في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
لا يقتصر العنف الأسري ضد النساء والفتيات على مجتمعات بعينها، ولكن ما يصنع الفارق هو كيفية تعامل القانون مع مرتكبي العنف، وإنصاف وحماية الضحايا.
في اليمن، تعاني النساء والفتيات من الغبن القانوني والمجتمعي في آن، والنقص الفادح في الدعم الحكومي في المدن التي يعشنّ فيها، إضافة إلى محدودية أو غياب مؤسسات المجتمع المدني التي يمكن أن يلجأن إليها، وهو ما حوّلهن إلى ضحايا، وعطّل آلية طلب المساعدة لديهنّ، بحسب ما أكدته مديرة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، المحامية هدى الصراري.
تقول الصراري: "لا توجد قوانين تناهض العنف ضد المرأة في اليمن. هناك نصوص تشريعية مجحفة في بعض القوانين، أبرزها قانون الجرائم والعقوبات، والأحوال الشخصية، وبعض النصوص في القانون المدني، واللوائح المنظمة في إدارة الأحوال المدنية، وجميعها تعزز مسألة العنف ضد النساء".
وتبين الصراري، من خلال ما تقابله بحكم طبيعة عملها كمحامية : "هناك ضعف في آلية حماية النساء، وغياب الإجراءات التي تعزز هذه الحماية"، واصفة دوائر المرأة والطفل في مؤسسات الدولة الرسمية بأنّها "لا تخدم النساء بشكل كافٍ".
وتوضح الصراري: "لا يوجد تمويل لأنشطة الدوائر في الوزارات، ولا تُعتمد لها ميزانيات، على الرغم من أنّها إدارات ودوائر تنظمها اللوائح الداخلية، بل تعتمد الدولة على المنظمات الدولية في تسيير أنشطتها، وحين يتوقف الدعم، يتوقف النشاط" .
طفح الكيل
وتشير التقارير إلى أن نسبة العنف ضد النساء في اليمن بلغت نحو 63% منذ بدء النزاع في 2015م، وكشف تقرير سابق لمنظمة أوكسفام أن 56% من النساء اليمنيات المتزوجات يتعرضنّ للعنف الجسدي من قبل أزواجهنّ.
فاطمة ذات الثلاثين ربيعًا، اسم مستعار، واحدة من النماذج الحية للعنف الموجه ضد النساء في اليمن.
قدمت فاطمة من محافظة تعز؛ بحكم زواجها، للعيش في مدينة عدن، تقول فاطمة: "كنت في عزلة لخمسة أعوام، لم يكن باستطاعتي حتى التفكير في طلب التواصل مع أهلي، وحين علم زوجي، مرة، محاولتي الاتصال بهم من هاتفه، أطلق عليَّ سيلًا من اللعنات والشتائم، كان يقول ليَّ: من يريدكِ فليأت للاطمئنان عليكِ، ولكن الحقيقة ألا أحد يرغب بكِ".
وتضيف: "استمرت الإهانات وإهماله ليّ؛ حيث لا ألقاه سوى في منتصف الليل، يوقظني ليقضي حاجته الجسدية، وينام".
تتابع: "تطور الأمر إلى العنف الجسدي والضرب لأتفه الأسباب".
الإبلاغ
لخمس سنوات، لم تفكر فاطمة بالانفصال عن زوجها؛ لكونها غير قادرة على إعالة نفسها، ولعدم رغبتها بالعودة إلى أهلها، ومواجهة النظر إليها كمطلقة، كما تقول.
بعد سنوات من التعنيف، تشجعت فاطمة، وأخبرت الطبيب بعد إلحاح منه لمعرفة جذور ما تعانيه من ضغوط نفسية، وبدوره قام بتحويلها إلى المكتب التنفيذي لاتحاد نساء اليمن - عدن.
بدأ المكتب التواصل مع فاطمة؛ ما أثار غضب زوجها، "أمسك أداة حادة، وكاد يطعنني بها؛ فاتصلت بالمكتب كي يبلغوا الشرطة".
حصلت فاطمة على بعض المساعدة، وذهبت للعيش في إحدى المراكز التي تأوي المعنّفات.
لماذا تسكت النساء عن العنف؟
ما إن شعرت فاطمة بالأمان، حتى بادرت برفع دعوى طلاق أمام المحكمة، وما تزال تنتظر قرار المحكمة بشأنها، موضحة: "تمنيت لو لم أسكت على كل تلك الإهانات والضرب طيلة تلك السنوات، لكنّي لم أكن أعرف كيف أتصرف؛ كنت في عزلة عن الناس".
تثير حالة فاطمة عددًا من التساؤلات حول تجنب النساء الإبلاغ عن العنف الأسري، وفي هذا الشأن، يقول رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة، أحمد القرشي: "حتى قبل اندلاع الحرب، فإنّ نسبة بسيطة من النساء المعنّفات من يذهبنّ إلى الأمن والقضاء؛ وذلك تجنبًا للفضيحة والعار، ولا يتم الإبلاغ عن الغالبية العظمى من جرائم العنف والشرف؛ حيث لا تتعدى البلاغات 5% من إجمالي ما يحدث فعلًا".
ويعزو القرشي أسباب عزوف النساء المعنّفات عن الاستعانة بالشرطة، على الرغم من احتمالات تطور التعنيف لخطر على الحياة، إلى أن "احتجاز امرأة أو طفلة في سجن أو مركز توقيف من شأنه تدمير سمعتها وسمعة أهلها، وقد يتسبب في قتلها بشكل أو بآخر".
ويوضح القرشي: "هناك ضعف كبير في استجابة مؤسسات الأمن والقضاء لضحايا وجرائم العنف الأسري ضد الفتيات والأطفال، إلا في حال ارتبطت القضية بجريمة أخرى؛ كالاختطاف، أو القتل".
لماذا يلجأ الرجال للعنف؟
وعن أسباب العنف ضد المرأة، يشير أستاذ علم الاجتماع في جامعة عدن، قيس محسن، إلى أن "محددات العنف تتمثل في الإحباط الذي يستثير العنف مباشرة، وما يرافقه من نماذج سابقة شاهدها الرجل".
وتابع قيس: "العنف الأسري من أشد أنواع العنف خطورة على المرأة من الناحيتين النفسية والاجتماعية، وتتعدى أثاره النتائج المباشرة لتصنع علاقات غير متكافئة، وتحدث خللًا في نسيج المجتمع".
وأضاف مبينًا كيفية التعامل مع العنف ضد النساء: "لا يجب أن نغفل عن أهمية مناهضة العنف، وإيجاد جو أسري يسوده الحب والتفاهم، ويجب أن تقوم المؤسسات التربوية بدورها في التوجيه الأسري؛ كون العنف قد ينشأ، أحيانًا، منذ الصغر، أو بسبب الأسرة التي تعجز عن الاعتماد على ذاتها في جعل الطفل قادرًا على اكتساب الاعتزاز والثقة بالنفس؛ وهو ما ينعكس سلبًا على مستقبل شخصية الولد أو البنت".
نشرت هذه المادة في منصة هودج على الرابط التالي: