هل سينجح الحوار في اليمن؟

 

عندما تسأل أي عضو في الحوار الوطني الشامل عن الحوار يقول لك: يكفي أننا نلتقي جميعاً ويجلس بعضنا إلى بعض الإصلاحي والسلفي والحوثي والحراكي والمؤتمري والاشتراكي والناصري والبعثي, وهذا شيء طيب. هذا مايقال, لكن مانلمسه على طاولات الحوار يوحي بأن الحوار الوطني لم يتجاوز نقطة الانطلاق أو نقطة البداية.
ولست بحاجة للقول إن الجميع يتحدثون عن نجاح الحوار الوطني, وأنا أتمنى أن ينجح لكي يحرر الشعب اليمني من الخوف, لكنني لست متفائلاً ولست مضطراً لأوهم نفسي باستنشاق الورود البلاستيكية عوضاً عن الورود الحقيقة. لقد تحول مؤتمر الحوار إلى لجان لتقصي الحقائق ووقفات احتجاجية, والكل توقف عند الماضي رافضاً الذهاب نحو المستقبل أو تقديم المعالجات والحلول. أضحى جمال بن عمر هو المحرك لجدول أعمال المؤتمر وهو الذي يحدد من يدخل المؤتمر ومن لايدخل, يقوم برحلات مكوكية إلى القاهرة ودبي للقاء بأقطاب المعارضة في الخارج, لكنه لايطلع أحداً على نتائج هذه اللقاءات.
الحوار يحتاج إلى طرفين, لكن المتحاورين في اليمن أطراف عدة, آمنت بالشكل ولم تؤمن بالمضمون. الحوثيون يطالبون بالاعتراف بأن حسين بدر الدين الحوثي كان على حق, والإصلاحيون يريدون تحميل المؤتمر كل مصائب اليمن والاشتراكيون ليس لديهم مشروع لذلك فهم يتبنون شعارات الشارع ويلاحقون الشعارات المتطرفة حتى يحافظوا على تواجدهم في قيادة الشارع. وعلي سالم البيض يحرض الأولاد القصار الذين لم يتجاوزوا السادسة عشرة من العمر ليمنعوا الناس من فتح محلاتهم التجارية تحت مسمى العصيان المدني ويعرضون أنفسهم للأذى بينما الكبار يعيشون في الفنادق الفارهة. ولاننسى تجار السلاح وأمراء الحرب الذين يفجرون أنابيب النفط وأبراج الكهرباء ويقطعون الطرقات والتشجيع على مزيد من الإرهاب.
إذا أرادت القوى السياسية أن ينجح الحوار, فعليها أن تتجاوز الشكل وتتمسك بالمضمون. فالحوار لابد له أن يقدم الحلول والمعالجات حتى لانقع في الأخطاء مرة أخرى, ولابد أن يكون الإصلاح السياسي لمصلحة جميع الأطراف, وليس لطرف على حساب طرف, وكيف يكون حواراً إذا أقصيت منه أطراف أو غبن حقها.
لقد قلت منذ فترة بعيدة ماذا يفيد أحزاب اللقاء المشترك إذا كسبت رأيها وخسرت الوطن. وهاهو اليوم الوطن يتعرض للتفكيك والتمزيق. وقد اعتمدت هذه الأحزاب ومعها الحوثيون في إعادة التركيب الجغرافي على العنف والإكراه, معتقدين في ذلك أن أحد أوجه رؤاهم الجديدة إمكانية تفعيل بنية السلطة الجديدة عن طريق الفيدرالية, وعليه فإن تفكيك الدولة وتمزيق الوطن تحت وهم توحيده والانتقال به إلى مرحلة الدولة المدنية سيواجه بحالة هلامية الدولة، يصعب معها بناء نظام سياسي, ولاسيما في حالة غياب البنى المؤسسية. لقد ساهمت أحزاب اللقاء المشترك وشركاؤها من القوى التقليدية في تفكيك الدولة في إحدى مراحل تاريخ بنائها, ولن يكون بمقدور هذه القوى إعادتها وفقاً لغايات مدنية حداثية كما تشير خطاباتها المعلنة إذ تعطي هذه الخطابات دلالات خاطئة مضللة حول مسألة الحرية والديمقراطية وسيادة مفاهيم الدولة الحديثة. إن الأكثر احتمالاً في حالة غياب مفهوم الدولة الوطنية ومؤسساتها هو سيادة حالة عدم التوازن في المكونات الرئيسية للدولة في المدى المنظور. تقف الأحزاب السياسية اليمنية جميعها أمام مفترق طرق وأمام أزمة هوية شديدة خصوصاً عندما تطالب باتخاذ موقف حاسم إزاء الوحدة الاندماجية. لقد وقعت كل الأحزاب دون استثناء في تناقضات خطيرة, فالبعض رجع إلى الوحدة الفيدرالية والبعض إلى وحدة الأقاليم. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد, بل إن هذه الأحزاب لاتمتلك رؤية أو برنامجاً سياسياً يبين كيفية الحكم.
إن التسابق على تقديم مشاريع تفكيكية يدل على جهل هذه الأحزاب واعتقادها أن الدولة الفيدرالية أو الاتحادية هي الخطوة الطبيعية, لكنهم يتجاهلون أن الصراع في اليمن هو صراع على السلطة والثروة, فهل سنحل هذا الصراع بمجرد إعلان الفيدرالية أو الدولة الاتحادية؟
إن المسكونين بهوس السلطة يريدون الوصول إليها من خلال العنف والإكراه, وهم يؤمنون بأن هذه الحقيقة وليس تلك الناتجة عن فعل العقل البشري, وإذا كانت اليمن تتعرض لقوى التفكيك, فليس بالضرورة أن يتولد عن ذلك توازن جديد لصالح غايات حزبية وسلطوية, فالمكون الوحدوي للمواطن اليمني ذو جذور عميقة في التكوين المجتمعي, وإذا كانت غاية الأحزاب تحويل الصراع بين الأحزاب إلى داخل الوحدة وإذكاءه فيها من خلال تراجع الفكر الوحدوي وتنامي النعرات المناطقية والطائفية, فإن قراءة متأنية للتاريخ تؤكد أن الوحدة ستظل قائمة في نفوس الناس, ولن ينسى هؤلاء أن الذين وقعوا على الوحدة هم الذين ينادون بفك الارتباط والذين ناضلوا من أجل الوحدة هم الذين يناضلون اليوم من أجل تمزيقها.
وبالعودة إلى الحوار فإن ماسبق من حديث عن الأحزاب السياسية يسلط الضوء على تفكير هذه القوى وكيف تتعامل مع متطلبات الحوار, ومع ذلك يمكن القول إن نجاح مؤتمر الحوار لن يكون صعباً إذا قدمت القوى السياسية مصلحة اليمن على الولاء الخارجي. ليس صعباً أن نبني تنمية في هذا البلد الذي يمتلك كل المقومات البشرية والجغرافية والسياحية والزراعية والثقافية والاقتصادية. وتخيلوا لو أننا أنفقنا ماأهدرناه في العنف والكراهية منذ 2011م على البناء والتنمية والتسامح, كيف سيكون الوضع, ماذا لو أن القوى السياسية لم تتكيف مع الجهل ولم تنطلق من قول العربي في الماضي: ونجهل فوق جهل الجاهلينا.. لاشك كان الوضع سيكون أفضل من ذلك, خاصة إذا وضعنا أساساً تعاقدياً لحيازة السلطة..