المعهد العالي للعلوم الصحية لحج دون موازنة تشغيلية
لحج/ حمدي محمد في زيارة خاصة إلى المعهد العالي للعلوم الصحية بمحافظة لحج للاطلاع عن كثب على العملية...
عدم الاعتراف بالأزمة المستفحلة في الجنوب سيقود لا محالة إلى كارثة محققة. فالمراهنة على الوقت والمناورات لن يقود إلى شيء، باستثناء أن الأزمة ستحصد المزيد من الأسباب لتفاقمهما على نحو يصعب احتواؤه.
لقد قضت النخبة السياسية الكثير من الوقت في التقليل من شأن التطورات التي تشهدها المحافظات الجنوبية. والآن ستكون المكابرة كمن يمضي إلى حتفه بيقين وهو مغمض العينين.
مع مرور الوقت ستصبح المشكلة أكثر تعقيدا، وستقل بصورة أكبر فرص التعامل معها كمشكلة يمنية، وقد بدأت نذر ذلك تلوح، في الطريق إلى جحيم لن يوفر أحدا.
اختبار (مقلق) لتحالفات السلطة
نهاية أبريل 2009 كان المشهد ملتهباً كما هو الآن، فبعض المواجهات بين المواطنين ونشطاء في الحراك مع الجيش، بدأت تأخذ طابعاً مسلحاً.
حينها أطلق الرئيس صالح تحذيره الشهير من أن حدوث الانفصال سيقود إلى "حرب من طاقة إلى طاقة". كان يفعل ذلك في حضرة المئات من الشخصيات والقيادت الجنوبية في الدولة، بعضهم جيء بهم من محافظاتهم إلى صنعاء.
كان الرئيس كما بدا حريصاً على إيصال تحذيراته للقاعة بصورة رئيسية.
اعترف الرجل بحدوث أخطاء في الجنوب، وأن "هناك تداعيات سلبية لا أحد ينكرها قد تعيدنا إلى المربع رقم واحد".
لكن ما كان لافتاً هو أن الرئيس حمّل جميع القيادات الجنوبية في الدولة المسؤولية عما يحدث في المحافظات الجنوبية من مشاكل، وطالبهم بحلها. ربما كان الرئيس وقتها يريد اختبار تحالفاته في الجنوب، ووضعها أمام محكات عملية مع تزايد المطالب المنادية بالانفصال.
لاشك أن ساحة السلطة في الجنوب مليئة بالحلفاء، والكثير منهم موجودون في مواقع رفيعة. وبالإضافة إلى سياسيين سابقين، يمتلك النظام تحالفات اجتماعية واسعة ركزت على استرضاء الوجاهات والمشائخ.
لكن هذه التحالفات بدت عديمة الجدوى، وغالباً كانت غير فعالة في تهدئة الساحة الجنوبية المضطربة بشكل أزعج الرئيس تماماً كما تقول مصادر سياسية.
غير افتقاد الفعالية، هناك ما هو أكثر تهديداً بالنسبة للسلطة: تآكل تحالفاتها في الجنوب، خصوصاً في أوساط المشائخ سندها الرئيس.
ارتبط صالح بن فريد بن محسن شيخ مشائخ العوالق في شبوة، بعلاقة تحالفية مع السلطة عقب حرب 94. قبلها كان مستقراً في دولة الإمارات، في ما يشبه حالة نفي كعديد من أسر المشيخات والسلطنات التي كانت قائمة في الجنوب، وانتهت بعد الاستقلال.
لقد عاد الشيخ إلى منطقته في شبوة، مستعيداً تاريخاً من النفوذ والتأثير بعد هزيمة الحزب الاشتراكي في حرب 94.
عام 97 نزل في الانتخابات النيابية كمرشح مستقل،وفاز، وفي 2003 عاد للترشح مجدداً لكن باسم المؤتمر الشعبي العام، وحافظ على مقعده.
يشير مسار العلاقة بين الرجل والسلطة، إلى أنها كانت تأخذ شكلاً متصاعداً. والآن أصبح الرجل أقرب إلى الحراك الجنوبي منه إلى السلطة، بحسب مصادر عليمة.
حاولت "النداء" التحدث إليه مراراً، وكان هاتفه مغلقاً. ورجحت المصادر أن يكون موجوداً خارج البلاد؛ في دولة الإمارات.
حتى الآن ما يزال الرجل عضواً في مجلس النواب، لكنه يلازم حالة من الاعتكاف الاحتجاجي منذ مدة، في منزله بعدن، ومنها ينتقل أحياناً إلى دبي.
بحسب المعلومات، فقد أصبح للرجل مواقف رافضة للطريقة التي تتعاطى بها السلطة مع الاحتجاجات في الجنوب.
يواجه الرجل متاعب شخصية، ويتهم السلطة بالوقوف وراء حرمانه من جنسية دولة الإمارات التي حصل عليها عندما كان مقيماً في أبوظبي.
وإلى بن فريد، هناك شخصية أخرى تلعب دوراً متنامياً في يافع، إنه الشيخ عبدالرب النقيب شيخ مشائخ يافع بمحافظة لحج.
تقول المعلومات التي توفرت عن الرجل إنه كان مقيماً في المملكة العربية السعودية حتى نهاية حرب 94، وعاد لاحقاً، وكان أقرب إلى مزاج السلطة.
لقد تعرضت خارطة تحالفات السلطة في الجنوب طوال المدة اللاحقة للحرب، لهزات عنيفة أدت إلى تململات جنوبية، سيما في صفوف الجماعات التي ورثت ما يمكن تسميته بشراكة الحزب الاشتراكي وتمثيل الجنوب.
وبينما كانت قيادات وشخصيات جنوبية تعود من الخارج وفق تسويات مع السلطة، كان هناك من يغادرون أيضاً. وإلى اللجوء الشهير للسفير أحمد الحسني، سُجلت حالتا لجوء لسفيرين آخرين من أبناء المحافظات الجنوبية. كانت هذه بعض شواهد فحسب لحالات تململ جنوبية استمرت في التصاعد حتى في صفوف المنخرطين في مواقع قيادية في الدولة.
تهتم هذه المادة لقراءة بعض التحولات في مشهد التحالفات الناجمة عن الحراك أو المتساوقة معه.
لم يمضِ وقت طويل منذ أن أعلن الشيخ عبدالرب النقيب انضمامه للحراك. إنها فترة لا تزيد عن 9 أشهر، لعلها جاءت في خضم تحولات كثيرة لمشائخ أعقبت تحول الشيخ طارق الفضلي عن تحالفه القوي مع السلطة.
أصبح الشيخ النقيب يعبر عن مواقف علنية مساندة للحراك السلمي، ويشددعلى حق "استعادة دولة الجنوب".
حاولت "النداء" الاتصال به مراراً، ويبدو أنه يعيش ظروفاً غير طبيعية، فهو على الدوام يغير أرقام هواتفه، ولايكاد يعثر له على عنوان حتى يصبح خارج الخدمة.
لكن أبرز تحول مثّل صدمة حقيقية (كما بدا) وهيمن على الخطاب الإعلامي للسلطة، هو إعلان الشيخ طارق الفضلي تغيير مساه نحو الحراك الجنوبي. لقد أدى ذلك التحول إلى تداعيات ظهرت بصورة جلية على أكثر القبائل بأساً في أبين.
بحسب مصدر محلي، فإن مجاميع كبيرة من المراقشة وجزءاً كبيراً من قبائل آل فضل تقف إلى جوار الفضلي، بينما لا تزال مجاميع أخرى تقف إلى الصف المساند للسلطة.
ذلك ما يبدو ظاهراً كعملية فرز متنامية هناك. فضلاً عن ذلك هناك تعاطف مع الحراك حتى في صفوف مسؤولين محليين وسياسيين ووجاهات اجتماعية أخرى تربطها علاقة بالسلطة وفقا لمصادرموثوقة.
بعيداً عن الميدان كانت التصدعات تطال حتى بعض مستشاري الرئيس.
نهاية يناير الماضي، خرج السياسي المعروف سالم صالح محمد بلهجة غير معتادة منذ أن عادل إلى البلاد من المنفى عام 2000. لقد غادر مربع التسوية التي رجع بموجبها ليعين مستشاراً للرئيس، وأصبح أكثر تعاطفاً مع الحراك الجنوبي.
فقد اتهم السلطات باستخدام القوة المفرطة "تجاه المظاهرات التي يشارك فيها الناس العزل من السلاح، مطالبين بحقوقهم الثابتة التي كفلها لهم الدستور واتفاقيات الوحدة". وذكّر بالتحالف المشبوه مع العناصر الإرهابية في حرب 94، في معرض نفي للعلاقة بين تنظيم القاعدة والحراك.
وكان سالم صالح يتحدث لـ"الشرق الأوسط" من دبي، ويعتقد أنه مازال موجوداً فيها حتى الآن.
وصف موقعه كمستشار لرئيس الجمهورية بالفخري، وطالب بالتعامل مع الحراك الجنوبي والحوار مع قياداته، وضرورة "مراعاة حقوق الجنوب كشريك في الوحدة التي أضرت بها حرب 94 بنتائجها المدمرة".
لقد أخفقت السياسات الرسمية في احتواء الساحة الجنوبية، فبينما كانت تنفق مئات المليارات للتأثير على مواقف الوجاهات الاجتماعية والشخصيات الجنوبية ذات النفوذ، كان الحراك يواصل كسب المزيد من المتعاطفين حتى في أشد المناطق صعوبة.
يقول أحمد طلان، وهو عضو مجلس محلي سابق في مديرية عسيلان بشبوة: "تعاملت السلطة بطريقة الترغيب لمعالجة مشاكل الأشخاص، وليس علاج المشكلة نفسها".
بالإضافة إلى الترغيب، فقد استخدمت السلطة سياسة الترهيب، وهذه "وسيلة تلجأ لها السلطة إذا لم ينجح الترغيب" يقول طلان، مضيفاً: "لا الترغيب ولا الترهيب يتم استخدامه بصورة صحيحة وعقلانية".
لدى المسؤول المحلي السابق، وهو عضو في مجلس شورى حزب الإصلاح، موقف رافض للدعوة التي يطلقها الحراك لفك الارتباط، ويعتبرها غير مجدية. مع ذلك يضيف "من الناحية العملية الحراك يكسب الآن، لكن ببطء. لو اتجه لتبني قضايا خارج نطاق الانفصال، أعتقد أنه سيكسب كثيراً".
لا يبدي الرجل الخمسيني حماساً لما تعلنه الوجاهات الاجتماعية من مواقف مناهضة للسلطة، فهو أكثر ميلاً للقراءة التي تجعل المال لاعباً رئيسياً في هذا الجانب. "الناس بالغريزة يحبون المال، وبعضهم يلعبون على أكثر من حبل لأنهم يحبون المصالح".
لكنه يتوقع أن يكسب الحراك المزيد من الأنصار "إذا استمرت السلطة في تعنتها بعدم معالجة قضايا الجنوب".
على الدوام كانت خطابات كبار المسؤولين حيال التطورات في الجنوب لا تخلو من إشارات بوجود تصدعات حقيقية.
يحلو للرئيس غالباً في معظم خطاباته التي تتطرق للحراك، أن يصف الوضع على هذا النحو: "من فقد مصالحه قال أنا مع الحراك".
**********
يحاولون ترميم تصدعاتهم العميقة
خلافاً لما كان عليه الأمر في 94، سيواجه الرئيس علي عبدالله صالح، هذه المرة، جنوباً مختلفاً. إنه جنوب يحاول ترميم تصدعاته لمواجهة ما يعتقد أنه "استعلاء شمالي".
نهاية ديسمبر الفائت، جلس علي سالم البيض وعلي ناصر محمد جنبا إلى جنب، كآخر فرقاء أحداث يناير التي عصفت بالجنوب، قبل أن يمضي إلى الوحدة.
لقد تغير الأمر على نحو جذري، فالجنوب الذي توزع على ضفتي حرب 1994 بفعل آثار يناير، أصبح أكثر ميلا الآن لأن يصبح جنوبا واحدا.
عندما التقى البيض وناصر في بيروت، كان الرجلان يطويان ربع قرن من القطيعة التي عصفت بأجنحة متصارعة داخل الحزب الاشتراكي في 1986، توزعت بين "الزمرة والطغمة"، وقد أسسا، كما بدا، لواحد من أهم التحولات التي تشهدها القضية الجنوبية وحركة الاحتجاجات حاليا.
مع ذلك، فالعلاقة الطرية بين الرجلين لا تخلو من اختلاف "يقوم على التفهم"، فالبيض يتولى الآن قيادة مطالب "فك الارتباط واستعادة دولة الجنوب"، في حين ما يزال ناصر حتى اللحظة يفضل البقاء مع خيار "يمن موحد"، لكن الطريق إليه يبدأ من الاعتراف بالقضية الجنوبية في بعدها السياسي تحديدا.
بحسب تصريح عقب اللقاء للرئيس علي ناصر، لم يخلُ من رسائل سياسية، فإن الخطوة جاءت في إطار "نهج التصالح والتسامح بين أبناء الجنوب"، الذي بدأ من جمعية ردفان بلحج في يناير 2006، شارك فيه مئات المتقاعدين العسكريين من مختلف المحافظات الجنوبية.
لكن التقارب بين الرجلين لم يكن سوى تتويج لمساعي تشكيل ما يبدو أنها جبهة جنوبية موحدة في الخارج، على الأقل بين أبرز القيادات المنقسمة في حرب 86.
ورغم بعض التباينات بين أطراف الحراك في الداخل حيال عودة بعض القيادات الجنوبية في الخارج إلى مشهد الصراع المحتدم مع السلطة الآن، على ما تقول مصادر مقربة، أصبح الحراك يتوفر الآن على قيادات تمثل إلى حد كبير رمزية سياسية للجنوب في الخارج، ربما تلعب أدوارا جوهرية في مسار "القضية الجنوبية".
وإلى البيض وناصر هناك اثنان من أهم القيادات الجنوبية في الخارج، يبرزان في مشهد التحولات الجنوبية: حيدر العطاس، ومحمد علي أحمد. فضلا عن ذلك، هناك ما يشبه تبادل أدوار بين تلك القيادات لمواجهة استحقاقات "أزمة الجنوب المشتعل".
كانت التحولات في المواقف في البداية تأخذ شكل المبادرات الشخصية غير المنسقة، فقبل خروج البيض عن بياته السياسي الطويل، كان حيدر العطاس هو أول من أطلق مطلب "فك الارتباط"، وحتى يونيو 2009 كان الرئيس السابق علي ناصر محمد يحتفظ بموقف رافض لأي تدخلات خارجية، ويشدد على أن "الحل ينبغي أن يكون وطنيا بدرجة أساسية".
لكن الرجلين ربما انتهجا شكلاً من الحوار أفضى إلى تراجع أحد الطرفين خطوة مقابل أن يتقدم الآخر خطوة مشابهة، وخرج الاثنان لاحقا بمواقف منسقة شكلت بداية تحول في صفوف القيادات السياسية الجنوبية في الخارج. لعلها استكشافات للمحيط الإقليمي والدولي أدت إلى هذا التوافق.
بالنسبة للعطاس لم يعد "فك الارتباط" مطلبه الملح، أما ناصر فالتدخل الخارجي "لحل المشكلة في الجنوب" بات شرا لابد منه "بسبب فقدان الثقة بالسلطة في صنعاء".
وقد أصدر الرجلان بيانات مشتركة حيال مستجدات عديدة على الساحة الجنوبية، حملت السلطة المسؤولية عما يجري في الجنوب، وحذرت من انزلاق الأوضاع "إلى ما لا تحمد عقباه".
آخر بيان مشترك للرجلين كان في 26 مارس الفائت، وحمل توقيع الرئيس علي ناصر والرئيس حيدر العطاس. وجاء تزامنا مع انعقاد القمة العربية في سرت، واستمرار حملة أمنية وعسكرية شنتها السلطة على "عناصر التخريب والخارجين عن القانون" في محافظات: لحج، أبين، والضالع.
ناشد البيان الدول العربية، وتحديدا دول الجوار العربي لليمن، والمجتمع الدولي "ممثلا بمجلس الأمن، ومنظمات الأمم المتحدة الإنسانية والحقوقية، والاتحاد الأوروبي، العمل على وقف الحملة العسكرية والحصار الاقتصادي وقطع شبكة الاتصالات على المحافظات الجنوبية".
لكن أبرز ما حمله البيان كان مطالبة ذات الجهات "بالضغط على السلطة للاعتراف بالقضية الجنوبية، كقضية سياسية، لإبداء حسن النية والرغبة في إيجاد المعالجة العادلة لها، والضغط عليها أيضا لدفعها للحوار الجاد غير المشروط تحت رعاية عربية ودولية، في مقر الجامعة العربية والأمم المتحدة، وذلك لإيجاد المعالجات الجذرية للقضية الجنوبية، وبقية القضايا السياسية الأخرى".
على الجهة الأخرى كان هناك مواقف أخرى منسقة بين علي سالم البيض، والقيادي البارز محمد علي أحمد. والاثنان، يشددان على أن "فك الارتباط" هو "مشروع الشعب الجنوبي واستعادة دولة الجنوب المستقلة".
واجه علي ناصر محمد، حملة رسمية، منذ بداية انطلاق حركة الاحتجاجات، ولوحت السلطة مرارا بفتح ملف أحداث 13 يناير، فالرجل كان متهما بأنه العقل المدبر لما يحدث في الجنوب، ضاعف من الشكوك، رفع صوره في معظم فعاليات الحراك في طورها الأول.
وقد تغير الأمر لاحقا مع ظهور ما يعتبره الجنوبيون "الرئيس الشرعي لدولة الجنوب"، فقد كان صاحب قرار الوحدة الاندماجية مع الشمال، والموقع على اتفاقية الوحدة. وعاد "البيض" مجددا ليكون الرجل الأول، على الأقل صورا في أنشطة الحراك الاحتجاجية.
لقد اعتبر الرجل في أول ظهور له أن "النضال السلمي" لن يكون سقفا للاحتجاجات الجنوبية، وتوعد أحيانا بالرد على ما قال "إنها جرائم قتل ضد المواطنين الجنوبيين".
على الدوام ظهر خطاب البيض متوافقا مع ما يعتقد أنه الرجل الجنوبي القوي ذو النزعة العسكرية؛ محمد علي أحمد، وقد أثار الاثنان انزعاج صنعاء التي طالبت مؤخرا بتسليمهما. إنها نفس الوسيلة التي لوحت بها صنعاء مراراً في وجه حيدر العطاس لكبح تحركاته الخارجية النشطة، لكنها كانت عديمة الجدوى.
في 18 ديسمبر الفائت، طالبت اللجنة الأمنية العليا، الدول التي يقيم فيها الرجلان، بتسليمهما لليمن كـ"مطلوبين للعدالة"، ووجهت لهما اتهامات بـ"التحالف مع القاعدة والدفاع عنها وتمويلها لارتكاب أعمال إرهابية"، واعتبرتهما "لا يقلان خطرا عن عناصر تنظيم القاعدة".
وجاء ذلك ردا على تصريحات للرجلين أدانت قصف الطيران "للمدنيين العزل" في منطقة المعجلة بأبين "والتي راح ضحيتها قرابة 60 شخصا معظمهم من النساء والأطفال"، وقالت السلطات إنها استهدفت معسكرا للقاعدة.
لعل ما أثار السلطة وقتها أن بيان البيض عاد مجددا لاتهام السلطة بتبني القاعدة، وقال إن ""تذرع النظام بوجود لتنظيم القاعدة في الجنوب عارٍ كليا عن الصحة، ويعرف القاصي والداني أن نظام صنعاء هو الذي احتضن هذا التنظيم الذي لا وجود له أو حضور في الجنوب".
وقد دفعت محاولات صنعاء المستمرة لربط الحراك الجنوبي وقياداته بتنظيم القاعدة، أبرز القيادات الجنوبية في الخارج إلى التضامن. فقد كان من أهم مطالب ناصر والعطاس للمجتمع الدولي، في بيانهما المشترك الأخير، "وضع حد للاستخدام السيئ لموضوع الإرهاب، من خلال إقحامه بالأبرياء وأصحاب القضايا الوطنية بغرض التضليل الخارجي وتصفية الخصوم السياسيين وارتكاب جرائم قتل بأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ".
بالنسبة لمحمد علي احمد فقد أصبح لاحقا واحدا من أكثر القيادات المتشددة في الخارج الرافضة لأي حلول لأزمة الجنوب، أقل من "فك الارتباط"، وهو أكثر ميلا للجوء لخيارات "أخرى" غير النضال السلمي.
تقول بعض المعلومات إن الرجل يخطط للعودة إلى الجنوب قريبا، وبدأ بإرسال أفراد عائلته قبل أكثر من شهرين، على رأسهم نجله الأكبر. ذلك يعني بالنسبة للجنوبيين أن مرحلة "الكفاح المسلح" قد اقتربت وفقا لبعض التفسيرات.
وإلى أبين، يحظى الرجل بنفوذ اجتماعي واسع في شبوة، ويملك قدرة كبيرة على الحشد.
الثابت أن القيادات الجنوبية في الخارج، لم تعد مقطوعة الصلة بما يحدث في الداخل، وهناك أنشطة علنية يبذلها البيض "بحثا عن تفهم إقليمي ودولي" لمطالب الجنوب.
على الدوام كانت صنعاء هي الأقدر على خلط الأوراق والعزف على المخاوف الإقليمية من تحول اليمن إلى بقعة اضطرابات وحروب، ما دفع غالبا الكثير من الدول إلى التعامل مع السلطة كطرف وحيد ومساندتها ماديا وسياسيا، لكن هذا الاحتكار ربما أصبحت نهايته وشيكة.
يحاول علي سالم البيض إحداث اختراق إقليمي أو دولي لجلب التفهم والدعم للقضية الجنوبية. فقد حرص في كثير من خطاباته على التذكير بقدرة الجنوب على حفظ الأمن الإقليمي والمصالح الدولية، في معرض مقارنة مع ما يحدث الآن من أعمال قرصنة في البحار وانتشار للقاعدة، دون أن ينسى تسجيل نقاط باتهام "سلطة صنعاء" بالضلوع خلف كل تلك الأعمال.
وبعث برسائل طمأنة لدول يعنيها تماما، حيث أكد التزامه بكل الاتفاقيات الحدودية المبرمة مع دول الجوار، وضمان أمنها.
لم يحصد البيض اهتماما إقليميا أو دوليا على الأرجح، كما كان يأمل. فقد أظهر خيبة أمله، حين عاتب في يوليو 2009 قادة دول الخليج لاستقبالهم موفدي النظام في الوقت "الذي يرتكب أعمال القتل بحق المواطنين الجنوبيين". وكان يلح في العتاب بمرارة: "أليس من العيب أن يستقبل الرؤساء وقادة الدول العربية موفدين للنظام" وهو يقوم بكل ذلك.
وقد تطورت أدوات الرجل لاحقا، فلجأ للعزف على الاستقطابات الإقليمية المزدهرة في المنقطة. ففي تصريحات صحفية جاءت في ذروة الحرب الطاحنة في صعدة بين الحوثيين والجيش، مع دخول السعوديين طرفا فيها، قال البيض إن الجنوب يرحب بأي دعم لمطالبه "حتى من إيران". لقد ألقى برسالة صاخبة، باتجاهين: فقد كانت محاولة لشد اهتمام اللاعب الإقليمي القوي: إيران، إلى الساحة الجنوبية، وفي نفس الوقت حاول إيقاظ مخاوف خليجية ودولية من حدوث اختراقات لقوى تمثل "تهديدا" قد يتعامل معها الجنوب في المستقبل. لا شك أن الاهتمام بالقضية الجنوبية، سيأخذ حيزه مدفوعا بمخاوف عديدة ربما يكون "التهديد الإيراني" على رأسها.
الثابت أن الصف الجنوبي في الخارج أصبح مختلفا تماما عما كان عليه حتى قبل عام. وما يبدو أنه خيارات متفاوتة، بين طرفين رئيسيين، ربما لا يعدو أن يكون شكلا من المناورات المتفق عليها، وقد يكون حقيقيا. لكن ما هو مجمع عليه بوضوح: هو وحدة الصف الجنوبي. إنها "القوة" لتي يراهن عليها "الجنوبيون" لمواجهة ما يعتبرونه تحديا مصيريا. لقد تغير المشهد في الجنوب على نحو مؤثر. إن "أعداء التغيير ببساطة يتشبثون بالماضي ونحن نتمسك بالمستقبل، وشتان بين هذا وذاك؛ قالها علي ناصر محمد في حواره الأخير مع صحيفة "الوحدوي".
**********
أضحى من المستحيل على النظام حل الأزمة في الجنوب دون مشاركة واسعة وبإشراف وسيط خارجي
هناك شك بأن الوحدة ستستمر
تبدو الصورة بنظر الخارج قاتمة، فالأزمة في الجنوب تتفاقم على نحو يهدد "استمرار الوحدة"، وقد يؤدي إلى فشل الدولة في اليمن، وتاليا تهديد الأمن العالمي.
بحسب تقرير لمعهد دراسات الشرق الأوسط، فإنه "إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار الوضع الصعب الذي يعيشه الكثير من الجنوبيين، فإنه لا توجد ضمانات بأن الوحدة سوف تدوم وتستمر في ظل حكم الرئيس صالح".
بلغة تحذيرية يمضي التقرير قائلا: إذا استمر صالح في سياسة الاحتواء والقمع المتعمد ووعود الإصلاح الفارغة، فإن الأزمة سوف تتفاقم تدريجياً. وبينما يمكن أن تكسب تلك التكتيكات الرئيس صالح بضعة أشهر لتخفيف حدة التوتر، فإنها لا يمكن أن تؤدي إلى معالجة المظالم الأساسية، بل إنها سوف تضمن بأن يستمر اليمن في المضي في الطريق الحالية المؤدية نحو فشل الدولة".
العام الماضي، كان فريق معهد دراسات الشرق الأوسط الذي يمد وزارة الخارجية الأمريكية وصناع القرار في البيت الأبيض بالدراسات والأبحاث عن المنطقة، يزور اليمن، وقد لاحظ أن فرصا عديدة سنحت للرئيس صالح لمعالجة المطالب المطروحة من الجنوبيين منذ بداية الأزمة، والمتمثلة بالخدمات والوظائف وحكم القانون، وقدر من الحكم الذاتي لمناطق البلاد، "إلا أن صالح فشل مراراً في معالجة المظالم الجنوبية بشكل كافٍ، وبدلاً من ذلك فقد فضل المضي في طريق الاحتواء والاستقطاب والقمع، وتقديم تنازلات غير كافية ساهمت فقط في إثارة معارضة أكبر".
كان معدو التقرير، وهم متخصصون في الشأن اليمني، عبروا عن خشيتهم من أن تأخذ الأمور طابعا تصعيديا من قبل السلطة، حيث لا يمكن التحكم بمسار التداعيات، "فإذا اختار صالح تصعيد القمع واستخدم القوة العسكرية بشكل مفرط.. فإن سرعة الفشل وكذلك التهديد المتمثل في حدوث كارثة إنسانية سوف تزداد بطريقة دراماتيكية".
لقد تسربت الكثير من فرص حل المشكلة وتطويقها داخليا، وهناك شك في قدرة السلطة على تسوية الأمور بتلك البساطة بعد سنوات من الإخفاق في التعاطي الآمن معها، "فقد تغيرت الحقائق على الأرض، فأساليب الوعود الزائفة والإصلاحات المؤقتة قد نخرت في مصداقية الرئيس صالح وقدرته على المساومة" يقول معهد دراسات الشرق الأوسط.
وينصح التقرير الذي نشر "الصحوة نت" ترجمة له في يوليو الماضي، الإدارة الأمريكية بدعم الوحدة واستقرار اليمن، وهذا ما أكدت عليه كل زيارات المسؤولين الأمريكيين للبلاد لاحقا. لكنه نبه صناع السياسية الأمريكية إلى إدراك "أن دعمهم للوحدة اليمنية يمكن أن يفسر على أنه يمثل دعماً قوياً من قبل الإدارة الأمريكية في اليمن لحكم الرجل الواحد المتمثل في صالح، وذلك على حساب جميع الأمور والاعتبارات الأخرى، إضافة إلى الإصلاحات التي تمثل حاجة ملحة للبلاد". لذلك شدد على أن يكون الدعم مشروطا "فالتأكيد على دعمها ليمن موحد" يجب أن يقابله "التزام يمني باحترام المؤسسات الديمقراطية وحكم القانون والحريات الصحفية وحقوق الإنسان".
مع ذلك، فقد خلص الباحثون إلى أن حل الأزمة في جنوب البلاد "أضحى من المستحيل على النظام تقريباً.. دون مشاركة واسعة من النخب المحلية وبإشراف وسيط خارجي يتسم بالمصداقية". ويعتبرون وجود وسيط خارجي "شرطا أساسيا لحل الأزمة الحالية.. فالرئيس صالح فقد مصداقيته في ما يتعلق بإبرام صفقات محلية مما يستلزم وجود وسيط خارجي كي يوجه ويضمن إلى حد ما تنفيذ شروط أي اتفاقية من الطرفين".
ومع أنه يستبعد حدوث انفصال الجنوب عن الشمال، فإن التقرير يضع بالحسبان احتمال تعرض الوحدة للخطر من خلال "حدوث تمرد واسع النطاق"، وهو يتوقع في حالة حدوث ذلك أن "يركز نظام الرئيس صالح بشكل أساسي على محاولة البقاء مهما كلف الأمر، وبالتالي فإن نظام صالح أثناء انصرافه عن بقية الأمور سوف يهمل المصالح الأمريكية إن لم يتجاهلها، وذلك لدى محاولته استعادة السيطرة على الجنوب". وهو ما يشير إلى أن احتمال نشوب حرب أهلية أمر وارد. في هذه الحالة لم يشر التقرير إلى التصرف الأمريكي المرجح لحماية ما تعتبره واشنطن جزءا من أمنها القومي في الخليج، وظل أمرا مبهما ليكون ربما شأنا لصناع القرار.
من جملة السيناريوهات المحتملة "استمرار حالة التمرد في الجنوب"، في هذه الحالة "فإن قابلية الاقتصاد للنمو والتطور سوف تتعرض لتهديدات أكثر، بينما يمكن للفوضى الداخلية أن توفر مساحة إضافية لتنظيم القاعدة كي يوسع نفوذه" يقول التقرير.
لاحظ الباحثون أن الحركة الاحتجاجية في الفترة الممتدة بين 2007 و2008 كان يغلب عليها الطابع السلمي حتى مع وجود قمع من قبل الحكومة.
وفقا للتقرير فإن "كلاً من المحتجين الجنوبيين والنظام يشتركان في القيام بتصرفات خطيرة بشكل متزايد، وهذا قد يؤدي إلى دخول البلاد في دوامة عنف مستمرة".
قبل تهديد القاعدة والتحدي الاقتصادي يضع تقرير صادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية نهاية العام الماضي "تنامي الدعوات الانفصالية" جنوب اليمن في المرتبة الثانية ضمن 4 مهددات لمستقبل البلاد. ثمة مؤشرات يرصدها التقرير في سياق التحذير من أن الأزمة تزداد خطورة يوما إثر آخر أهمها "التواصل الزمني لحركات الاحتجاج والتظاهرات التي ترى أن هناك قدرا تمييزيا تشهده محافظات الجنوب ومدنه".