في اليمن.. عرائس مكرهات يقتلهن الصمت!
لم تكن هدى قد أطفأت بعد شمعتها التاسعة عشر، حين أجبرت على هجر أحلامها بأن تصبح طبيبة، والانتقال مُكر...
تزوجت جواهر أحمد (25 سنة)، وهي في ربيعها السادس عشر أنجبت طفلتها الوحيدة، قبل أن تنفصل عن زوجها بعد أربع سنوات من الزواج.
خلعت (جواهر) زوجها بعد أن اكتشفت خيانته لها، تقول لـ"خيوط": "عدت لبيت أهلي، لكنه كان أشد علي من تقبل خيانة زوجي، إذ قابلت فيه كل أنواع العنف من ضرب وإهانة وحبس؛ نعم حبس، فقد منعت من الدخول والخروج من المنزل، حتى موبايلي أخذوه؛ منعت كذلك من رؤية ابنتي، وبعد أن مرضت مرضًا شديدًا، سمح لي بحضانتها".
ولكن لم تستمر مدة الحضانة هذه سوى عدة أسابيع، إذ اضطرت (جواهر) لإعادة الطفلة إلى طليقها، "قمت بإعادة ابنتي إلى أبيها بنفسي، بعد أن كان أخي يقوم بضربي أمامها، وحبسي معها في غرفتي لوقت طويل حتى تأثرت حالتها النفسية، فقررت أن أتركها تعيش مع أبيها، ربما تعيش أوضاعًا أفضل مما أعيشها".
تنهي جواهر حديثها بالقول: "مرت خمس سنوات لم أرَ ابنتي، لكني أدعو الله أن يجمعني بها في أقرب وقت".
نظرة سلبية
في هذا الصدد، تقول الأستاذ المساعد بكلية الإعلام جامعة صنعاء، بلقيس علوان، لـ"خيوط": "ما نطلق عليه عنفًا موجهًا ضد المرأة المطلقة، لا يعتبره المجتمع عنفًا، بل غالبًا ما يعتبره حماية".
وتضيف علوان: "لو اقتربنا أكثر، وسمينا الأشياء بمسمياتها، سنجد كلمة عنف هي الأنسب، وأول مظاهر هذا العنف نظرة المجتمع السلبية للمطلقة التي يرى أنها خربت بيتها، ولم تحافظ على حياتها الزوجية، بل قد يذهب البعض إلى تحميلها تبعات فشل العلاقة الزوجية"، مؤكدةً: "بعد الطلاق غالبًا لا يتقبل أهل المرأة وجود أبنائها معها، بل العديد من الأسر يصرخون بوجه ابنتهم المطلقة "ارمي له عياله"، ويسمونهم عيال الناس، وغالبًا ما ينتزع أطفالها منها".
لكي تواجهي العنف لا بد أن تكوني قوية، والقوة تأتي من التمكين، من الاستقلال الاقتصادي، من بناء القدرات والتأهيل، عندها سيحدث الفرق، فليس الوعي كافيًا لكسر دائرة العنف، نحتاج الوعي مع القدرة والقوة، لأنها ستمكن المعنفة من التصرف السليم الواعي.
تعتقد النساء المطلقات أنهن ودعن أسوأ الظروف والأيام بعد الانفصال، إلا أنهن يتفاجأن بمواجهة ما هو أسوأ.
"تلاحق المطلقة نظرةُ ريبة وشك من المجتمع المحيط، كأن ما يحميها من الخطأ هو أن تظل متزوجة"، قالت علوان، مؤكدة: "المجتمع والأسرة معًا لا يتقبلون فكرة أن تستقل المطلقة في بيت أو تسكن مع أولادها بمفردهم حتى وإن كانت مقتدرة ماديًّا ومستقلة اقتصاديًّا".
وتستطرد علوان: "كثيرًا ما تفرض الأسرة والمجتمع على المطلقة قائمة طويلة من الممنوعات متعلقة بالدخول والخروج من البيت، والعمل والعلاقات الاجتماعية، والتعامل مع الآخرين، وللأسف يتم إدراج هذه التعسفات تحت خانة العادات والتقاليد".
فخ التسلط
حنان محمد (38 سنة)، تزوجت بعد إكمالها الثانوية العامة مباشرة، وأنجبت طفلتين، خلال سنين زواجها السبع، ثم انفصلت عن زوجها نتيجة خلاف بينه وأخيها، لأسباب لا علاقة لها بها.
تصف حنان قصة انفصالها عن زوجها قائلة: "كانت علاقتنا جيدة، وأمورنا تمشي على أحسن حال، وعندما وضعت ابنتي الثانية حصل خلاف بيننا وذهبت "حانقة" إلى بيت أهلي، وهي أول مرة ألجأ فيها لبيت أهلي بسبب خلاف".
تقول حنان، في حديث لـ"خيوط": "جاء زوجي إلى بيت أهلي ليردني إلى بيته كما هو معتاد عند الجميع، فقام أخي بإهانته بالكلام أمام أحد أبناء قريتنا، فقام طليقي بالزواج من أخرى من أجل رد اعتباره أمام صاحب البلاد، حسب تفكيره، وهجرني لمدة سنة كاملة في بيت أهلي".
وأردفت بصوت ملؤه الحزن: "عندما أتى لإعادتي بعد عام، رفضت العودة وتطلقت. بعد الطلاق رفض أخي ذاته أن أحتضن بناتي، كما أنه منعني من إكمال تعليمي الجامعي، ومن وقتها وأنا ألوم نفسي بأني طلبت الطلاق، وأدعو على أخي؛ فلا هو رحمني وتركني أربّي بناتي، ولا سمح لي بأن أشق مستقبلي وأواصل تعليمي".
طفلة مطلقة
مأساة أمل صالح أكبر من سابقاتها، فقد عقد قرانها وهي طفلة تلعب في الشارع، ثم تزوجت بعدها بثلاث سنوات، واستمر زواجها لشهر فقط، حيث عاد زوجها إلى غربته، وبقيت وحيدة مع أهله.
قالت أمل لـ"خيوط": "حصلت مشكلة بيني وبين أهل زوجي أثناء غربته، فطلقني مباشرة بوكالة عمه، ورجعت بيت أهلي طفلة مطلقة".
تواجه أمل أسرتها ومجتمعها عاجزة، تقول: "لم أعرف ما معنى طفولة، ما معنى زواج، كل ما أعرفه أني مطلقة يمارس ضدي كل أنواع التنمر من الأهل والمجتمع".
وأضافت: "من رآني قال هذه مطلقة، وإن تكلمت قالوا هذه مطلقة، وإن خرجت قالوا مطلقة، وحين قررت العودة إلى المدرسة وجدت سخرية من جميع الطالبات لأني مطلقة".
لا تنتهي مآسي أمل هنا، بل تتوالى الواحدة تلو الأخرى، إذ تقول: "ماتت أمي بعد أبي الذي سبقها بسنوات ولم يبقَ لي إلا أخي الذي يتأفف مني ومن تحمل مسؤوليتي باستمرار، متعذرًا بقلة دخله".
وتختم أمل حديثها قائلةً: "بعد فترة تقدم لي رجل كبير السن، وافق عليه أخي دون علمي، تركت المدرسة من جديد مجبرة، وتركت معها حلمي بالحياة، والآن يجهزوني لزواج لم أقبل به".
"ينظر المجتمع للمرأة عمومًا، وللمطلقة خصوصًا، باعتبارها شخصًا غير راشد، لا يؤتمن على نفسه حتى، وبناءً على هذه النظرة يمكن أن نتصور حجم القيود والمحاذير المفروضة عليها، إذ يبقى الخيار الوحيد المتاح أمامها هو الامتثال والسمع والطاعة"، تعلق الدكتورة علوان.
وتشدد علوان على أهمية دور الأسرة في تنشئة الفتاة منذ البداية على القوة والثقة والاستقلالية في الرأي والتفكير، وهو ما لا يحدث، إلا نادرًا".
مصادر القوة
وتلفت الدكتورة بلقيس علوان الانتباه إلى نقطة مهمة في حياة المطلقة، قائلةً: "طالما المرأة غير مستقلة اقتصاديًّا، لن تكون قوية، الاستقلال الاقتصادي يمنح المرأة -أيًّا كانت حالتها الاجتماعية- قوة تمكنها من تلبية متطلباتها وتسيير أمور حياتها، فلا تظل رهينة من يصرف عليها ويتحكم في كل تفاصيل حياتها".
ليست دعوة للتمرد، تقول علوان، مضيفةً أن "الوضع الطبيعي والمفترض أن الأسرة هي الحضن الدافئ لكل أفرادها، تحميهم وتؤمن لهم ما يحتاجون إلى أن يصبح كل فرد فيها قادرًا على تولي شؤونها".
"الملاحظ أن كثيرًا من الناشطين والناشطات ومنظمات المجتمع المدني يعملون على التوعية بخطورة وتأثير العنف ضد النساء، لكن من وجهة نظري أنه على القدر نفسه من الأهمية التفكير بماذا بعد الوعي، ماذا لو وعت المعنفات العنف الذي كثيرات منهن لم يكنّ يعتبرنه عنفًا بل أمرًا اعتياديًّا؟!"، تتساءل علوان.
وتنهي الدكتورة حديثها بتوجيه الخطاب للمطلقات قائلةً: "لكي تواجهي العنف لا بد أن تكوني قوية، والقوة تأتي من التمكين، من الاستقلال الاقتصادي، من بناء القدرات والتأهيل، عندها سيحدث الفرق، فليس الوعي كافيًا لكسر دائرة العنف، نحتاج الوعي مع القدرة والقوة، لأنها ستمكن المعنفة من التصرف السليم الواعي".
خيوط