​​​​​​

الامم المتحدة ومنظمات اغاثية: شبح الجوع يهدد اليمن بكارثة

خليج عدن/ بي بي سي

  وجهت الامم المتحدة وعدد من المنظمات الاغاثية نداء لدول العالم للتبرع من اجل اغاثة اليمن الذي يواجه ازمة غذائية خطيرة. وتقول هذه المنظمات إن ارتفاع الاسعار والازمة السياسية جعلت من المتعذر على 10 ملايين من اليمنيين شراء ما يحتاجونه من طعام. مراسلة بي بي سي ناتاليا انتيلافا كتبت هذا التحقيق من ميناء الحديدة اليمني.

توفي طلال حوالي الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم. وتقول والدته سميرة إنه من بلغ النحول حدا جعل جلده يبدو شفافا تقريبا.

ولم تجد اسرة طلال ما يكفي من النقود لدفنه في المقبرة، ولذا دفنوه على قارعة الطريق.

تقول سميرة باكية "احببته كثيرا، فقد كان صبيا ذكيا."

ولم يكن بوسع سميرة فعل شيء لانقاذ ولدها، فالاسرة تقتات على الخبز والماء فقط، ولم تتمكن سميرة من جمع المبلغ الكافي لادخال طلال المستشفى الا بعد فوات الوقت.

كان وزن طلال، البالغ من العمر اربع سنوات، عند وفاته 4 كيلوغرامات فقط، اي اكثر قليلا من وزن الوليد في العالم الغربي.

مناشدة

ليس ثمة احصاءات تشير الى عدد الاطفال الذين يقضون جراء سوء التغذية في اليمن، ولكن في محافظة الحديدة تحديدا يعاني 3 من كل 5 اطفال من سوء التغذية المزمن، وهي نسبة تمثل ضعف النسبة التي تعتبر بعرف الامم المتحدة حالة طوارئ.

وتقدر المنظمة الدولية ان 267 الف طفل يمني يعانون من سوء التغذية الخطير، بينما يأوي عشرة ملايين يمني الى الفراش ليليا وهم جوعى.

وتشعر سميرة بقلق شديد على ابنتها ذات الشهور العشرة، والتي بلغ منها الضعف الى درجة قد يودي السعال الذي تعاني منه بحياتها.

سألت سميرة إن كانت تعلم بأي اسر اخرى قد فقدت ابناءها جراء الجوع، فردت جارتها فاطمة انها فقدت اثنين من اطفالها الاربعة.

ولكن واحدا من طفلي فاطمة لا يقوى على الجلوس ناهيك عن المشي، اما الطفلة التي كانت تحملها فكان وجهها مجعدا بحيث تشبه امرأة عجوز.

ومن الاسباب التي ادت الى هذه الكارثة الانسانية الخطيرة ارتفاع اسعار المواد الغذائية عالميا والشح الشديد في المياه والازمة السياسية التي اضعفت الحكومة المركزية.

ولكن مهما كانت الاسباب، فإنه من الواضح ان الحكومة اليمنية لا تستطيع مواجهة الازمة بمفردها. الا ان المجتمع الدولي لم يبد لحد الآن تعاونا كافيا، حيث لم يف المتبرعون بما تعهدوا به.

ويقول احد موظفي الاغاثة الدوليين طلب عدم ذكر اسمه "كأنهم يعتقدون ان لديهم متسع من الوقت، ولكن الحقيقة ان الناس هنا يموتون."

ويعاني اليمن من شح في كل الامدادات الغذائية. ففي مركز لمكافحة سوء التغذية اسسته اليونيسيف في قرية بيت الفاخي القريبة من الحديدة، تتجمع النسوة مع اطفالهن بينما يقوم طبيب واحد بوزن الاطفال قبل ان يعطي امهاتهم انبوبة من مادة (بلامبينات) وهي عبارة عن معجون خاص لمعالجة سوء التغذية الحاد. المشكلة ان العيادة ليس فيها ما يكفي من هذه الانابيب.

وعندما صرخت احدى الامهات "سيموت طفلي اذا لم يحصل على بعض من هذا المعجون"، رد الطبيب وهو يهز رأسه "لدي الكثيرات مثلك."

وفي مستشفى الحديدة المركزي الذي لا يبعد عن المركز الصحي بأكثر من ساعتين يواجه الاطباء نفس الصعوبات التي يواجهها زميلهم في بيت الفاخي.

وقد اخبرني احدهم ان عيادة سوء التغذية التابعة للمستشفى تستلم حوالي 30 مريضا جديدا يوميا، ولكنها (العيادة) لا تتوفر على ما يكفي من الطعام والدواء لمعظم هؤلاء.

ويقول الطبيب ان حتى الاطفال الذين ينجون ستتأثر حياتهم بسوء التغذية الذي اصيبوا به.

ويضيف "هذا النوع من سوء التغذية يتسبب في الكثير من الاضرار الجسمية والنفسية، وسيدفع اليمن الثمن لسنوات طويلة مقبلة."

المشكلة الاخرى ان نسبة صغيرة من الاطفال ممن يقوى ذووهم على تحمل نفقات النقل يصلون الى المستشفيات ومراكز التغذية اصلا.

فعلى مسافة ليست بالقصية من الحديدة تقع قرية الجربشية حيث اقامت منظمة اوكسفام الاغاثية الخيرية مركزا لتوزيع المعونات على المستحقين.

واختارت اوكسفام ان توزع النقود لسبب بسيط: فرغم توفر الاغذية في الاسواق المحلية، لا يقوى القرويون على ابتياعها نظرا لضيق الحال.

تقول كارولين جلوك، مسؤولة الاعلام في اوكسفام "توزيع النقود يسمح للناس بانفاقها كيفما يريدون، على الاغذية او الدواء. فالكثير منهم مدينون للتجار المحليين، ويستخدمون هذه النقود للوفاء بديونهم مما يسمح لهم بالاستدانة من جديد."

ولكن شح الاموال لايسمح لاوكسفام الا بمساعدة 100 الف يمني، اي 10 في المئة ممن تريد المؤسسة مساعدتهم ونسبة تقل بكثير عن مجموع المحتاجين في اليمن.

فنادية على سبيل المثل ليست مدرجة على قوائم المحتاجين الذين يستحقون المساعدة. يقول والد نادية إنها بحاجة الى علاج فوري، ولكنه يفتقر الى المبلغ الضروري لعلاجها في المستشفى، ولذا قصد اوكسفام طلبا للمساعدة. الا ان المؤسسة لا تستطيع مساعدته.

تقول كارولين جلوك "إنه امر محزن حقا، ويجعلني في غاية التعاسة، ولكننا لا نستطيع ان نساعد الا اولئك المدرجة اسماؤهم في قوائمنا. ربما في المستقبل عندما يفي المانحون بوعودهم..."

المشكلة هي ان نادية، مثلها مثل العديد من الاطفال في اليمن، قد لا يكون لها مستقبل اصلا.