إعادة الاعتبار للجنوب أولاً

 

 

تابعت الجزء الأول من الحوار الذي أجراه الشيخ الفاضل محمد العامري من قناة السعيدة مع الأخ المناضل محمد غالب أحمد عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني سكرتير دائرة العلاقات الخارجية للحزب ، حاولت مراراً الاتصال للمشاركة في النقاش لكنني لم أتمكن بسبب زحمة الاتصالات على الرقمين الظاهرين على شاشة التلفاز .

وقد سمعت العديد من الأسئلة المطروحة من قبل الشيخ محمد العامري والأخوة المتصلين على غرار سؤال مفاده : ما الذي يخيف الجنوبيين من وجود عدة أقاليم ؟ أو لماذا كان الاشتراكي ينادي بالتوحد على المستوى الأممي ما أمكن والآن يعود لرفض الوحدة حتى في إطار اليمن ؟ وغيرها من الأسئلة التي كنت أتمنى أن تتوجه إلى النخب الحاكمة في صنعاء الآن وفي السابق والمتربصين بالمصالح الخاصة حيث يقال لهم ما الذي يخيفكم من استقلالية الجنوب ؟ سواءً الاستقلال السياسي الكامل أو من خلال الاتحاد الثنائي للدولة ؟

أما أنا فسأعبر عن وجهة نظري في ضوء تلك المناقشات من خلال الصحافة بالشكل الآتي :-

1- الحزب الاشتراكي منذ نشأته في 63م كان وحدوياً حيث تكون في بداياته من 7 فصل سياسية من ضمنها فرع حركة القوميين العرب ، ثم عمل على توحيد كافة الكيانات الإدارية في الجنوب فجر الاستقلال في 30 نوفمبر 67م في إطار دولة واحدة أصبحت لأول مرة عضوه في هيئة الأمم المتحدة وكافة المنظمات والهيئات العربية والدولية التي لم تكن تلك الكيانات عضوةً فيها من قبل ، ثم جاءت عملية توحد فصائل العمل السياسي الرئيسية الثلاثة في الجنوب ثم توحيد فصائل الجنوب وفصائل الشمال وانتهاءً بتوحيد الدولتين في 22 مايو 90م .

 لكن الممارسات التي جوبهنا بها من قبل الطرف الآخر الذي مثّل ( ج ع ي ) جعلتنا نكره أي توحد مع أي جهةً نظراً لانعدام المصداقية .

أما وقد ضربت الوحدة في حرب 94م فلم يعد لها وجود وهذا يعني انه لابد من وجود عقد اجتماعي جديد بين طرفين مختلفين ومتناقضين كحقيقة لابد من الاعتراف بها وعدم المكابرة .

2- إن الجنوب الذي تعرض للعدوان والسلب والنهب ودمرت مؤسساته وبنيته الاقتصادية وتراثه وتاريخه وهويته السياسية وتعرض سكانه للتهميش والإقصاء والإفقار والقهر قد أصبحوا فاقدي الثقة بمن حولهم حتى ببعض النخب من أبناء الجنوب الذين لا يستطيعون العيش في واد غير ذي زرع المأسورين لسياسة بعض الأحزاب . لكل هذه الأسباب  فأنهم لا يرون أي حلول   تعيد لهم الاعتبار إلا بالعودة إلى نقطة البداية والاعتراف بأن هناك كانت دولة ولابد من استعادتها .

3- صحيح أن المكونات الحراكية تختلف في تكتيكاتها لكن قاسمها المشترك هو استعادة الدولة ، وهناك فروع أحزاب وتنظيمات في الجنوب تختلف مع الحراك ومع بعضها في الموقف من القضية الجنوبية لكن العامل الحاسم الذي يعوّل عليه في تحديد خيارات الحل هي تلك الهبّات  الجماهيرية الشعبية والمليونيات المتتالية التي تجمعها عدالة القضية الجنوبية ولا تجمعها فقط تكتيكات المكونات والأحزاب .

4- إن أقل ما يمكن أن تعالج به القضية الجنوبية هو إعادة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية وعمالها وموظفيها وقادتها وإنهاء كافة المظالم والتعويض المجزي عن الحقوق وسرعة الشروع ببناء دولة اتحادية من إقليمين بضمانات دولية ، علماً بأن الدولة الاتحادية تختلف كثيراً عن الدولة الفيدرالية ، فالاتحادية هي بين دولتين أو أكثر وبشكل ندّي ، أما الفيدرالية فتكون في إطار الدولة الواحدة متعددة الطوائف والقوميات ولا تعامل بالندّية بل تعامل بحسب الكثافة السكانية لكل إقليم ، وهذا الشكل

 لا ينطبق على اليمنيين بل أن من يطالبون به هم أولئك المتحفزون لطمس هوية الجنوب وتاريخه وتراثه والعبث بثرواته .

5- إن فكرة التداخل في المكونات الإدارية أثبتت التجربة فشلها على مستوى المديريات والمحافظات وتسببت في خلافات كثيرة تتعلق بالوظائف والمواقع القيادية والمشاريع والمنح والترشيحات لأي انتخابات . فمحافظة الضالع مثلاً تكونت من 5 مديريات من م / لحج و3 من م / إب ومديرية واحدة من كل من م / تعز و م / البيضاء ، هذه المحافظة وضعها الإداري والسياسي لا تحسد عليه وقد تسببت هذه الحساسيات بنزع الثقة المتبادلة بين مواطني هذه المديريات التي كانت قائمة قبل مايو 90م ، ثم نتساءل عن وضع مديرية مكيراس ضمن م / البيضاء أو وضع مديرية المقاطرة ضمن م / لحج ، وهذا كله يتنافى مع المبادئ التي يجري الحديث عنها  في مؤتمر الحوار والخاصة بمراعاة الإرث التاريخي والتقاليد والعلاقات الاجتماعية والظروف الاقتصادية وسواها .

ثم أقول للقارئ العزيز إن التقسيمات الإدارية التي جرت بهدف أزالت آثار التشطير كما سمونها إنما هي من باب العبث والعشوائية والفوضى ، أما آثار التشطير فهي في قلوب الناس ومعاملاتهم وهناك في المناطق التي كانت أطراف ما هو أهم وأفضل من المزج الإداري وهي عمليات التزاوج والمصاهرة والاشتراك في الماء والمرعى منذ ما قبل مايو 90م ولا يحتاج الناس إلى مزج إداري ووجع قلوب ، ولعل وضع جزيرة ميون أنموذجاً لهذا العبث المسمى ( المزج أو التداخل ) حيث تقع الجزيرة على ساحل منطقة السقية في مديرية المضاربة م / لحج وفي الانتخابات البرلمانية تعتبر مكملة للدائرة 23 بالمعلا م / عدن وإدارياً تم ضمها مؤخراً إلى مديرية ذباب م / تعز فهل هذا وضع طبيعي أم من العبث غير المبرر ؟ لكن ما هو طبيعي فعلاً ومنطقي أن اليمنيين كونهم مواطنين من الشمال أو الجنوب لا يستطيعون الاستغناء عن بعضهم سواء كانوا في إطار دولة اتحادية أو دولتين مستقلتين وتجمعهم مصالحهم الخاصة المتبادلة ولا يحتاجون لمن يجمعهم بالقوة .

6- العالم كله كان حتى مايو 90م يتعامل معنا بمسمى ( يمنين ) وليس يمن واحد وهو اليمن الشمالي و اليمن الجنوبي وليس بمسمى جنوب اليمن و شمال اليمن ولم يحصل في التاريخ القديم والحديث أن كانت اليمن دولة واحدة ، فهذا الاسم ( يمن ) يشمل كل المناطق الواقعة يمين الكعبة المشرفة في إطار تسميات ( اليمن ، الشام ، المغرب العربي ) فهل يحق للمملكة المغربية مثلاً أن تدعي بأن تونس والجزائر وليبيا هي جزء من المملكة بحكم التسمية ؟ ثم إننا نحن اليمنيون بعواطفنا كنا قد أسميناها ( الشطر الشمالي والشطر الجنوبي ) وكأننا نعيش في بلد يقسمه النهر أو البحر إلى قسمين ، لكن العواطف لا حكم لها لأن الشهيد الراحل ياسر عرفات رحمة الله عليه قال في ميدان الحبيشي في عدن يوم 30 نوفمبر  89م بكلمات العاطفة ( إنها اللُحمة بين الشطر الجنوبي والشطر الشمالي وسيكون ثالثهما الشطر الفلسطيني ) هذه هي العاطفة التي لم تصبح قانوناً ، فما بال الذين يرعدون ويزبدون ويتوعدون بالقتال دفاعاً عن وحدة اليمن التي هم من قضى عليها . وبالمناسبة فإن اسم اليمن كان قد انقرض قديماً وحلّت محله أسماء الدويلات الصغيرة المتناحرة حتى نهاية الحرب العالمية الأولى بعد هزيمة الأتراك دولياً وانسحابهم من اليمن  أسندت قيادة مناطق الشمال لبيت حميد الدين وسمّيت المملكة المتوكلية اليمنية ، وفي الجنوب أُعيد إحياء اسم اليمن في 30 نوفمبر 67م حيث سميت الدولة المستقلة ( جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ) .

7- ثم أن سؤال من الشيخ محمد العامري جدير بالإجابة عليه وهو : ما بال الحزب الاشتراكي الذي ساهم بفعالية في تأسيس الحراك الجنوبي اليوم يبتعد عنه ؟ أقول للشيخ محمد وللقارئ الكريم أن أعضاء الحزب الاشتراكي في محافظات الجنوب لا يزالوا في قلب الحراك لكنهم لا يبحثون على القيادة أو الظهور ، حيث لا يوجد أي مكون من مكونات الحراك إلا وفيه عدد كبير من أعضاء الحزب بما فيهم المقعدين قسراً مدنيين وعسكريين وأمنيين ونحن نقف على مسافة واحدة من كل المكونات وندعوها لمزيد من التقارب والتعاضد .

                                   عضو اللجنة المركزية للاشتراكي       

مقالات الكاتب