ما عرفتنيش!

ما كتبته، أمس، مجرد رثاء لفقيد (الثورة) التكنولوجية "موبايلي"، الذي ضاع وعشت لأسابيع تائهاً وخارج نطاق التغطية أردد مع كاظم الساهر أغنية "رن، رن، رن.. رن وريحني".. غير أن ساعة الملكة فكتوريا الخربانة في عدن- منذ دهر- رنَّت، وموبايلي الفقيد ظل صامتاً مثل نائب غبي في البرلمان!

كان موبايل طيب وابن حلال، وسبب لي كثيراً من المتاعب في الحياة، بينها أنه كان مأمور ضبط يسلمني بسهولة لغريم أكون هارباً منه أصلاً و(أنقفش)كأرنب في فم نمر.

شريحة الموبايل ذاكرة بلا مرؤة عموماً، ولا ينبغي الاعتماد عليها.. كما والهاتف نفسه صديق سيئ، وأسوأ منه صاحب الرنة الواحدة!

لا يكفي أن تستعيد رقمك من شركة الاتصالات وتشتري جوالاً جديداً.. لازم تعمل إعلان نعي في التلفاز، عشان اللي يعمل رنة أو يتصل بك ويتحدث إليك يعرف أن شاشة موبايلك غدت بكراً ويصعب عليها التعرف على المتصل.

كما وأن مشكلة هبله لدى البعض، إذ يتصل بك، وحين تسأله: من معي لو سمحت؟ يقلبها حصة عتاب سخيفة ويرد عليك بحنق: ما عرفتش صوتي! لكأن أم كلثوم هي التي هاتفتك لتتعرف على الصوت سريعاً؟!

وكله كوم واللي يتصل بك وتقول له: من معي؟ يقلك: الله المستعان، ما عرفتنيش!

يعني لازم تصيح: عفواً يا أبو الطيب المتنبي جوالي انسرق! أو عفواً "يامدام كوري" الأرقام كلها ضاعت عليّ؟!

عندنا مشكلة اعتبارية في الذات.. مشكلة مرتبطة بعجزنا الدائم فيما يتعلق بتقديم أنفسنا، إذ نبحث دائماً عن وسيط يعرِّف بنا (هذا فلان)، ومؤخراً أصبحت شاشة الموبايل هي الوسيط الذي أن لم تعبره ستخرب مالطا!

أحتاج لوقت طويل حتى أستعيد ضماري المعنوي "الأرقام" التي ضاعت مني، غير أن شيئاً مريحاً يحصل حال أن تفقد جوالك. أنك تهدأ وتستكين.. خصوصاً عندما تضيع منك أرقام لأشخاص اعتقدت دائماً أنهم مُهمون بالنسبة لك، وكنت تضطر- بين حين وآخر- لأن تجاملهم، لكنهم طلعوا "ناس فالصو"، ولا يستحقون منك حتى أن تقول لهم (عيد سعيد).

[email protected]

*اليمن اليوم

مقالات الكاتب