صراعات حمقاء

 

ترعبني الأصوليات أينما كانت، ترعبني أصولية المؤتمريين والاشتراكيين والإصلاحيين والسلفيين والناصريين والبعثيين والليبراليين أيضاً؛ فيما ترعبني أكثر من أصولية هؤلاء أصولية الحوثيين «الاصطفائية» بالذات.
أقصد؛ ترعبني كل الأصوليات الحاصلة بمختلف مستوياتها اليوم جرّاء نمطيتها التقليدية في تصوّر حاضر ومستقبل الوطن والشعب عموماً، وليس بوعيها الديني القاصر والمتخلّف فقط.
فالأصوليات السياسية صارت أشد خطراً في رأيي من الأصوليات الدينية، بحيث يُفترض من السياسة في واقع معقد كاليمن وبإرث سيئ رهيب كما نعرف ترشيد وتجفيف أصولية الوعي المذهبي أساساً، لا التأثُّر بهذا المزاج الإقصائي المرير والعمل في إطاره أو بذات خصائصه الغابرة.
ثم إن الأصولية كمسار فكري مغلق لا يستوعب التحوّلات، تمثّل أكبر إشكالية أمام نجاة حلمنا الجمعي بمواطنة متساوية كما في وطن حقيقي للجميع.
كذلك فإن تشدُّد الأصوليات في المسائل السياسية والمذهبية على سبيل المثال، ينعكس سلبياً على المسألة الاجتماعية، ويؤثّر جداً بضغوطاته اللا وطنية على إيجابية استمرار تشبثنا المعاند بالحلم الوطني، رغم كل الإعاقات التي من هذا النوع، ما يؤدّي في حال استمرارها المأفون أيضاً إلى إجهاض مشروع تكتُّل الجهود الحلمية الوطنية في اتجاه تحقيق نهضة الوطن والشعب.
غير أننا هكذا كنّا نفشل مراراً للأسف، خاضعين لإرادة مثل تلك الأصوليات في الأنانية السياسية أو الثيوقراطية الدينية أو تأثير التخلُّف الاجتماعي على مجمل وعينا بالتحرُّر والتقدُّم والسلام؛ فبدلاً من أن نصبح كيمنيين كتلة حلم واحد، خصوصاً في عز اللحظة الموضوعية التي تفرض ذلك على الجميع، أخاف أن نعود إلى كوننا مجرد أطراف متناحرة مازالت تداوم على تأجيج وتغذية صراعاتها الحمقاء التي لا تجدي شعبياً ووطنياً، بينما لم تضمحل فيها أحاسيس المشاريع الصغرى لصالح المشروع الوطني الكبير بصفته الضامن الأوحد في هذا السياق لمستقبل مدني يمني مأمول، كما من شأنه هو فقط في حال تحقُّقه أن يجلب لكل اليمنيين الشرف اللائق.

 

مقالات الكاتب