شربة الزَلَّيْطْ

عبدالكريم الرازحي

ونحن أطفال ،كنا أثناء اللعب ،أو عندما نكون في طريقنا إلى المدرسة أو إلى سوق القرية نفاجأ بديدان تخرج منّا لا إراديا على هيئة خيوط تشبه خيوط المعكرونه .

كان منظر تلك الديدان – ونحن نشاهدها لأول مرة – يصدمنا ويتركنا في حالة من الرعب والقلق والحيرة.

لكن الأطفال الأكبر منا سناً كانوا يخففون من رعبنا، ومن وقع الصدمة علينا، ويقولون لنا – عندما نحدثهم عن تلك الحنشان التي تخرج من أدبارنا -: "لاتفتجعوش منها .. هِيْ زَلَّيْطْ".

أيامها كان الناس بالقرى يكافحون هذا النوع من الديدان بشربة اسمها : "شربة الزليط". كانت مياه الشرب ملوثه ، وكنا نشرب الماء من برك آسنة وراكدة لهذا كانت بطوننا منتفخة وممتلئة بالزليط ،وبكل أنواع الديدان.

أما اليوم فإن مياه البرك والمستنقعات الحزبية والمذهبية التي ننهل منها وينهل منها أولادنا وأحفادنا أكثر تلوثاً من مياه برك قرانا الآسنة . ثمة اليوم ديدان في بطوننا ، وصراصير في رؤوسنا ،وعناكب وعقارب في عقولنا وقلوبنا،ونحن أحوج ما نكون هذه الأيام إلى شربة أقوى ألف مرة من شربة الزليط ولكن من أين لنا هذه الشربة !.

في رواية ديستوفسكي "ملاحظات من تحت الأرض " يوحي لنا الراوي بأن بطل الرواية ليس إنساناً وإنما هو صرصار. ومن بداية الرواية يقول لنا الإنسان الصرصار: " إنني مريض.. مملوء بالقيح والنتن " نحن اليوم نشبه إلى حد كبير صرصار ديستوفسكي كلنا مرضى وكلنا ممتلئون بالقيح والنتن، بالزليط وديدان الكراهية .

*الزليط: ديدان الإسكارس.

*نقلا عن اليمن اليوم

مقالات الكاتب