمنيات، والسياسات الاقتصادية والمالية، وحكم القانون، والحوكمة، و/أو قطاع الأمن، وأن يكنّ من داخل اليمن قدر الإمكان”، مؤكدة: “تضمن المعايير أن 20٪ على الأقل من العضوات هنّ من الشابات اللاتي تتراوح أعمارهنّ بين 20 و35 عامًا، وتراعي تمثيل 50 – 50% لشمال وجنوب اليمن”.
هل هي مهمة؟
ترى البدوي أنّ المجموعة يمكنها أن تؤدي دورًا كبيرًا بين النساء ومكتب المبعوث الأممي، وبين النساء وأطراف الصراع في اليمن، وبينهنّ والفاعلين الدوليين في الميدان، وأنّها “قد تكون جسرًا لوصول النساء إلى الملفات الشائكة، والتي يُعمل عليها خلال مفاوضات السلام، أو قبل المشاورات”، وتضيف: “قد نتفق أو نختلف مع المجموعة، لكنّ وجودها ضروري للعملية السياسية النسوية، ولإيصال أصوات النساء. نحن لا نكتفي بها، ولكنّها مهمة”.
وبينما يجد صلاح المجموعة لا تمثل شيئًا للنساء حاليًا، يصفها الصحفي محمد محروس بأنّها “بداية” في مسار التغيير المنشود في ظل أوضاع البلاد المعقدة، “ربما ليس تغييرًا جذريًا؛ لأنّ لدينا أزمة مجتمعية في مدى تقبل مشاركة المرأة، ولكنّ وجود مَن يمثل المرأة، ويعبر عن تطلعاتها ومعاناتها والجهود الدولية يظل جيدًا، ويستحق الدعم والمساندة”.
انعكاس
ويشير محروس إلى أنّ تشكيل المجموعة يعبر عن مدى نضج التوجه الأممي نحو النساء، “باعتبارهنّ شريحة مجتمعية مهمة لا يمكن تجاوزها في هذه المرحلة”، وتكتفي الخبيرة في النوع الاجتماعي، مها عوض، بوصفها “لا تعكس مستوى الالتزام بالمشاركة للنساء في أساس عملية السلام”.
تقول البدوي: “وجود مستشارات لا يكفي للقول بإنّ المرأة موجودة في العملية السياسية، أو إنّ مكتب المبعوث يدعم العملية السياسية، ويلتزم بتنفيذ القرار الأممي 1325. وجود النساء مهم على الطاولة وليس حولها؛ لأنّ عضوات المجموعة لا يسمح لهنّ بحضور المفاوضات حتى الآن”.
المعني الأول
بحسب صلاح، لا يمكن للمجموعة أن تغير، في الوقت الحالي، من واقع مشاركة المرأة في العملية السياسية؛ لأنهنّ “غير مسنودات بغطاء سياسي أو شعبي، وكل ما يُطرح من قبلهنّ سيكون محل تفاوض، أو اعتباره مفروضًا بالقوة، وقد يخرجنَّ بتمثيل نسوي بسيط في بعض المناصب لأي تسويات سياسية، أو تشكيلات وزارية ربما تحدث”.
وتوافقه البدوي الرأي، لكنها تُرجع أسباب ذلك إلى المهام المحدودة للمجموعة، وغير الواضحة، وعملها بشكل شبه سري، مؤكدة أنّ واقع العملية السياسية للنساء في اليمن، خصوصًا المسار الأول، يمكن إدارته من خلال المجتمع الدولي، ومكتب المبعوث الأممي؛ “لأنهما معنيان بهذا الملف بشكل مباشر، والأطراف تخشى على صورتها أمام المجتمع الدولي، كما حدث في مؤتمر الحوار الوطني، عندما رفض بنعمر قوائم المشاركين التي لا تتضمن نساء”.
مع هذا، يرى صلاح أنّ الأمل في “حجم تبني المجموعة للقضايا النسوية، والانتصار لها تشريعيًا وتنفيذيًا”، وتأمل البدوي أن يكون هناك “اتصال أكبر بين المجموعة والمكونات النسوية”، ودعم من المكونات النسوية للمجموعة؛ “لتكون أقوى”، وأن لا يقتصر عمل المبعوث مع النساء على “المجموعة الاستشارية، وترك بقية المكونات النسوية الفاعلة، أو التي تعمل في المسارات الثلاثة”.
في اتجاه واحد
تقع على عاتق عضوات المجموعة مسؤولية كبيرة في إيصال أصوات النساء، وفي توضيح أهمية حضور النساء في المسار الأول، وفي العملية السياسية والتفاوضية، كما يتفق الجميع؛ لأنهنّ في الدائرة القريبة من صُناع القرار، ومكتب المبعوث الأممي.
وتؤكد البدوي أنّ كثيرًا من عضوات المجموعة يعملنّ في التكتلات النسوية، ومع النساء في الميدان، ما من شأنه أن يعكس وجهة نظر النساء بشكل إيجابي، وبما يعطيهنّ حضورًا في مختلف الملفات والقضايا ووجهات النظر التي تطرح في الدائرة المقربة من المبعوث الأممي، لكن “يبدو أنّ عضوات المجموعة غير قادرات على التحرك والعمل مع النساء بشكل واضح، ولا تعاونَ بينهنّ بوصفهنّ هيئة استشارية، وبين المجموعات النسوية”.
تقول البدوي: “مهم جدًا أن يكون كل الجهد النسوي منصبًا في اتجاه واحد، وأعتقد أن عضوات الهيئة الاستشارية يستوعبنَ ماذا تريد النساء في العملية السياسية، وهنّ خير من يدرك ذلك”.
المشاهد نت ذ