​​​​​​

كيف تسببت العادات والتقاليد والحروب في حرمان اليمنيات من حقوقهن؟

اشجان بجاش

لم تكن عبير سالم تتوقع أن تتعرض للحرمان من حقها في الميراث بعد وفاة والدها، لكنها تفاجأت بأن أخاها الأكبر رفض إعطاءها حقها على غرار مئات النساء  اللواتي تعرضن للحرمان من حقوقهن في بلد تتسبب فيه العادات والتقاليد بحرمان النساء من الحصول على أبسط حقوقهن المشروعة.

تقول عبير (37 عاما) وهي أم لثلاثة أطفال:”كنت في حاجة للحصول على حقي من الميراث وكنت سعيدة وواثقة بأنني سأحصل على ما يساعدني في تحسين ظروفي المعيشية، لكنني فوجئت بردّ أخي حينما طالبته بذلك: غضب بشدة وصاح في وجهي قائلا بأن النساء لا يرثن وليس ضرورياً أن تأخذي حقك من الميراث”.

بعدما قوبلت بالرفض مطالباتها بحقها في الميراث، لجأت عبير إلى العمل لمساعدة زوجها أملًا في التخفيف من معاناتهم اليومية التي يعيشونها منذ سنوات .

يشهد اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وتشير أحدث التقديرات إلى أن حوالى 50 ألف شخص يعيشون حالياً في ظروف تشبه المجاعة؛ إذ يشتدّ الفقر في المناطق المتضررة من الصراع، ويحتاج حوالي 21 مليون شخص (أي أكثر من 66 في المئة من إجمالي السكان) إلى مساعدات إنسانية وحماية وفقاً لتقدير الأمم المتحدة.

“حرمان من الميراث”

تماما مثل عبير تشكو فاطمة  حرمانها من حقها في الميراث بعد وفاة والدها بسبب رفض أخيها إعطاءها حقها تحت مبررات عبثية وغير قانونية الهدف منها حرمان فاطمة حقها.

تقول فاطمة  (45عاما) :” رفض أخي أن يمنحني حقي من الميراث وقال لي بأن تركة والدي لا تكفي والنساء لا يرثن”، خصوصاً أنها متزوجة ولديها ولدان، وتشير بأن أخاها يخشى انتقال نصيبها من الميراث لزوجها ، لافتة إلى أنها امتنعت عن الذهاب إلى المحاكم للحصول على حقها وتشكو ظلم أخيها إلى الله”.

تستغرب فاطمة عدم وقوف بقية إخوتها معها لرفع الظلم عنها وحصولها على قدر قليل من الميراث .”

ينصّ الدستور اليمني على حفظ حقوق المرأة اليمنية إلا أن المئات من النساء لا تزلن معرضات للحرمان من أبسط الحقوق خصوصاً حقوقهن في الميراث، ووفقاً للمادة 23 من القانون اليمني فإن حق المرأة في الميراث مكفول وفق الشريعة الإسلامية.

“قيود وتمهيش”

لا يختلف وضع المرأة في المدن اليمنية عن القرى، ففي العرف القبلي لايوجد للمرأة قاعدة عامة تستند إليها في ظل وجود القمع والتعنيف وإنما يعتبر ذلك أمرًا اعتياديًا ولا يحق للمرأة معارضته .

تشكو المعلمة نوال (27 عامًا) من تعنّت إخوانها خصوصاً بعد وفاة والديها، في منعها من العيش معهم، لافتة إلى أنها  أرادت  أن تبني  شقة لها في الدور الرابع للعيش فيها، لكنها تفاجأت بالرفض التام من قبل إخوتها الذكور، الذين رفضوا ذلك دون أي أسباب مشروعة، وتقول إنها ستظل تحاول وستلجأ للكثير من الوسطاء والعقّال، حتى يسمح لها بالبناء، كون ايجارات الشقق ارتفعت وهي غير قادرة على تكبد تكاليف السكن، خصوصاً في ظل انقطاع الرواتب.

تعتقد المحامية نسمة النجار أن هناك العديد من القيود المجتمعية المتمثلة بالعادات والتقاليد السلبية التي تحكم قبضتها على المرأة، “كحرمانها من ميراثها الشرعي من قبل إخوتها أو غيرهم من أفراد الأسرة وكل ذلك خوفًا من ملامة المجتمع أو القبيلة”.

وتقول النجاّر إن الاضطهادات التي تمارس ضد المرأة في المجتمع اليمني تعود للعادات والقوانين الوضعية الجامدة.

” تمييز ضد المرأة”

تعاني المرأة اليمنية من التمييز بحكم العادات والتقاليد السائدة في كثير من المناطق  إذ أن اليمن يعتبر من ضمن قائمة البلدان التي تسجّل أدنى مستويات  المساواة  الجندرية في العالم .

بحسب تقرير “هيومن رايتس ووتش”، تواجه المرأة اليمنية تمييزًا شديدًا في جميع مجالات الحياة ناهيك عن عدم توفر الحماية القانونية، ما جعل النساء اليمنيات عرضة للعنف الأسري وغيره.

صُنفت اليمن ضمن أسوأ الأماكن في العالم للعيش فيها في عام 2019 والأخيرة في مؤشر الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لمدة 13 عامًا متتالية. 

” الحرمان من التعليم”

تفشت ظاهرة حرمان المرأة من التعليم والتي فرضت على الأسر اليمنية بشكل عام والريفية خاصة وتندرج ضمن عادات وتقاليد المجتمع التي تسري في عقلية الأسر المنغلقة.

أمل أحمد( 23 عامًا) تنحدر من إحدى القرى الصغيرة في محافظة الحديدة تقول: “أملك شغفًا شديدًا بالدراسة ولكن لا يوجد في قريتنا صفوفاً متقدمة للبنات على غرار فئة الذكور الذين يتوفر لهم التعليم حتى الصف الثالث الثانوي ، أي أنه ليس مهماً أن تتعلم المرأة،ولا يوجد أي اهتمام من قبل الأهل بتعليم النساء،، كون المرأة ينتهي بها الحالة بالزواج”.

مديرة إدارة المرأة في حقوق الإنسان منى السقاف ترى أن موضوع حرمان المرأة من حقوقها “ما هو سوى عادات دخيلة ظهرت لإضعاف دور النساء وقدرتهن للوصول إلى حقهن الشرعي”.

خلال السنوات الماضية صنفت اليمن من ضمن الدول التي ترتفع فيها نسبة التعنيف ضد المرأة بفعل الانتهاكات المستمرة التي تتعرض لها النساء من قبل أطراف النزاع في مختلف المحافظات اليمنية.

وعن استمرار الحرمان والتهميش الذي تتعرض له النساء في اليمن تقول السقاف إن “الاستمرار في  الحرمان هو أكبر تحدي أمام أي دولة تتوجه نحو تنمية حقيقية ورفاه اجتماعي”.

وتشدّد السقاف في نهاية حديثها لـ”درج” على ضرورة تمكين المرأة في الحصول على التعليم وعلى حقوقها الشرعية، و”من دون ذلك  يفقد المجتمع  أكثر من نصف موارده البشرية في عملية التنمية المستدامة”.

 

DARAJ