جيش من المختلين عقلياً

أتابع المشهد المصري وفي القلب ألف حسرة على معاناة أفراد الجيش اليمني، ولا أجد مبرراً لإغفال مختلف القوى السياسية والمدنية معاناة الجيش وتحديداً أفراده والاكتفاء فقط بمصير جنرالات الصراعات السياسية والمناطقية المهيمنة على تركيبته والتعويل على هيكلة لم نجد لها أثراً ملموساً على الواقع.

في نقطة عسكرية تشبه الى حد كبير نقاط ينصبها قطاع الطرق، استوقفني مشهد قبل أيام لعدد من أفراد جيشنا الجائع تقافزوا لتقاسم وجبة إفطار وقليل من الكدم الجافة اختفت في ثوان معدودة.

مشهد مهين جداً، إذ لم أجد فرقا بين معاناة حماة الوطن، ومهمش يسكن علب الصفيح في ضواحي احدى المدن، فالمهمش محصلة لموروث تاريخي في المجتمع، بينما أفراد الجيش بفعل سياسات أنظمة حكم متعاقبة، على الرغم من المديح الكاذب الذي كنا وحتى الآن نسمعه من قادتهم «حماة الوطن، الأبطال، البواسل، الميامين».

أتذكر قبل عامين قصة إطلاق نار من قبل أحد الجنود في إحدى الوحدات العسكرية بعدن، تبين لاحقاً ان نوبة نفسية مفاجئة داهمته وأفقدته توازنه، وأجزم ان نحو 50% من أفراد الجيش اليمني يعانون أوضاعاً نفسية سيئة ومتفاقمة نتيجة عدة عوامل أهمها غياب المؤسسية في الجيش وتدني الأجور والتعامل السيئ من قبل القيادات العسكرية، وسوء التغذية والفراغ القاتل وفقدان الأمل بسبب غياب التدريب والتأهيل وانعدام الطب والتأهيل النفسي والمعنوي داخل الوحدات العسكرية، الى جانب محصلة تراكمية من تداعيات الحروب والنزاعات والصراعات وأخيراً استهداف القاعدة والمليشيات المسلحة لأعداد كبيرة منهم.

لا أحد يعرف حتى اليوم أعداد الضحايا من أفراد الجيش تحديداً، خلال حروب صعدة وما شهده البلد خلال الخمس السنوات الأخيرة الى جانب ضحايا حرب أبين، وبالضرورة أعداد حالات الهستيريا والاختلالات العقلية والأمراض النفسية المترتبة عن كل ذلك.

رمت تداعيات حروب صعدة الكارثية بأعداد هائلة من الجنود المختلين عقلياً في شوارع المدن اليمنية، وأتذكر إشارات كثير من البسطاء عند مصادفتهم مختلاً عقلياً «انه من مخرجات أكاديمية صعدة العسكرية».

كثير من المواطنين وتحديداً من التحقوا بـ«خدمة التجنيد الإلزامي» يعرفون من اين خرجت هذه الكلمات «ياجربوع، ياوبش، ياتنك، ياطرطور، ياحيوان، يالغجة، ياعجعجي، يا ضفعة» لتنتقل الى المجتمع بعد ذلك، وهي جزء من كورس طابور الصباح داخل المعسكرات.

على مدى سنوات طويلة أصبح لـلجندي صورة نمطية بين أفراد الشعب، فهو «ربيبة إبليس في الشر» وللأذى فطن» وحتى القوى السياسية تتعاطى مع الجيش استناداً الى ثقافة تاريخية «عكفي، حافي، قائم» بالخطاط و«التنافيذ» ولو ان لدينا قوى سياسية حية وشعب حي لما أفلت على سبيل المثال «الجنرال» مهدي مقولة من محاكمة عسكرية نتيجة ما اقترفه بحق قرابة 200 جنديا سلم رقابهم للعصابات الإجرامية في مارس 2012 بمنطقة دوفس على سبيل المثال فقط.

المؤكد ان الطب النفسي نشأ وترعرع داخل مؤسسات الجيش وفي هذه المرحلة الحرجة أدعو فريق هيكلة الجيش الى تشكيل لجنة من خبراء الطب النفسي لدراسة وتقييم وحصر آثار الصراعات والنزاعات والمعاناة النفسية والمعنوية المتفاقمة دخل وحدات الجيش المختلفة وتحمل المسؤولية الكاملة في ايجاد هيكل يشمل «الطب والتاهيل النفسي» في مختلف الوحدات، حتى لانستفق ونحن المشغولون بــc.c الجيش المصري، على جيش من المختلين عقلياً.