اليمن يرفض التجويع والتركيع

الشعب اليمني الذي جبل على حمل معاناته والتعايش مع الظروف التي فرضت عليه سياسيا، يثبت يوما بعد أخر قدرته على التحمل والصبر والكفاح وراء لقمة عيشه بشرف وكرامة مهما ضاقت عليه قساوة الحياة الدنيا وبخلت عليه أمزان السماء فثقته بالله الكريم الوهاب هي عزاءه في كل المحن والخطوب التي تقع عليه.

هكذا عاش على مدى التاريخ منذ وجد على الأرض اليمنية، وهكذا هو إيمانه دوما أن حاضرا أو مستقبلا والتاريخ حتى وان شوهه المحرفون قد أنصف اليمنيين وملأ صفحاته بالسير العطرة.. للقيم والأخلاق.. للبطولة والتضحية والفداء.. للكرامة والعزة والحضارة التي سطرها اليمنيون خلال حقب التاريخ القديم والمعاصر بأحرف من نور في وقت كانت كثير من الشعوب ترزح تحت نير التبعية والجهل والعوز وشظف العيش ودوما كانت اليد اليمنية ممدودة لجيرانها ومن هم خارج حدودها الإقليمية ومناصرة لقضاياهم بدون من أو أذى.

 

ولسنا هنا بصدد عرض فضائل اليمنيين ومواقفهم العروبية والإسلامية وما أكثرها ولكن من باب التذكير، كان إسهام الملايين من المغتربين اليمنيين بالجهد والعمل في مختلف بقاع الكرة الأرضية، وعلى وجه خاص إسهامهم في بدايات نهضة الدول الشقيقة في الخليج العربي ولازال عرق الآلاف منهم لم يجف بعد، رغم ما تعرض له الكثير منهم للترحيل أن تعسفا أو خدمة للسياسة وأمزجة الحكام للأسف، ناهيكم عن مواقف اليمن المنحازة لشعوب ودول الأمة العربية والإسلامية في المحافل العربية والدولية ولم يتوانى اليمنيون عن واجبهم، تحكمهم القيم والإنسانية لم يلجأوا يوما للانتهازية مقابل مواقفهم ولم يتدخلوا في شئون الغير أو يضمروا شرا لأحد بل ضربوا مثالا للحياد وحسن الجوار..

نعم هؤلاء هم اليمنيون وهذه سماتهم.. اليوم وقد ضاقت بهم المؤامرات ذرعا من كل اتجاه ووصلت بهم إلى ما هم عليه في الوقت الراهن من الصراعات والمخاطر التي تهدد وحدتهم الاجتماعية واقتصادهم وتقوض كيانهم نجد أيضا من يمعنون في إذكاء نار الفتنة بين فئات هذا الشعب العظيم ويساوم على كبريائه وتركيعه وإذلاله بغية التحكم في مصيره واستقلال قراره ويراهنون على سياسة التجويع بالحصار واستغلال النفوذ الإقليمي والدولي لتنفيذ مأربهم..

 

فأي قسوة يتعرض لها اليمن وأي سياسة ظالمة تنتهجها دول الجوار الشقيقة وبعض الدول الصديقة تجاه اليمن أرضا وإنسانا.. اليمن ليست شلة المنتفعين وليست القبائل المتمنطقين بالبنادق ومن تمدونهم بالة الموت وفتات موائدكم... اليمنيون هم أولوا بأس شديد أحفاد سبأ وحمير والأوس والخزرج أنصار الرسول الأعظم ومن حملوا مشاعل الفتوحات الإسلامية في كل بقاع الأرض وهم من شيدوا السدود والمدرجات والقصور والحصون والقلاع وهم من صنعوا السيوف والنصال واشتهروا بالمهند اليماني البتار واليمنيون من ركعوا (بتشديد الكاف) الغزاة والمستعمرين وجعلوا أرضهم مقبرة لهم وللطامعين..

 

فهل تظنون شعبا عريقا أصيلا كهذا سيركع أو بات لزاما عليه الاختيار بين التركيع والتجويع إذ لا خيار ثالث أمامه؟

يا سادتي انتم إذًا لا تعرفون الشعب اليمني جيدا.. فلا تجربوه ثانية وتختبروا صبره سيصبر حتى يمل الصبر من صبره لكنه لن يركع أو يقبل أن تجروه إلى شباك مؤامراتكم، سيتوحد عندما تضيقون عليه الخناق ويكتشف ما تضمرون له.. سينهض من جديد فالضربة التي لا تقسمه تقويه.. فلا تجربوه وتأخذكم العزة بالإثم.. التاريخ لا يرحم..

 

انتم بسياسة التجويع والتركيع التي تمارسونها على اليمن بحجة عزل جماعة «أنصار الله»، توسعون دائرة الكراهية لكم كما هي في العراق إلى الشام إلى ليبيا إلى اليمن وتتناقلها الأجيال ثقافة وحقدا عليكم حتى وإن كانت فئات من شعوب هذه البلدان.

سيصبح رهانكم خاسر وسياستكم عقيمة كما كانت بالأمس القريب عندما دعمتم النظام الملكي ضد الجمهورية في 62م وحصار السبعين يوما 67م ودعمكم لنظام الشمال ضد الجنوب في حروب المناطق الوسطى والحدود اليمنية - اليمنية وعندما أنهكتم اقتصادنا بطرد أكثر من مليون عامل يمني من أراضيكم عام 90م وعندما وقفتم مع الانفصال ضد الوحدة اليمنية عام94م وكان الشعب اليمني في كل مؤامرة عليه يلتئم من جديد ويتجاوز مشاريعكم الصغيرة والكبيرة.. لماذا لا تجربون سياسة المصالحة وحسن الجوار؟ لماذا لا تبحثون عن سياسة الشراكة وتعاملون اليمنيين كشركاء لا أجراء عندكم؟؟

الأبواب اليمنية مازالت مشرعة أمامكم لرأب الصدع بين الإخوة انتم من يجب عليكم ولوجها وسبر أغوار الأزمة اليمنية وحلها بفرض الحوار المحايد بين الأطراف اليمنية كخيار ثالث، هنا سيحترمكم الشعب بكل فئاته فانتم الاقربون لليمن.. نعم انتم إخوتنا في دول الخليج العربي ليست بريطانيا التي كانت ولازالت تنتهج سياسة فرق تسد بين الشعوب وليست أمريكا ولا فرنسا أو الغرب كله الذي يهدف للغاية بأي وسيلة ولو كانت على حسابنا جميعا.

 

نحن بوابتكم الجنوبية ونحن عمقكم الاستراتيجي ونحن سواعدكم الفتية وقت الشدة فلا تجنوا على 27 مليون يمني لمجرد أوهام ومخاوف صنعها الغرب ومخابراتهم كما يروجون للإرهاب وحولوها إلى صناعة وزينوها لكم لمصلحتهم ومصلحة شركاتهم ومصانع أسلحة الدمار التي يسوقوها لنا لنقضي على بعضنا البعض.

إيران التي تخشونها ليست على أرض اليمن وبيننا وبينهم انتم.. دولكم.. أراضيكم.. سواحلكم المترامية الأطراف...

 

مشروع الدولة الفارسية في اليمن لم يكتب له النجاح؛ إلا عند غزو الأحباش لليمن ولم يكتب له الاستمرار طويلا، فلا تعيدوا تجربة سيف بن ذي يزن مع فارس الأمس (إيران اليوم) بسبب تخليكم عن اليمن فنحن إخوة وأبناء عمومة مشروعكم النهضوي، هو مشروعنا ومصيرنا واحد جغرافيا وقواسم مشتركة كثيرة تجمعنا ما عدى الفقر الذي بلينا به، وانتم من ساهم باستشرائه بيننا بتخليكم عنا عقودا من الزمن بعد ثرائكم بنعم الله عليكم، وها أنتم تكررون المشهد اليوم وتصرون على استمرار سياسة الأمس حيث كان بإمكانكم انتشالنا من واقعنا ومساندتنا كما فعلت ألمانيا وفرنسا مع الدول الأوروبية الفقيرة المجاورة لها لأنها تؤمن بالتكتل والعمل الجماعي الموحد.

كان بإمكانكم احتوائنا بدلا من التفرج علينا والتعالي على فقرنا  وتكريس الفرقة بين شمال اليمن وجنوبه وشراء ذمم فئة من المرتزقة والخونة بأموالكم لزعزعة الأمن والاستقرار بدلا من تسخيرها للتنمية ومعاداة شعب بأكمله، فلا توسعوا الهوة بيننا وبينكم حتى لا تمتد للأجيال القادمة وتجعلوا خيارات اليمنيين وتحالفاتهم تذهب أبعد من إيران وروسيا والصين وانتم الأقرب لليمن.

 

بالأمس كانت بريطانيا المملكة التي لا تغيب عنها الشمس وأفلت كما أفلت قبلها الدولة العثمانية الكبرى والنازية الألمانية لكن اليابان والصين وكوريا والهند نهضت بعد دمارها فالشعوب لا تموت، وغدا مصر والعراق وسورية واليمن ستنهض من جديد ويقوى عودها وليس على الله ببعيد فدوام الحال من المحال.. هكذا هي سنة الله في الأرض.