​​​​​​

د.الأفندي: الإحتياطي من النقد الأجنبي لم يتعرض لنهب كبير لأنه تحت رقابة دولية

الخبير الاقتصادي د/محمد الأفندي

حاوره/فوزي الكاهلي

في هذا الحوار مع أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء ورئيس الدائرة الاقتصادية بالتجمع اليمني للإصلاح د. محمد الأفندي يلقي الضوء على واقع الاقتصاد اليمني و مآلاته المتوقعة..

* كيف ترى حال الاقتصاد اليمني اليوم.. هل دخل مرحلة الانهيار، أم أنه لا يزال يستطيع الصمود لفترة قادمة؟

- الحديث عن حالة الاقتصاد اليمني يقتضي عرض عدد من المؤشرات الاقتصادية التي توضح هذه الحالة.. وهي مؤشرات كثيرة ولكن سأذكر أهمها.. ولكن قبل عرضها أود أن أقول إنه يوجد ثلاثة سيناريوهات أمام الاقتصاد اليمني: السيناريو الأول الذي نعاني منه جميعاً الآن في كافة أنحاء اليمن، وهو السيناريو الكارثي، فالاقتصاد اليمني يدخل مرحلة كارثية، مرحلة الانهيار..

* ما أبرز مؤشرات هذه المرحلة الكارثية ؟

- أبرز المؤشرات أولاً: تقلص خدمات الدولة إلى أدنى مستوياتها، ونضرب مثلاً الكهرباء، والمشتقات النفطية كسلع أساسية أصبحت شبه معدومة، وتباع في السوق السوداء، والكهرباء تنقطع لساعات طويلة، وهذا له آثار اقتصادية واجتماعية وصحية تؤثر جداً على الناس، وخاصة في المحافظات ذات الطقس الحار. وكذلك المرضى في المستشفيات، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها أصحاب المصانع والورش التي بدأت تتوقف لعدم وجود المشتقات النفطية.. ويترتب على ذلك أزمة في انسياب السلع بين المحافظات حيث تضاءلت بسبب صعوبة المواصلات، علاوة على أن المشتقات النفطية تحولت إلى سلع تباع في السوق السوداء، وهذا لا شك أنه مؤشر بارز من مؤشرات الكارثة الاقتصادية التي يعاني منها المجتمع اليمني.. أيضاً الآن أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى ترتفع بأضعاف مضاعفة وطبعاً كل ذلك له تأثير كبير على مستوى معيشة السكان وعلى توفر الخدمات والرعاية الصحية.. نتوقع الآن انتشار الأوبئة والأمراض بسبب تدني خدمات المستشفيات العامة وبسبب صعوبة الحصول على المواد الغذائية.. حيث نلاحظ انتشار أمراض سوء التغذية بين الأطفال.. وكل ذلك من مؤشرات عجز النظام الحاكم عن توفير الخدمات الأساسية، والكارثة هنا أنه ليس مجرد عجز وحسب، بل ويتعمد افتعال الأزمة. كنا في السابق نقول إن ما يحدث سببه سوء الإدارة، وهذا صحيح، ولكن بعد اندلاع الثورة الشعبية الحالية وجدنا أن هناك تعمداً أيضاً في وصول الأوضاع إلى هذا الحال من أجل التمسك بالسلطة ورفض إعادتها إلى الشعب.. وقد وصلنا إلى مرحلة حرمان الشعب من الخدمات والسلع الأساسية وهذه جريمة اقتصادية وكارثة إنسانية يتعرض لها الشعب رداً على خروجه للشارع للمطالبة باستعادة سلطته.

* وماذا عن مستقبل الاقتصاد في ظل السيناريو الكارثي الذي تتحدث عنه؟

- أولاً سأستكمل عرض المؤشرات ثم أجب على سؤالك.. فمن المؤشرات الأخرى تدني النمو الاقتصادي: فرص العمل تقلصت ووضع القطاع الخاص الآن في حالة سيئة جداً عبر عنها في بياناته المتعددة التي قال فيها إن هناك مصانع توقفت ويوجد تسريح كبير للعمال.. بالإضافة إلى معدلات البطالة المرتفعة وعجز النظام عن إيجاد حلول لها، وكانت من أسباب الثورة الشعبية الحالية. ومن المؤشرات أيضاً ارتفاع نسبة الفقر مع تدهور الأوضاع الاقتصادية.. أتوقع أنها زادت بنسبة 20% فوق ما كانت عليه.. وأصبحت حوالي 60-70% حيث تجد الآن مئات الأسر بالكاد توفر الوجبات الغذائية الثلاث يومياً.. وطبعاً تفاقم مشكلة الفقر سيؤدي إلى مجاعة وكوارث إنسانية أخرى.. وقد تقود إلى تفجر ثورة جياع تزيد الثورة الحالية قوة وإصراراً على أن ينتزع الناس حقوقهم.. والإنسان طبعاً عندما لا يجد حليباً أو أكلاً لأولاده فلا شك أن هذا سيخلق حالة مدمرة لتماسك المجتمع واستقراره الاجتماعي، وليس السياسي فقط.

* هل أفهم من حديثك أن البلد باتت على حافة انهيار شامل (إذا ما استمر تفاقم الأوضاع بالوتيرة القائمة) في غضون بضعة أشهر إن لم نقل أسابيع؟

- أنا ذكرت أن أمامنا ثلاثة سيناريوهات، ومنها هذا السيناريو الكارثي إذا لم يشهد البلد تغييراً شاملاً في النظام الحاكم ويستعيد الشعب سلطته ويتم بناء دولة جديدة، فلا شك في وقوع هذا السيناريو الذي لا نريد الوصول إليه –وإن كنا على أطرافه الآن- وبالتالي فالتخلص من هذا السيناريو الكارثي لن يتم إلا بحدوث التغيير السياسي الشامل.. ولن تصلح الأوضاع الاقتصادية إلا بإصلاح الأوضاع السياسية لأنهما مرتبطان ببعضهما ولا يمكن الفصل بينهما.. فبناء الدولة وحدوث تغيير سياسي بانتقال سلمي للسلطة هو الذي سيكفل تفادي الغرق في هذا السيناريو الكارثي.. وأما السيناريو الثاني فهو الذي أسميه "السيناريو الواعد" وهو ما سيجنبنا دمار السيناريو الكارثي، وسينقلنا إلى وضع اقتصادي جديد سيعلي كرامة الإنسان اليمني ويحسن حياته المعيشية الاجتماعية ولكن هذا السيناريو لن يتحقق إلا إذا تم التغيير والتخلص من الأوضاع السياسية الرديئة والشروع في بناء الدولة من جديد بمقومات دولة ديمقراطية تجسد إرادة الشعب.

* وماذا عن السيناريو الثالث؟

- هو سيناريو الفترة الانتقالية الفاصلة بين السيناريو الكارثي والسيناريو الواعد.. والمرحلة الانتقالية ستكون بمجيء حكومة جديدة تعبر عن إرادة الشعب، صحيح أنها ستواجه تحديات كبيرة ومشاكل كثيرة بسبب التركة الثقيلة التي ستتحملها، لكنها على الأقل ستحقق الاستقرار الاقتصادي عند مستوى أفضل. الحال القائم اليوم سيمهد للانتقال إلى السيناريو الواعد الذي نتمنى حدوثه ونتجنب الوقوع في السيناريو الكارثي الذي بدأ يطل برأسه علينا.

* بحسب معطيات الواقع اليوم، ما إمكانية تحقق السيناريو الواعد الذي ذكرته.. وأقصد هنا معطيات المخاض السياسي الحالي؟

- بتصوري أن خروج الشعب إلى الشارع لاستعادة سلطته يبشر بقدوم السيناريو الواعد، لأن إرادة الشعب قوية وستحقق أهداف ثورته ببناء دولة جديدة، وبمشاركة كل القوى والفعاليات السياسية، وبما في ذلك حزب المؤتمر الشعبي العام.. أقول هذا مع أن الوضع ما زال مقلقاً وينذر بكارثة إذا ما استمر النظام كما هو.

* وكيف تربط الصراع السياسي اليوم بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الاقتصادية على المدى القريب؟

- الآن هناك تدافع بين الأطراف السياسية من جهة وبين ثورة الشباب من جهة أخرى وفي النهاية ستنتصر إرادة الشعب.. وانتصار إرادة الشعب معناه حدوث انتقال للسلطة.

* كل ما تحدثت عنه أعتقد أنه يتعلق بالمستقبل على المدى البعيد أو المتوسط.. ماذا عن الحلول الاقتصادية العاجلة المطلوبة التي ينتظرها الناس إذا لم يحدث تغيير سياسي شامل بالشكل المطلوب؟

- الحلول العاجلة تأتي أولاً في إعادة الاستقرار الاقتصادي –كما قلت سابقاً- والاستقرار الاقتصادي له مؤشرات.. ولكنه لن يتحقق في ظل الأوضاع السياسية الحالية، وإذا ما حدث التغيير فأول أوليات حكومة الفترة الانتقالية هو توفير السلع والمشتقات النفطية وتأمين البلاد بالمخزون الغذائي، والحفاظ على استقرار الأسعار.

* هل من المستحيل توفير المشتقات النفطية في ظل الأوضاع القائمة؟

- بالإمكان حدوث استقرار اقتصادي إذا تم تحييد الاقتصاد عن الصراع السياسي، والمشكلة أن النظام يستخدم العصا الاقتصادية ويجعلها أداة من أدوات القمع ومواجهة الثورة الشعبية، وهنا لا أستطيع القول إنه يوجد تدهور اقتصادي طبيعي، فهو مفتعل، بالإضافة لوجود جذور اختلالات اقتصادية متراكمة.

* ذكرت ارتفاع نسبة الفقر، وتقارير دولية بدأت تتحدث عن مجاعة وشيكة ستجتاح اليمن، فهل الصورة مخيفة إلى درجة أن على اليمنيين الاستعداد لمجاعة قد تؤدي إلى نزوح جماعي؟

- قبل التدهور المريع الذي نعيشه كانت التقديرات الرسمية تقول إن ثلث السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، يعني المحرومين من السلع الغذائية الأساسية يمثلون أكثر من ثلث السكان.. ومع تفاقم الأوضاع الآن وممارسة النظام سياسات عقاب اقتصادي جماعي، لا شك أن عدد السكان المحرومين من الأمن الغذائي والذين لا يستطيعون الحصول على حاجياتهم الأساسية في تزايد.

* يبدو أن هذا الحرمان ليس بسبب عدم توفر السلع الغذائية بل في عدم توفر المال لشراء تلك السلع التي نراها متوفرة بالأسواق بشكل طبيعي أليس كذلك؟

- نعم قد يكون الأمر صحيحاً إلى حد ما الآن، ولكن هناك مؤشرات تقول إن المخزون الغذائي لم يعد كافياً إلا لمدة شهر أو شهرين.

* الآن أصحبنا وكأننا نعيش في مرحلة اللا دولة.. فمن يتحكم بالأمور الاقتصادية والمالية بالبلد، وكيف يتم تسيير شؤون "شبه الدولة" القائمة بتحديد نفقاتها وجمع مواردها؟

- بالنسبة لموارد الدولة ما زال النظام هو المسيطر عليها، ويستخدم جزءاً منها في إنفاقه السياسي وإطالة بقائه في السلطة دون وجه حق، وأما بالنسبة لميزانية الدولة فلم تعد سوى ميزانية مرتبات وأجور، وربما في الشهور الماضية كان الوضع المالي مواتياً لإنفاق النظام، ولكن إذا استمر الوضع الحالي فقد لا يستطيع حتى توفير المرتبات للموظفين بعد شهر أو شهرين.

* تقول إن النظام هو المسيطر على الاقتصاد، ولكن ما نعايشه أن ما يشبه العصابة هو المسيطر، خاصة عندما ننظر إلى كيفية الإنفاق، وما يقال عن نهب الأموال من البنوك؟

- صحيح، التصرف بالمال العام لم يعد يتم كما كان عليه، اللهم إلا في مسألة المرتبات والأجور، وما عداه فالموجود هو تصرفات عصابات، فالمشاريع التنموية متوقفة لأن مخصصاتها تذهب إلى أغراض سياسية وشخصية.

* وماذا عن احتياطي النقد الأجنبي لليمن؟

- أعتقد أنه لم يتعرض لنهب كبير لأنه تحت رقابة مؤسسات وجهات دولية، وهناك نقص فيه، هو الآن تقريباً في حدود 4 مليارات ونصف، بحسب آخر بيانات البنك المركزي ويغطي قيمة واردات ستة أشهر، ويعد في الحدود المقبولة عالمياً، ولكن إذا استمر الوضع القائم سيتم السحب من الاحتياطي لتمويل الواردات، ومعناه انهيار أكبر لقيمة الريال، وازدياد الحالة المعيشية للسكان سوءاً.

* يقال إن معظم البنوك الأهلية بدأت بإخراج أموالها والودائع الأخرى لديها إلى خارج اليمن خوفاً من تفجر الوضع.. فما صحة ذلك، وما تأثيراته على الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً؟

- بصورة عامة عندما تتدهور الأوضاع في أي بلد فلا شك أن أول ما يضرب هو جانب الاستثمارات في القطاع الخاص.. وما تظهره بيانات البنوك حتى الآن إن أصولها ما تزال في وضع مريح، ولكن في ظل تدهور الوضع فمن حق البنوك إخراج أموالها إلى أماكن آمنة.

* نقلا عن المصدر اونلاين