حصار السبعين يوم على غزة... هزيمة محتل وشموخ مقاومة
سعيد شيباني
( غزة..مقبرة الغزاة ) كتب/سعيد شيباني اليوم الموافق...
أخذت المحادثات اليمنية بين وفدي الشرعية، والانقلاب، الجارية في الكويت، اهتماما كبيرا على المستوى المحلي، والإقليمي، والدولي، وبات كثيرون يتمنون أن تكون بمثابة الفرصة الأخيرة لإحلال السلام في اليمن المنهك بالحرب منذ نحو 13 شهرا، لكن الأماني وحدها لا تثمر شيئا في عالم السياسة في معظم الأحوال،فبينما يتوقع عدد غير قليل من المتفائلين بأن المحادثات سوف تنجح في إيقاف الاحتراب، وإحلال السلام، يرى آخرون بأنها لن تكون سواء إعلان جديد لبدء جولة جديدة من الحرب، وفتح باب جديد لجولات أخرى من المحادثات.
وبرزت خلال الأيام الماضية منذ إعلان بدء المحادثات، جملة من التطورات في المشهدين السياسي، والعسكري اليمني، كل طرف سعى لتوظيفها في صالحه، ليبدو أكثر قوة، وقدرة، على المناورة، لإملاء شروطه، وتحقيق أهدافه،للظفر بمكاسب جديدة، تعزز من حضوره في الخارطة السياسية المقبلة، إذا ما نجحت المحادثات، أو توفر له سقفا، وغطاء، جديدا، لمواصلة العمل العسكري على الأرض، في حال فشلت المحادثات المذكورة.
ومن الواضح فإنه لكل طرف عدد من نقاط القوة، والضعف، التي ترجح كفته، وتخفضها في آن، وعلى ضوءها يقرأ المحللون السياسيون، مالأت الصراع، ويستنتجون نهاياته.
ويمكننا هنا قراءة نقاط القوة، والضعف، لكل فريق على حده، على النحو التالي:
أولا:نقاط القوة
1-نقاط القوة لدى الشرعية:فريق الشرعية الذي ينتمي للسلطة اليمنية برئاسة الرئيس عبدربه منصور هادي، وتنضوي تحت لوائه وحدات الجيش الوطني، والمقاومة الشعبية، لديه عدد كبير من نقاط، وعناصر القوة، التي يمكن أن يستثمرها لتعزيز حضوره السياسي على طاولة المفاوضات، وتحقيق المكاسب التي تصب في صالحه لتحقيق النصر على الانقلابين، وبدء مرحلة جديدة من السلام، وإعادة صياغة المشهد اليمني، بما يلبي تطلعات الجماهير، إلا أن الشرعية كما يبدو لم تتمكن من استغلال هذه النقاط، والعناصر كما يجب حتى الآن، لتبدو في موقف القوة المطلوبة لفرض شروطها الكاملة، وإجبار الانقلابين التسليم بالأمر الواقع، ويمكننا ذكر أهم أبرز هذه النقاط:
-دعم التحالف العربي: يعد هذا الدعم من أهم نقاط القوة لدى الشرعية اليمنية، لكنها كما يبدو لم تستغله كما يجب لتحقيق انتصارات عسكرية كبيرة على الانقلابين في شمال اليمن، الأمر الذي أبقى على تواجد قواتهم في عدد من المدن، والمناطق، أبرزها مدينة تعز، فضلا عن احتفاظهم بالعاصمة اليمنية صنعاء حتى الآن، وهو الأمر الذي أتاح الفرصة أمامهم للمناورة، وممارسة الضغط للحصول على تنازلات من قبل الشرعية، وبدأ ذلك جليا حينما رفضوا الذهاب إلى الكويت لحضور المؤتمر في موعده المحدد، وبهذا الموقف استطاعوا أن يظهروا للرأي العام أنهم طرف قوي قادر على اللعب، والضغط، وكسب الوقت، لتحقيق المكاسب السياسية، بينما ظهرت الشرعية، في موقف لا يحسد عليه، وهي تنتظر الانقلابين على مائدة المفاوضات لثلاثة أيام، وكشف هذا الموقف للمحللين والمراقبين، أن الشرعية فعلا فرطت بالانتصار العسكري، لاسيما في صنعاء ومحيطها، وتعز، وأصبح البحث عن انتصار لها على طاولة المفاوضات ضربا من الأماني، ومن هنا يمكن القول أن الشرعية لم توظف الدعم العسكري للتحالف بصورة ايجابية، وحقيقية، لتحقيق الانتصارات العسكرية على الأرض، وبدأ واضحا أنها ستخسر هذه النقطة، لاسيما بعد إعلان التحالف تخفيض عملياته العسكرية في اليمن، وتطلعه إلى إيقاف الحرب، وإحلال السلام.
-القرار الأممي 2216:يبرز القرار الأممي كأحد أهم نقاط القوة لدى الشرعية في اليمن، فقد تم المراهنة عليه منذ وقت مبكر، إلا أن تخلي الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، عن دعم تنفيذ القرار الصادر تحت الفصل السابع، الذي يستلزم تدخلا عسكريا دوليا، في حال رفض الانقلابين تنفيذه، جعل القرار يبدو كما لو كان عبارة عن عصا تلوح بالتهديد لكنها فاقدة القدرة على الضرب، وممارسة العقاب، وهو ما افقده قوته المطلوبة، وتأثيره في مسار الأحداث، ولهذا تحول القرار من قوة ردع، وتهديد للانقلابين، إلى غطاء أممي لممارسة جرائمهم، واستمرارهم في الحرب، ولم يخف الانقلابين توجهم لتجاوز القرار أثناء المحادثات، والانتقال إلى التسوية السياسية، باعتباره أصبح معيقا في نظرهم، بينما تتمسك به الشرعية، وتشترط تنفيذه أولا قبل البدء بأي حديث عن تسوية، وشراكة مستقبلية، بين أطراف الصراع، لكن القوى الدولية تفرق بين أمرين مهمين للغاية، وهما الأمر المنطقي، والواقعي، فهي تنظر للقرار بأنه منطقيا للغاية لوقف الصراع، وإحلال السلام، لكنها أيضا واقعية في نظرتها للأمور على الأرض، لاسيما فيما يتعلق بسيطرة الحوثين وحلفائهم على العاصمة صنعاء، وبالتالي فإن الواقعي يغلب المنطقي كما يبدو في السياسة الدولية، وهذا ما يجعلنا نؤكد بأن تنفيذ القرار الذي يعد من نقاط القوة في يد الشرعية، كان بحاجة لانتصارات عسكرية على الأرض تعزز من حضوره كخيار استراتيجي، ووحيد، لأي حل سياسي، لهذا و بصيغة أخرى يمكن القول أن القرار المنطقي افتقد لانتصار عسكري واقعي، يدعمه، ويكرسه، كملاذ نهائي، لجميع الفرقاء.
-الانتصارات الأمنية في الجنوب:تأتي الانتصارات الأمنية في الجنوب على الإرهاب، كأهم نقاط القوة لدى السلطة الشرعية، في تعزيز حضورها الدولي، كشريك ناجح في مكافحة الإرهاب يدحض كل الادعاءات التي سوقتها جماعة الحوثي وحلفائها للعالم بأنها لم تشن الحرب على اليمنيين إلا لملاحقة الجماعات الإرهابية، وبالتالي فإن الانتصارات الأخيرة التي حققتها السلطات المحلية في كل من محافظتي عدن، ولحج، وبدعم التحالف العربي، ممثلا في دولة الإمارات العربية، على الجماعات الإرهابية أسقطت هذه الورقة من يد الانقلابين، وحولتها إلى نقطة قوة في يد الشرعية، التي يفترض عليها استغلالها بشكل جيد لتقديم نفسها للعالم كشريك فاعل وقوي لمكافحة الإرهاب في اليمن، الذي يهدد أمن المنطقة، والعالم، وهو ما سيجعلها تحظى بثقة العالم، ودعمه، خلال المرحلة المقبلة، ما لم تستغل هذه النقطة، فإنها ستعيد إنتاج نفسها كسلطة غير جديرة بتوظيف نقاط قوتها بشكل صحيح لتحقيق مكاسب سياسية، تمكنها من الانتصار على خصومها، وبالتالي ستظل تدور في حلقة مفرغة من الإخفاقات، التي ستضعف من حضورها، وتأثيرها، على كافة المستويات.
2-نقاط القوة لدى الانقلابين:للانقلابين نقاط كقوة، كما لهم نقاط ضعف، وبات من المؤكد أنهم يجهدون أنفسهم في استغلال نقاط القوة، وتوظيفها لتحقيق مكاسب سياسية، تمكنهم من تثبيت أنفسهم على الأرض، والظفر بتسوية سياسية، تعيد إنتاجهم من جديد في السلطة الموعودة، ويمكن هنا استعراض أهم نقاط القوة لدى الانقلابين.
-الدعم الأمريكي والأممي:من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية ترمي بكامل ثقلها خلف جماعة الحوثي وحلفائها، لإنقاذهم من الحسم العسكري، والدفع بهم إلى تسوية سياسية مع السلطة الشرعية اليمنية، وهذا الأمر بدأ منذ وقت مبكر، وخلال الأيام الفائتة انكشف هذا الدعم بصورة كبيرة للمراقبين، من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وعدد من المسئولين الأمريكيين،فأمريكا صاحبة التأثير الكبير على هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، عطلت تنفيذ القرار الاممي 2216، ولم تقدم اية دعم لتنفيذه ولو باستخدام التهديد ضد الانقلابين، وحاليا تدعم تسوية سياسية تتجاوز القرار أو على الأقل بعض بنوده، وهو ما يضعف مصداقيتها عند الطرف الأخر المتمثل بالتحالف العربي والشرعية باعتبارها راعية سلام عالمي.
وكما يبدو فان الانقلابين يستغلون الدعم الأمريكي الناتج عن علاقات الأخيرة بايران، في الضغط على السلطة الشرعية، للحصول على مكاسب وتنازلات سياسية، فهم يطالبون بتسوية سياسية، وانتقال للسلطة، ينتج عنها حكومة وحدة وطنية، يمثلون فيها بالتساوي مع جميع الأطراف، على أن يتم إعداد جدول مزمن لتنفيذ بنود ما سيتم الاتفاق عليه في المفاوضات، ومن ضمنها قيام الحكومة الوطنية التي يطالبون بها بتنفيذ بنود القرار الاممي 2216 القاضي بانسحابهم من المدن والمؤسسات التي يحتلونها، وتسليم السلاح، وإطلاق المعتقلين، وغيرها من النقاط الخمس، في الوقت الذي تشكك أطراف داخل الشرعية بهذا المسعى، وتطالب بتنفيذ بنود القرار الخمسة، قبل أية اتفاق يفضي إلى تسوية سياسية، وتشكيل حكومة شراكة.
إذن الحوثيون وحلفائهم يستغلون الدعم والغطاء الأمريكي ليبدون أكثر تماسكا لفرض شروطهم، حيث بات من الواضح أن أمريكا والغرب لم يعودوا يعتبرون إيران عدوا لهم يهدد مصالحهم، بل شريكا كما يبدو، وهذا النوع من الشراكة، هو الذي انعكس في صورة دعم سياسي غربي للجماعات الشيعية في المنطقة، ومن ضمنها جماعة الحوثي.
-الحضور من صنعاء:حضور الانقلابين من صنعاء إلى المحادثات في الكويت، يمثل نقطة قوة بالنسبة لهم، على عكس حضور الشرعية من الرياض، وهذا في ميزان السياسة يرجح كفتهم كثيرا ويقدمهم كلاعبين ما يزالون مؤثرين في المسرح اليمني، من خلال سيطرتهم على العاصمة، واستمرارهم في السيطرة على البنك المركزي، ودفع رواتب الموظفين في عموم البلاد وحتى في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية، التي أخفقت في نقل المركز المالي إلى العاصمة المؤقتة عدن، ناهيك عن عدم الإقامة الدائمة فيها، وإدارة شئون الناس منها، رغم تحسن الأوضاع الأمنية فيها، وهو ما أضعفها كثيرا، ومنح الانقلابين القادمين من العاصمة صنعاء اهتماما اكبر.
-ضعف الشرعية:يعد ضعف السلطة الشرعية وتخبطها وافتقادها لإدارة حكيمة ومرتبة، من نقاط القوة لدى الانقلابين، إذ استغل الانقلابيون هذا الضعف الظاهر على أدى السلطة الشرعية، لتعزيز حضورهم الجماهيري، والشعبي، في شمال اليمن، وبدأ ذلك واضحا في المظاهرتين الحاشدتين اللتين أقامهما الحوثين، وحليفهم الرئيس المخلوع، في العاصمة صنعاء يوم 26مارس الفارط، حيث تمكنوا من خلالهما إرسال رسائل عديدة للداخل، والخارج، فضلا عن تواجد قيادة الشرعية خارج البلاد، وعدم تمكنها من العودة لإدارة شئون الناس من العاصمة المؤقتة عدن، إضافة إلى الخلافات التي عصفت بها منذ مدة وقادت إلى إصدار الرئيس هادي لقرار بإقالة نائبه خالد بحاح من منصبيه كنائب رئيس ورئيس حكومة، وهذا يدل على عدم وجود تجانس وتفاهم داخل السلطة الشرعية، وغياب الرؤية السياسية، التي يفترض أن يعملوا عليها لاستعادة الأمن، في المناطق المحررة، وتحرير ما تبقى من مدن، ومناطق يمنية، وقد ظهر هذا الضعف، والتخبط، واضحا للعيان، وهو ما سعى الانقلابيون لتوظيفه في صالحهم للحشد ضد السلطة الشرعية في شمال البلاد، ومنعها من تحقيق انتصارات كاملة، تعزز من حضورها هناك، إذ لم تتمكن السلطة الشرعية حتى الآن من إعلان انتصارها الكامل في أي محافظة من المحافظات التي يدور فيها قتال في الشمال، وهو الأمر الذي يبعث على التساؤل:هل فعلا نجح الانقلابيون في استغلال ضعف السلطة الشرعية لمنعها من تحقيق انتصار كامل في شمال البلاد، أم أن السلطة الشرعية لا تريد للحرب أن تنتهي، وتريد استثمارها لتحقيق أهداف خاصة بقياداتها؟
ثانيا:نقاط الضعف
مثلما كانت هناك نقاط قوة للفريقين المتصارعين، وبينا كيف يتم التفريط بها، أو استغلالها، فهناك أيضا نقاط ضعف سنحاول نتحدث عن أبرزها:
1-نقاط الضعف لدى الشرعية:للشرعية نقاط ضعف عديدة، كانت ظاهرة منذ فترة مبكرة، وتحديدا منذ قبل دخول الحوثين إلى العاصمة صنعاء، وحينها تم التحذير، والنصح، على أمل أن تتلافى الشرعية ذلك، غير أنها لم تأبه لتحذيرات، ونصائح المحللين، والمراقبين، وهو الذي أدى إلى سقوط العاصمة صنعاء في أيدي الحوثين، ووضع الرئيس، ورئيس الحكومة، تحت الإقامة الجبرية، وانفتاح شهية الحوثين لابتلاع البلاد بالكامل، لاسيما بعدما اطمأنت إلى تحالفها الوثيق مع الرئيس المخلوع، الذي وفر لها كثير من الدعم لتحقيق رغبتها في السيطرة على البلاد بالقوة العسكرية، ومن أبرز نقاط الضعف لدى الشرعية، كما سيتضح لاحقا.
-ضعف الإدارة:يحاول الرئيس هادي تقليد الرئيس السابق علي صالح في كثير من أمور وتدبير شئون الحكم، لكنه يخفق كثيرا، فيظهر كتلميذ قاصر الفهم لأستاذه الذي يعد بمثابة شيطان أبرق على حد تعبير بعض اليمنيين، وعمليات التقليد هنا تتم للمظاهر السيئة لدى حكم صالح والتي كانت سببا في اندلاع ثورتين ضده، الأولى في الجنوب في 7يوليو 2007 ،والثانية في 11فبراير 2011، وتمكنت من خلعه من الرئاسة واستبداله بنائبه الذي بات غير قادر على مغادرة موروث سلفه، ومع ذلك يخفق في التقليد، والنسخ، واللصق، بسبب ضعف إدارته المحصورة في الدائرة الضيقة من المقربين، فمثلا حاول الرئيس هادي اللعب بالمتناقضات، والأوراق السياسية لحماية نفسه، وتعزيز حضوره، منذ أول يوم تولى فيها السلطة، كما كان يفعل سلفه، لكن مع مرور وقت قصير جدا مقارنة بفترة السلف، بدأت تظهر النتائج السلبية لهذه اللعبة القذرة، وتبين أن أول ضحاياها كان هو الرئيس هادي نفسه، إذ اخفق الرجل في إجادة عملية اللعب بمهارة، وإتقان، فا اختلطت عليه الأوراق، والمتناقضات، فوجد نفسه محاصرا ومهانا تحت الإقامة الجبرية في منزله بصنعاء من ذات الجماعة التي ذهب لتهنئتها بانتصارها في عمران، والتبشير بعودة المدينة لحظن الدولة، حدث ذلك خلال فترة قصيرة جدا، والواقع أن إدارة هادي كانت إما تتصرف بغرور وتعال، وإما أنها إدارة ضعيفة، وغبية، لم تحسن قراءة المشهد السياسي بصورة واقعية، وصحيحة، وتحديد اللاعبين المحترفين الخطرين فيه، وهذا الافتراض هو الأقرب للصواب، كما اتضح في أمور كثيرة فيما بعد.
وبالإضافة إلى لعبة إدارة المتناقضات التي فشلت فيها إدارة هادي، كرست أيضا كل جهودها من خلال الإعلام، وعمليات الاستقطاب السياسي، لإدارة الصراع مع خصومها دون الاهتمام بشئون الدولة، وأمور البلاد، والعباد، الأمر الذي زاد الأمور تعقيدا في مختلف النواحي الأمنية، والخدمية، وأصبح الناس يتساءلون: هل فعلا نحن نعيش في ظل ثورة أم ثورة مضادة؟!
الأمر الأخر استنساخ عمليات الفساد من النظام السابق، وفي هذه العملية لم يبرع هادي وجماعته فيها، كما برع صالح وعصابته، فقد مورس الفساد بلا حشمة في ظل إدارة هادي، كما قال يومها الدكتور ياسين سعيد نعمان سفير اليمن في المملكة المتحدة، فظهرت إدارته، وبعض أعضاء حكومته، يمارسون الفساد بشراهة منقطعة النظير، فلم تسلم موارد الدولة، كما لم تسلم المنح الخارجية، من الفساد غير المحتشم، حيث قيل يومها أن معظم عمليات الفساد هذه اختفت في الثقب الأسود!!
حاول هادي أيضا تكريس السلطة في يده، من خلال منع الصلاحيات عن الحكومة، وتشكيل لجنة مصغرة في مكتبة، كحكومة مصغرة يشرف عليها نجله، غير أنه فشل في إدارة خلافاته مع حكوماته المتعاقبة، فظهرت الخلافات إلى العلن مع باسندوه، ومؤخرا مع بحاح، فإدارته لم تفهم كيف تدير خلافاتها بهدوء مع السماح للحكومة بالعمل في إدارة شئون الناس، فما فعلته هو تعطيل عمل الحكومات، وبالتالي إحداث فراغ كبير في البلاد ملأته الجماعات المسلحة المتطرفة، وهذه الأخيرة حاولت إدارة هادي اللعب بها، وتوظيفها، وفشلت فشلا ذريعا في عدن مؤخرا على وجه الخصوص.
ظهرت إدارة هادي بلا رؤية ولا مشروع عمل واضح للعمل في المدن المحررة، وهذا انعكس على الحكومة التي مزقتها الخلافات بين الرئيس ونائبه، ولا أظن أن لدى إدارته خطة لإدارة الحرب في المناطق التي تشهد قتال، وفي هذا الجانب يتم الاعتماد على التحالف العربي وقيادات المقاومة في الميدان، والتعثر في تحقيق نصر حاسم في مدن ومناطق الشمال يعود لأسباب عديدة، من أبرزها عدم وجود جدية، ورؤية، لدى الشرعية كما يبدو.
جاء هادي في مرحلة مفصلية هامة من تاريخ اليمن، مرحلة تفجرت فيها ثورات، وتطلع الناس بصدق، وحماس، للتغيير، وحظي بدعم كبير على كافة المستويات، لم يحظى به رئيس يمني على الإطلاق، لكنه لم يستغل كل هذا الدعم كما ينبغي لإعادة ترتيب البيت اليمني من جديد، وانزلقت البلاد في عهده إلى حرب أهلية مدمرة، ما تزال مستمرة، وأثارها سيكون لها انعكاسات سلبية على اليمنيين على المدى القريب، والبعيد، إذا لم يتم معالجة هذه الاثار، بنوايا صادقة.
-التواجد خارج البلاد:من نقاط الضعف عند الشرعية أيضا كما هو واضح، وجودها خارج البلاد، ولو أنها تواجدت في العاصمة المؤقتة عدن، وأعادت تنشيط عمل الحكومة منها، ونقلت المركز المالي إليها، وتمكنت من دفع مرتبات الموظفين، لكان الأمر أختلف تماما ولا اكتسبت قوة كبيرة على كافة المستويات، ولأسهم ذلك في إضعاف الانقلابين بصورة كبيرة جدا، غير أن ذلك لم يحدث، حيث ظلت الشرعية وقياداتها، وحكومتها، هاربة خارج البلاد، ولم تشارك الناس في استعادة الحياة وتطبيعها في المدن المحررة، ولا شاركت في قيادة المعارك من داخل البلاد.
2-نقاط الضعف عند الانقلابين:للانقلابين نقاط ضعف عديدة، لم تستغلها الشرعية، بصورة ذكية لتحجيم دورهم، وحضورهم، في شمال اليمن، لتحقيق انتصارات تساعدها على تقويضهم، وحشد الناس ضدهم، بل كما يبدو فرطت في ذلك، ومنحت خصومها فرصة للمناورة، وممارسة الصلف السياسي، الذي بات ينذر بتعقيدات كبيرة ستوضع كمعيقات أمام أنجاز مشروع الدولة اليمنية الاتحادية،ومن أبرز نقاط الضعف لدى الانقلابين.
-خروجهم من الجنوب:طرد الانقلابين من الجنوب، وتحرير الجنوب من التنظيمات المتطرفة، التي تخدم مشروع الفوضى، الذي يدعموه، يعد ضربة كبيرة للانقلابين، افقدهم توازنهم وقوتهم بصورة كبيرة، ومنح اليمنيين دفعة من الأمل بإمكان تحرير كامل التراب اليمنية منهم، إلا أن هذا الأمل، والحماس، الذي شعر به اليمنيين عند تحرير الجنوب، لم يستثمر بشكل جيد لمواصلة حشر الانقلابين في زاوية ضيقة، وتوجيه الضربات القاسمة لهم، والانتصار عليهم، فما حدث هو العكس، انكمشت الشرعية داخل بوتقة خلافاتها، وتركت جبهات القتال لأمراء الحرب دون تنظيم، وترتيب، في عمليات الدعم، فحدث أن ذهب الجيش الوطني لطلب الدعم والسلاح من الجماعات المسلحة المشاركة في المقاومة، والتي لا يعرف على وجه الدقة من يديرها ويشرف عليها، وهذه من أبرز الاحباطات التي واجهت أفراد الجيش الوطني في عديد مناطق، لاسيما في تعز، وبدأ للعيان كما لو أن قيادة الشرعية تعاني من معيقات داخلية نفسية، أكثر منها معيقات واقعية، وانعكس ذلك على أدائها في المناطق المحررة بصورة كبيرة، لولا أن قيادة السلطة المحلية في عدن ودولة الإمارات أنقذوا الموقف، وشنوا حربا على الجماعات المتطرفة واستعادوا الأمن والاستقرار للمدينة بصورة جيدة، ويعملون حاليا على حمايتها من خلال تحرير لحج، وأبين، وهما المحافظتان المتاخمتان لها من جهة الشرق، والشمال، والشمال الغربي.
وضعت الشرعية يدها على الجنوب ومناطق أخرى في الشمال، وباتت تسيطر كما تقول على 80بالمائة من المساحة، لكن كل ذلك لم يشفع لها بالعودة إلى الداخل لممارسة مهامها، واستغلال هذه النقطة لإضعاف الانقلابين على طاولات المباحثات للتسليم بالأمر الواقع.
-ضعف الحضور الشعبي:لن تؤدي الحرب التي شنها الانقلابيون على الشعب اليمني إلا إلى مزيدا من الكراهية لهم، وإضعاف حضورهم في الجنوب تحديدا، ومناطق مختلفة في الشمال، ولم يعد هناك قبول جماهيري لهم بسبب مشروعهم الطائفي، والامامي، إلا في مناطق نفوذهم التي يمارسون فيها الكبت، والإرغام، بحق المواطنين، وهذه نقطة ضعف كبيرة سيعاني منها الانقلابيون لفترات طويلة، وكان على الشرعية إملاء المساحات، والكتل الشعبية، التي قررت إفراغ حضور الانقلابين فيها، بحضور يعزز من تواجدها إلى جانب الناس، ويشعرهم بالأمان، والحماس، لمواصلة معركة التحرير، والبناء، غير أن الشرعية فظلت الابتعاد وترك هذه الفراغات لتملؤها الجماعات المسلحة، التي تخدم الانقلابين في أفعالها، كما حدث في المناطق المحررة.
والحال أن العالم يدرك ضعف الحضور الشعبي للانقلابين في مناطق عديدة في اليمن ذات كثافة سكانية كبيرة، بعدما تسببوا في هتك، وتمزيق، النسيج الاجتماعي اليمني، وان محاولة إعادة إنتاجهم في سلطة جديدة سيكون له ردود فعل غاضبة، لن تهدأ بسهولة، هذا المناخ الطارد للانقلابين في مناطق يمنية عديدة، هو بمثابة نقطة ضعف سيعانون منها كثيرا، وإذا ما استغلتها الشرعية فإنها ستحقق من خلالها مكاسب كبيرة ستعزز من حضورها على طاولة الحوار، استنادا إلى الإرادة الشعبية الكبيرة التي يفترض أنها تقف خلفها، وتدعم انتصاراتها، ضد الانقلابين، وهذا الحال هو ما ينبغي أن تظهر عليه الشرعية، أمام العالم لتنال الدعم الكافي.
ويمكن القول هنا أن الحوثين تورطوا بتحالفهم مع المخلوع، وهو أيضا تورط بتحالفه معهم،فالاثنان لهم ما لهم من نقاط الضعف، التي تضعفهم داخليا، وإقليميا، وربما دوليا عند بعض الدوائر.
سيناريوهات
من خلال ما سبق، يمكن الوصول إلى عدة سيناريوهات متوقعة، ويمكن اختصارها في ثلاثة سيناريوهات أبرزها:
-السيناريو الأول:فرض الحل بإحلال تسوية سياسية، بين جميع الأطراف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، دون الالتزام بتطبيق القرار الاممي، أو بنوده المتعلقة بتسليم السلاح والخروج من المدن والمؤسسات، وهذا الحل قد يحظى بدعم أمريكي، غير أنه غير قابل للتحقق وسيفشل.
-السيناريو الثاني:الاتفاق على الحل عبر الالتزام بتنفيذ القرار الاممي من قبل جماعة الحوثي، والاتفاق على تشكيل حكومة وطنية، تمثل فيها كل أطراف الصراع، على أن تقوم هذه الحكومة بتنفيذ القرار على الأرض، وفي هذه الحالة قد يعيق الانقلابين تنفيذ القرار على أنفسهم، وعدم توفر ضمانات كافية لقيامهم بذلك، وبالتالي يبدو هذا السيناريو غير قابل للنجاح، وقد يتم إحباطه.
-السيناريو الثالث:عدم التوصل إلى أي اتفاق، وانتهاء مؤتمر الكويت، دون أية مصالحه، وقد يضع الانقلابيون عوائق أمام إتمامها، من خلال اشتراطاتهم التعجيزية، وبالتالي العودة مرة أخرى إلى الحرب، وهذا الخيار هو الماثل حتى الآن، رغم أن اليمنيون يتطلعون للسلام، وإنهاء الحرب، وفي هذا الحالة لن يكون أمام الشرعية، والتحالف العربي،
إلا الحسم العسكري،لإنهاء الحرب،وإحلال السلام.