دولة الجنوب عمق استراتيجي للخليج العربي
في خضم التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، برز الجنوب العربي كأحد أهم المرتكزات الاستراتيجية...
الإعلان عن تأسيس مجلس أعلى استراتيجي بين كلٍّ من مصر وتركيا للتنسيق والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات هو خطوة على الطريق الصحيح, فمما لا شك فيه أنَّ أيًّا من مصر أو تركيا مؤهلٌ لقيادة العالم الإسلامي في تلك الفترة, لأسباب كثيرة, أولها أن كلاً منهما سني المذهب، والسنَّة يملكون الأغلبيَّة الساحقة للمسلمين من ناحية, وكان السنة دائمًا هم الرافعة الأساسيَّة للحضارة الإسلاميَّة في مختلف المراحل صعودًا وهبوطًا، وكل من مصر وتركيا يتمتع بموقع استراتيجي هام في قلب العالم عمومًا, والعالم الإسلامي خصوصًا, وتركيا في رأي كبار الاستراتيجيين من لدن نابليون بونابرت وحتى الآن هي أهم بلد في العالم من الناحية الجغرافيَّة, وقد قال بونابرت أنه من يملك كلاً من تركيا ومصر يمتلك العالم, وتركيا تتوسط قارات العالم القديم آسيا وأوروبا وإفريقيا, وكذلك مصر، وتركيا هي قلب أوراسيا التي تسمى المجال الحيوي للعالم أو قلب العالم، وتركيا أيضًا توجد في كل من قارتي آسيا وأوروبا وهي دولة قاريَّة وبحريَّة في نفس الوقت، وتسيطر على ممرين بحرييْن من أهم الممرات في العالم, أضف إلى ذلك أن ما قامت به الدولة العثمانيَّة التركيَّة من دفاع مجيد عن العالم الإسلامي أضرَّ بالمشروع الصليبي الأوروبي يجعل الوجدان الإسلامي متعاطفًا معها, وبالإضافة إلى ذلك كله فإن حزب العدالة والتنمية ذي الاتجاهات الإسلاميَّة في تركيا استطاع أن ينقل تركيا نقلةً ضخمة على المستوى الاقتصادي والعلاقات السياسيَّة مع دول العالم عمومًا والعالم الإسلامي خصوصًا.
ومن ناحية مصر فهي أيضًا تتمتع بموقع جغرافي فريد، وهي موجودة في قارتي آسيا وإفريقيا, وهي مفتاح إفريقيا, وبها قناة السويس أهم ممر يجري في العالم, وهي دولة سنيَّة المذهب, وتتمتع بنوع من القيادة الروحيَّة للعالم الإسلامي عن طريق الأزهر, ولها دورها التاريخي في تحطيم الغزوات على العالم الإسلامي وخاصة التتار والصليبيين.
على أن مصر تتمتع بميزات أخرى على تركيا؛ منها أن هناك تجانسًا سكانيًّا في مصر يعطيها قوَّة مضاعَفة, وهي ناطقة باللغة العربيَّة لغة المسلمين الأولى ولغة القرآن الكريم, أما تركيا فبالإضافة إلى افتقادها عنصر اللغة العربيَّة وكذا توجهات ثقافيَّة أوروبيَّة وكتابة لغتها بالأحرف اللاتينيَّة نتيجة سياسة أتاتورك وخلفائه المعادية للتوجُّه الإسلامي, ولا متجهة نحو أوروبا وهي أيضًا تعاني من مشاكل عرقيَّة ضخمة مثل المشكلة الكرديَّة والأقليَّة العلويَّة, وكذا فإن انحياز الشعب المصري إلى المشروع الإسلامي انحياز واضح جدًّا, فالقوى والأحزاب غير الإسلاميَّة في مصر من يمين ويسار لا قيمة لها، أو هي مجرد زائدة دوديَّة وشيء لقيط لا أصلَ له وليس لها امتداد شعبي من أي نوع, أما تركيا فلا زال هناك يسار ويمين قوي وموجود وتتفاعل مع الشارع التركي حتى ولو كان أقلّ من توجهات تركيا الإسلاميَّة شعبيًّا.
كل هذه العوامل تجعل مصر مرشَّحة أكثر لتكون مركزًا للعالميَّة الإسلاميَّة الثانية بالتعاون مع تركيا طبعًا, ولكن أهم العوامل في هذا الصَّدَد, أن مصر المستقبل هي نتاج ثورة شعبيَّة سلميَّة هي الأكبر في التاريخ بدون مبالغة, وهذا أمرٌ له ما بعده على المستوى المحلي والعربي الإسلامي والدولي.
نحن بالطبع يعنينا عودة الخلافة الإسلاميَّة, سواء كانت مصر هي المركز أو تركيا أو أي مكان آخر, ولكننا نرشِّح مصر لأن تكون مركز الثقل في هذا الأمر بالتعاون مع تركيا, وهذا يقتضي سلوكًا متميزًا ومبدعًا من الحركات الإسلاميَّة في مصر على كل مستوى, مستوى التلاحم مع الجماهير, وألا تتصرف كبديل لها, فإقامة النهضة الإسلاميَّة مسئوليَّة الجميع وليست الحركات الإسلاميَّة في هذا الصدد سوى خليفة الأمَّة.
أيًّا كان الأمر فإن المستقبل القريب يقتضي دعم التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي بين شعوب العالم الإسلامي, وأن تقدم الإسلام باعتباره أيديولوجيَّة لإنقاذ العالم من الرأسماليَّة وأن تكون الأمة الإسلاميَّة هي قاعدة مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يستهدف استعباد ونهب العالم كله وليس فلسطين وحدها, أو المنطقة العربيَّة وحدها أو العالم الإسلامي وحده.
ولا شكَّ أن إقامة مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي بين مصر وتركيا معًا خطوة في هذا الطريق الطويل والصعب، ولكنه المتاح والممكن أيضًا.