في بلدي الحاكم و المتصدر للقرار السياسي يأتي من خارج الوسط الثقافي لهذا عانى المثقف على مدى عقود من الزمن تسلط السياسي على الشأن الثقافي، وأصبحت السياسة هي المحددة للتوجهات الثقافية مع أن السياسة هي أحد أنماط الثقافة. ولجأ السياسي إلى محاولة أدلجة الثقافة لتتلاءم ومقاسه، لأجل السيطرة على المثقفين وإجبارهم للعمل لحساب توجهاته الفكرية.
وخلال ذلك جرى استقطاب اكبر عدد منهم لصفوف الحزب الحاكم للسياسي بالترغيب والترهيب وشراء الذمم والتجويع ثارة للرضوخ و تهميش دور المثقفين الذين يرفضون ويتمسكون بمبادئهم وتوجهاتهم في المجتمع ويصنفون من الأعداء!. لاعتقاد السياسي أن مركزه الحزبي يمنحه الحق، ليس في التحكم بأعضاء حزبه وحسب، وإنما سلطته تمتد لتشمل كل أفراد المجتمع والمثقفين و احتدم أوجه الصراع بين المثقف والسياسي في السنوات الأخيرة نتيجة التغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة ، وبروزت التوجهات المطالبة بتغيير الأنظمة الشمولية، وإحلال الأنظمة الديمقراطية مكانها لمواكبة عملية التطور والعصرنة التي يشهدها العالم وكلما ثار المثقفون وحركوا الجماهير معهم في ثورة شعبية عارمة يأتي السياسي من الوسط القبلي أو ألسلالي ويتصدر المشهد ويتربع سلطة الثورة ويتحول المثقف مجرد وسيلة او تابع كما هو حاصل اليوم في بلدي اليمن ولا يمكن للمثقف أن يبقي أحلامه معلقة في الهواء. بالتأكيد يمكنه أن يحول أحلامه إلى نظريات ومناهج للفكر والعمل، ولكنها كي تتحقق إلى واقع فلا بد من توحيد الصف الثقافي والقوى الجديدة لتفرض واقع جديد أو حاكم سياسي يؤمن بها ويحتضنها ويعمل على ترجمتها وتحويلها إلى أمر واقع مع ان السياسيين شوهوا مجتمعاتنا العربية التي لازالت منذ أكثر من قرن تعيش مرحلة انتقال، عطلت فيها عملية النمو، واتسمت بضعف التشكيلات الاجتماعية. ومن هنا فقد انعكس ذلك الواقع على التكوين السياسي والثقافي في الأمة. حيث أصبح كلاهما مشوهين.
فيبرز السؤال المهم هل يستطيع المثقف صاحب الفكرة الثورية والمشروع الوطني أن يدير العملية السياسية في اليمن ؟ اليوم البلد تتصدره قوى النفوذ السياسي وتعبث بأمنه واستقراره وتعكر صفوته والمثقفون بعضهم توابع ويستخدمون والبعض الأخر ثوارا و وطنيين و صرخاتهم المستمرة وكتاباتهم الناقدة واحتجاجاتهم المؤثرة لا تسمع , فالعبث يصم أذانه , وغير مبالي بصرخات وأوجاع الجماهير بل لازال الطغيان السياسي الذي يملك المال والإعلام والنفوذ القبلي والقوه العسكرية الضاربة التي يلوح بها من حين لأخر لضرب المشاريع الوطنية وقواها الجديدة .
مشكلتنا اليوم في الجنوب والشمال معا ,هي امتداد للامس أن بعض الأحزاب والمكونات المؤثرة يديرها السياسي القبيلي المتخلف عن المثقف ويسخر الحزب بكامل أعضائه بما فيهم المثقفين والمفكرين لمشروعه الخاص وضرب المشروع الوطني ويعيق التحول الملبي لطموحات وأمال الجماهير التي شبعت شعارات وهتافات وخطب تدغدغ المشاعر وتراوغ وتناور لكسب الوقت واغتيال الروح الحقيقية للثورة ومبادئها وقيمها الحقيقية ,اليوم مشكلتنا مع المثقف , الذي يصطف مع قوى العنف , المثقف الذي تحركه الخصومة وأحقاد الماضي , المثقف الذي يلتقي في مواقفه واختياراته مع التخلف والاستبداد وقوى العنف, واذا به في صفها ومعها في خندق واحد بل بوق من أبوقها يبرر للحرب ويشعلها .
متى يكون السياسي الحاكم من الوسط الثقافي والفكري ليحول أحلامه لواقع معاش لا يحتاج لحامل لمشروعه من القوى التقليدية المتخلفة عنه ثقافيا وفكريا , لننتقل من مربع الصراع المسلح والعنف والقتل والدمار , إلى مربع تنافس ثقافي وفكري وتنوع يثري المجتمع والبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية , لننتقل للانتخابات التنافسية الشريفة والنزيهة , لنخضع للنظام والقانون والدستور المتوافق علية , متى نصل لمستوى من الوعي يصوننا من الانجرار خلف قوى العنف والقوى التقليدية المتخلفة ونترفع عن الصغائر والخصومة والصراعات المدمرة ,فالحرب اليوم تكويهم ونارها صلتهم فهل يتعظون ليروا الوطن أهم وأغلى