في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
على الرغم من كوننا تجاوزنا العصور القديمة التي شرعت وأد الفتيات ملصقين عليها تهمة العار، وأصبحنا في طفرة تطور تكنولوجي وعالمي يقر بحق المرأة في الحياة، إلا أن هناك من يصرُّ على أن يضع قوانينَ خاصة تفضي بجعل المرأة عبدة تحت سلطة الرجل منذ ولادتها وحتى وفاتها، وإن تعددتْ سلطات الذكور في حياتها من أب وأخ لتنتقل بعد ذلك إلى زوج وابن. المهم ألّا تحظى بفرصة أن تأخذ قرار نفسها وتتنفس الصعداء دون قيود لتجد نفسها وُئِدَتْ بشكلٍ آخر وإن اختلف وَأْدُها عمَّا عانت منه سابقاتها من الإناث، إلا أنه يظل وأدًا وموتًا لا يُصرح عنه ولا يُعلن ولا تجدُ من يدافع عنها، خاصة أن الاضطهاد مبطَّن بذريعة دينية؛ فما إن تكلمَت وقالت: "هذا ظلم"، حتى اتهموها بأنها تتعدى على حرمة الدين وتعلن حروب الردة.
تسلب المرأة حقوقها
على مرأى ومسمع سكان العاصمة صنعاء تعيش النساءُ في منطقة معينة حياة مختلفة، لا يكاد يصدق أحد أن ما يحدث هنا هو جزء من العاصمة، إذ تسلب المرأة كل حقوقها تحت مصوغات ومبررات دينية بحتة متمرسة كل أنواع التطرف والاضطهاد؛ حيث تحرم المرأة من حقها في التعليم والخروج للعمل والمنزل والاختلاط بالعالم الخارجي من تلفاز وراديو وتلفون يحوي برامج التواصل الاجتماعي، إضافة إلى كل ذلك تُحرم من أن تُنادى باسمها الحقيقي ليطلق عليها الكنية، ب.ح إحدى النساء اللواتي يعشن معزولات عن العالم، حتى وإن سكنَّ وسط أشخاص يؤمنون بالمرأة وحقها في الحياة.
ب.ح ذات السبعة عشر عامًا، أمٌّ لأربعة أطفال، لم تعرف من الحياة إلا منزل والدها والجامع الذي تعلمت فيه القرآن وبيت زوجها أخيرًا، ولا تعرف إلا قول حاضر، ونعم، لأي ذَكَرٍ في عائلتها.
عبدالباقي شمسان دكتور علم اجتماع، يرى أن التربية الأسرية التي تتخذها أي أسرة متطرفة في تربية أبنائها هي انعكاس لثقافة مغلقة تريد فرض سلوكها على المجتمع بأفكار ملغَّمة مصادرة كل الحقوق؛ كي تبقى هي السائدة والمسيطرة.
تحكي كيف تعرضت للتعنيف الجسدي والمعنوي من زوجها حينما دقت عليها جارتها في العمارة لتتعرف عليها وتطلب منها الذهاب معها لزفاف إحدى الجارات في الحارة. تقول ب.ح: "انتقلت أنا وزوجي وأطفالي لشقة جديدة في عمارة محاطة بالشقق الأخرى، ولأني لا أخرج من المنزل إلا للجامع فقط فقد أتت جارتي في الشقة المقابلة لشقتي للسلام عليَّ والتعرف إليَّ، وتعزمني للذهاب معها لزفاف إحدى الجارات، أخبرتها أني لا أستطيع الذهاب والخروج؛ فالأغاني حرام كما تربَّيت في أسرتي، وأخبرني زوجي. دُهِشَتْ جارتي، وقالت: كما تريدين. ولم تناقشني أكثر، خاصة حينما سألتني عن اسمي لتتعرف إلى أكثر فأجبتها أن لي كنية (أم البراء) منذ أن كنت في العاشرة، ولا أتذكر حتى ما هو اسمي الحقيقي لم أكن أعرف من الذي عليه أن يُصاب بالدهشة أنا أم هي، فأنا كنت أظن أن الجميع يعيش كما أعيش؛ جُلَّ حياتي في المنزل أو الذهاب للجامع منذ كنت طفلة لم أستطع التعلم في المدرسة، ولم أعرف ما هي. فأنا تعلمت القرآن والقراءة في الجامع. ودَّعتُ جارتي، في تلك الأثناء يصل زوجي ويراها تخرج من الباب، وعندها يشتاط غضبًا: ماذا تفعل عندك تلك المرأة؟ وماذا تريد؟ أخبرته أنها أتت لتتعرف إليَّ ولتدعوني لزفاف في الحارة. لم أسمع بعدها إلا بصوت صفعة قوية وقعت عليَّ. بعدها منعني من أن أفتح باب الشقة لأحد. لم ينتهِ الأمر هنا، إذ إن والدي غضب مني، وقال: أنني لم أطع زوجي، وسأدخل النار دون أن أعرف ذنبي!".
ثقافة مغلقة
ليست ب.ح الوحيدة التي لا تدرك حقوقها، فهناك الكثيرات من النساء اليوم لا زلنَ يجهلنَ بحقهنَّ في الحياة والتعليم، فهنَّ تربينَ منذ الصغر على نمط معين لا يُؤمِّنُ لهن إلا حق المأكل والمشرب فقط، واعتبار المرأة تابعة لا يحق لها اتخاذ أي قرار.
عبدالباقي شمسان دكتور علم اجتماع، يرى أن التربية الأسرية التي تتخذها أي أسرة متطرفة في تربية أبنائها هي انعكاس لثقافة مغلقة تريد فرض سلوكها على المجتمع بأفكار ملغَّمة مصادرة كل الحقوق؛ كي تبقى هي السائدة والمسيطرة. وتتجلى مسألة حرمان المرأة عند هذه الجماعة من حقها في التعليم والحياة من كونهم يرون المرأة كائن لا أهمية لها، وإن تعلمت وكانت مثقفة وتعرف حقوقها فذلك يشكل تهديدًا على الأفكار المتطرفة، لذا تلجأ الجماعة بالسيطرة على المرأة وتغيبها كليًّا عن الحياة، وجعلها أداة للإنجاب والطاعة، وتأتي هذه المشكلة في محاولة إدماج هذه الجماعة وسط المجتمع الذي يعيشون فيه، خاصة أنهم يرون أيَّ مخالفٍ لهم ولأفكارهم عدوًّا، فتصبح عندئذ مشكلة مستقبلية بالغة الأهمية.
محاولة الاندماج في المجتمع والتغلب على التطرف المذهبي والفكري يكون تحديًّا آخر يواجه دكاترة واختصاصيي علم النفس، كما ذكرت نجلاء العفيف اختصاصية بعلم النفس: "تصلنا حالات عانت كثيرًا جرَّاء التطرف الفكري والمذهبي، أصابها الاكتئاب المزمن، وحالات الهوس، والصدمة النفسية، ومحاولة الانتحار، على الرغم من أن الحالات التي تصلنا قليلة جدًّا كون أغلب الناس لا يؤمنون بدور الطب النفسي في معالجة اضطرابات النفس التي تصيب الأشخاص الذين تعرضوا لضغط نفسي، وعنف جسدي ومعنوي، وحرمان من الاختلاط بالآخرين". وتضيف نجلاء: "تدخل المرأة في حالات نفسية قد تؤدي بها إلى الانتحار أو الجنون إذا ما ظلت تعاني وسط جدران مغلقة دون أن تتعرض لأي جلسات علاجية ومساعدة تجعلها تتعافى".
سلطة الأسرة
لا يوجد ما يستطيع فعله المجتمع في ظل سلطة الأسرة التي تحكم نساءها سوى محاولة التوعية. هكذا لخصت بدرية علي اختصاصية اجتماعية بمدرسة للبنات؛ تقول بدرية: "على طول مدة عملي العشرين عامًا بالمدرسة، وجدت فتيات عدة يتعرضنَ للتعنيف الجسدي والمعنوي، ولكن كُنَّ يواجهن مصيرهن بصمت. وحتى نحن؛ دورنا كان يقتصر فقط على التوعية، فلا سلطة لنا على أحد، لذلك كانت الأسرة تمارس الحرمان لبناتها من التعليم دون أي رادع، ففي النهاية تعد تربية الأبناء حرية شخصية لكل أسرة وفق معتقداتها وأفكارها".
هل أصبحت الحرية الشخصية تضييقًا للخناق ومجالًا لتنمية الفكر المغلوط والاعتقاد الخاطئ لفهم النصوص القرآنية لكيفية التعامل مع المرأة، وما حقوقها؟ وجعل مَنْ يعارض أو يحاول التوعية هو إشهار لسيف العداوة مع التطرف، فلا قبول لأي رأي معارض؛ تتساءل عليا محمد ناشطة حقوقية وداعمة لقضايا المرأة. وتضيف: "المرأة هي أساس بنية المجتمع وعند تعرضها للتعنيف والاضطهاد ينعكس ذلك سلبًا على المجتمع، ويصبح مفخَّخًا بأفكار مسمومة لا تقبل ولا تؤمن بأي رأي معارض.
فهل على الدولة أن تضع قوانين تجرِّمُ التطرف الفكري والاضطهاد الأسري للمرأة؟ أو أن عليها احترام أفكار ومعتقدات الآخرين وإن تمددت لتشمل المجتمع بأكمله؟
خيوط