​​​​​​

كلينتون : مايحدث في دول الربيع العربي " استبداد الغوغاء "

خليج عدن/ المجلة / عبد الله الرشيد

وصفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ما يجري في دول “الربيع العربي” عقب حادثة مقتل السفير الأميركي في ليبيا بأنه “استبداد الغوغاء”، هذا الوصف على الرغم من اختلاف المنطلقات الأميركية عن العربية في إطلاقه على الوضع، إلا أنه يوصف بدقة الواقع القائم في دول “الربيع العربي”.

يمكن القول إن الاحتجاجات الدينية ليست هي الأولى من نوعها، فقد سبقتها حوادث كثيرة من أشهرها المظاهرات الغاضبة من الرسوم الدنماركية المسيئة، وكانت أكثر انتشاراً على مستوى العالم العربي والعالم كله، ومع ذلك لم تخلق هذه الاحتجاجات أزمات داخلية لبلدانها مثل مافعلت الاحتجاجات الأخيرة ضد الفيلم المسيء في دول الربيع تحديداً، حيث اشعلت جماهير الغوغاء النيران في نفسها وفي شعوبها، وفي حكوماتها المنتخبة الجديدة.

يبدو أن ثقافة الاحتجاج والغضب قد تحولت إلى غاية بحد ذاتها، حيث تحول “ميدان التحرير” إلى مكان مقدس يجب إشعاله وإحياؤه وإقامة الطقوس فيه باستمرار، حتى لاينضب معينه ووهجه، وأصبحت فكرة قيام دولة جديدة تحفظ الأمن وتمسك بزمام القانون، هي أكبر خطر يهدد طقوس ميادين التحرير، وجماهير العاطفة التي تبحث عن كل شرارة تحدث من حولها لتخرج وتحتج وتصرخ وتشجب وربما تقتل، حتى تشفي نهمها.

وهنا المفارقة المثيرة، هذه الجماهير التي خرجت وثارت من أجل سقوط استبداد الحكومات السابقة، وقاتلت من أجل سقوط الحزب الشمولي، حتى تختار وتصوت لحكامها بنزاهة وشفافية، نسيت ذلك كله، وخرجت مجدداً كي تحرق الأرض على حكوماتها وكأنها تريد أن تدمر نفسها بنفسها، وتفتك بيدها ما حققته من انجازات، في مشهد يكشف بوضوح غوغائية هذه الجماهير، وتحولها لمستبد جديد، الفارق أن القديم كان شخصاً أو مجموعة صغيرة.

الشحن المستمر في فكرة الثورة، وجزل المدائح المقدسة لها، ويخرج كل رئيس شرعي فائز بالانتخابات ليقول لميدان التحرير “أنتم الشرعية والشرعية أنتم” ونسي أن شرعيته كرئيس اكتسبها من صندوق الاقتراع والأرقام الانتخابية وليس للمئات والآلاف التي تصرخ في ميدان التحرير، هذه الخدعة المستمرة أعطت لهذه المجموعة ذات الصوت الأعلى زخماً وضجيجاً وقوة مع أنها لا تمثل كل الشعب، ولا كل الثوار أيضاً، فأصبحت تحافظ على وجودها بصخبها وثورانها الهائج المستمر عبر ملاحقة كل الأحداث الصغيرة من حولها، حتى تثبت للجميع أنها الأقوى والفئة التي بيدها مقاليد الأمور.

نحن الآن نشاهد سقوطاً أخلاقياً لـ”ميدان التحرير”، بعد أن أصبح ميداناً للفوضى ومرتعاً لجماعات متطرفة لاتؤمن أساساً بالأدوات التي تستخدمها، ولا بالقيم التي تتحرك في فلكها، فهي لا تؤمن بالحرية، ولا بالديمقراطية ولا المجتمع المدني، ولا بحق التعدد والتنوع والاختلاف داخل المجتمع الواحد. ونتيجة لذلك تحولت على يدها تراتيل الحرية والثورة والكرامة في هذا الميدان إلى دماء بريئة تسيل.

أدق تصوير لـحالة ميادين التحرير العربية الآن هو ما يقوله عالم الاجتماع إيريك هوفر، الذي أكد أن خطر المتطرفين على تطور الحركة الجماهيرية، هو في عجزهم عن الهدوء عندما يتم النصر ويبدأ النظام الجديد في التبلور.

حينها يصبح المتطرفون عامل توتر وإرباك على الساحة الجديدة، يسعون إلى تحطيم الحركة بدفعها نحو أهداف يستحيل تحقيقها، فـ”المتطرف يدفعه جوعه إلى إثارة العواطف العنيفة للبحث عن أسرار جديدة لابد أن تكشف، وأبواب سرية جديدة لابد أن تفتح.. ومن هنا تجد معظم الحركات الجماهيرية نفسها غداة انتصارها في قبضة الشقاق والخلاف، تتحول الحماسة إلى صراع دموي حتى الموت مع أعداء خارجيين، وتصبح الكراهية عادة متأصلة. وبمجرد أن يغيب الأعداء الخارجيون يبدأ المتطرفون في معاداة بعضهم البعض