«كاك بنك» يستقبل أبطال مجموعة مدارس النبراس وسماء عدن الفائزين ببطولة العرب للروبوت
استقبل القائم بأعمال رئيس مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لبنك التسليف التعاوني والزراعي (كاك...
اليمن السعيد لم يعد هكذا منذ سنوات. في الجنوب مطالب متصاعدة بفك الارتباط والعودة إلى ما قبل وحدة ١٩٩٠. وفي الشمال ثورة شبابية أجهضت وتحولت إلى أزمة ومعها تزداد نقمة الشارع على ما آلت إليه الأوضاع في البلاد. وما بينهما «قاعدة» متعددة الأوجه تسببت في تدمير أبين وتشريد أهلها. «الأخبار» تبدأ من اليوم بنشر سلسلة تحقيقات عن ما هية القضية الجنوبية، العوامل التي ساعدت على تكونها وتحولها من قضية حقوقية إلى قضية سياسة، الرؤى المتعددة المطروحة لحلها وأبرز الفاعلين فيها. وفي الشمال اطلالة على واقع مهمشيه، مخفييه وبعض من أحزابه
عدن | تبدو مدينة عدن في هذه الأيام هادئة وحزينة. هدوء المدينة، القابعة على فوهة بركان خامد منذ سنوات طوال، ليس مستمداً من تراجع زخم المحتجين المطالبين بفك الارتباط الذين يخرجون للشوارع على مدار الأسبوع مرددين «يا جنوبي علّي الصوت الاستقلال أو الموت» بل إنه هدوء فرضه تراجع وتيرة الاشتباكات بين المحتجين وبين القوات الأمنية. أما الحزن فيبدو أنه قد استوطن وجوه ساكني عدن وسط حالة من الترقب لما ستؤول إليه أوضاع الجنوب، بعدما كان الجنوبيون أشد المتحمسين للوحدة قبل أن يتحولوا إلى أشد الناقمين عليها.
فعندما أعلنت الوحدة في العام ١٩٩٠، ظن الجنوبيون أنهم أخيراً نجحوا في تحقيق شعار «لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية» وشعار «يمن ديموقراطي موحد نفديه بالدم والأرواح». هذان الشعاران لطالما وقف الجنوبيون في الطوابير المدرسية ليرددوهما متغنين بالوحدة وحالمين بتحقيقها، لكن السنوات التي تلت الوحدة كانت كفيلة بتحويلها إلى «كابوس» يجثم على صدور معظم أبناء الجنوب يسعون للتخلص منه بأي وسيلة بعدما بات الجنوبيون يجمعون على القول بحسرة «قبل الوحدة كنا شعب واحد في دولتين لكننا أصحبنا بعدها شعبين في دولة».
تلاشي الانتماء إلى الجمهورية اليمنية الحالية يمكن تلمسه على أكثر من صعيد. اليوم يمكن لأي جنوبي عندما تتحدث معه أن يعدد مظالم وانتهاكات تضمنتها الوحدة بسنواتها الـ22 لساعات وساعات، دون أن يتوقف إلا ليقارن لك ما جرى في جنوب اليمن بما يجري في فلسطين. عند هذه النقطة تحديداً، يؤكد لك العديد من أبناء الجنوب بكل ثقة أن «ما قام به نظام صنعاء بحق الجنوب وأهله أسوأ مما قام به الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين». ولهذا السبب، يغيب مصطلح قوات الشمال عن ألسن العديد من الجنوبيين ليحل لديهم مصطلح «الاحتلال»، مثلماً يغيب مصطلح مدن سكنية يقطنها شماليون في الجنوب ليستخدم بديلاً عنه مصطلح «استيطان»، او يغيب مصطلح شمالي ليحل مكانه مصطلح «دحباشي» وهو الوصف الذي يطلق على اليمني الساذج، وذلك بعد أن شكلت مجموعة من التراكمات في لاوعي الجنوبيين نقمة على كل ما له صلة بالشمال.
يغيب مصطلح قوات الشمال عن ألسن العديد من الجنوبيين ليحل لديهم مصطلح «الاحتلال» (الأخبار)
وهي نفس التراكمات التي هيأت الأرضية أمام تفجر القضية الجنوبية قبل سنوات. اليوم، أكثر من أي وقت مضى تجمع مختلف الاطياف في اليمن على أن القضية الجنوبية بدأت بالدرجة الأولى حقوقية وتصاعدت مع مرور السنوات بسبب عدم اكتراث النظام في صنعاء لها لتتحول إلى قضية سياسية وقضية هوية مفقودة، يبحث الجنوبيون اليوم عن استعادتها من غير أن يتفقوا على هويتهم الجديدة أو السبيل الذي سيسلكونه لاستعادتها.
جذور القضية الجنوبية يرجعها البعض إلى ما قبل توقيع الوحدة وتحديداً إلى التبدلات على الساحتين الداخلية في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية التي هيأت لموافقة العليين، علي سالم البيض وعلي عبد الله صالح على اتخاذ قرار الاندماج بين الدولتين في هذا التوقيت من دون دراسة واقعية لإمكانية التعايش بين الدولتين أو حتى الاتفاق على صيغة مدروسة للوحدة تضمن مشاركة الشماليين والجنوبيين في ادارة الجمهورية اليمنية الجديدة.
هذا التسرع لم تتأخر تداعياته في الظهور سريعاً في الأشهر التي تلت الوحدة، حيث بدأت أولى بذور التهميش والاقصاء للجنوبيين تظهر على السطح. وهو ما أدى في حينه إلى خلاف كبير بين «العليين». وقد حاولت وثيقة العهد والاتفاق الموقعة أواخر عام ١٩٩٣ في الأردن وضع حد لهذه الخلافات لكن دون جدوى، اذ سرعان ما انفجرت الحرب بين شريكي الوحدة في أعقاب اعلان البيض العودة لفك الارتباط بين الدولتين يوم ٢١ أيار ١٩٩٤. لكن المكاسب الاقتصادية والسياسية التي حققها صالح وحلفاؤه بالوحدة لم يكن بامكانهم التخلي عنها تحت أي ظرف فكانت «حرب الوحدة والانفصال». ومع انتصار نظام صالح في الشمال في ٧ تموز ١٩٩٤، واعادة فرض الوحدة بالقوة والدم مستفيداً من اصطفاف مجموعة من الجنوبيين إلى جانبه، بدأت مرحلة أشد قساوة في حياة المواطنين الجنوبيين كان التهميش والاقصاء الممنهج عنوانها الأبرز.
معركة الأعلام والمطبات
فيما يكاد العلم اليمني يغيب عن عدن، باستثناء مقار المؤسسات الرسيمة، تحتل أعلام الحراك الجنوبي مكانها فوق أسطح العديد من الأبنية وفي الأزقة، شاهدةً على أن من يقطن في هذه الأماكن من مؤيدي فك الارتباط. أما الجدران فتشهد اليوم ما يشبه المعركة بعد أن غطت جزءاً واسعاً منها أعلام الحراك. هذه الأعلام، أكثر الرموز بالنسبة للناشطين دلالةً على تمسكهم بمطلب فك الارتباط، غالباً ما تتعرض تحت أجنحة الظلام للطمس، فيما بعضها الآخر ينال نصيبه من التشويه فيزال عنها المثلث الأزرق ليشكل ما تبقى منها علم الجمهورية اليمنية، أو العكس قد يحدث عندما يضاف المثلث الأزرق والنجمة الحمراء للأعلام اليمينة المذيلة بعبارات من قبيل «أقسم بربي وحدوي» و«وحدتي عزتي».
ظاهرة أخرى تكاد تقتصر على مدينة عدن بعيداً عن أي مدينة يمنية أخرى. إنها المطبات المرتفعة في الطرقات. فلا يكاد يخلو شارع في عدن من مطب مرتفع أو اثنين، يشبه إلى حد بعيد التلة الصغيرة التي يجب تسلقها للعبور. أما السبب من وراء انتشار هذا النوع من المطبات، الذي يختفي بمجرد الخروج من عدن، فليس سوى جعل عملية الانتقال بالسيارات أكثر صعوبة وتحديداً عند وقوع اي مطاردة بين الناشطين والقوات الأمنية.
هذا الحرص من السلطات على المطبات وتعقيد حياة المواطنين بما في ذلك نشر نقاط التفتيش والعناصر الأمنية المستفزة، لا يوازيه على الاطلاق اي حرص على المدينة ونظافتها. فالنفايات برائحتها الكريهة تملأ شوارع مختلف أحياء عدن في هذه الأيام، محولة إياها إلى مكب كبير للنفايات.