رقصة الإغواء و تداعياتها والمتساقطون على أنغامها

 
 
 
إن ما يطلق علية "الحوار الوطني" هو بمثابة مهرجان احتفالي استغفالي و محاولة بائسة لوأد الثورة الجنوبية بطقوس وشعار الوحدة أو الموت, وان هُذّب, فاختزال القضية الجنوبية في مطالب حقوقية ما هو إلا تسطيح متعمد وتبسيط لقضية اكبر ألا وهي وطن مسلوب وهوية يتم تغييبها قسراً تلبية لجشع المتنفذين في صنعاء, فالاستخفاف بعقول أبناء الجنوب و إهانة تفكيرهم بتخريجات معرّاة أصلاً لن يجدي نفعاً, فشعب الجنوب سريع في اكتشاف مكامن الخلل التي تعوق تقدمه نحو أهدافه وأيضا سريع في إيجاد الحلول الناجعة لذلك, لذا نرى المكاسب العظيمة التي حققها سلمياً خلال الفترة القليلة الماضية جعلت من قضيته وثورته التي صُقِلت بدماء الشهداء والجرحى, محل اهتمام المجتمع الدولي اليوم.
أن المال الملوث ينخر اليوم في أحلام انبثاق دولة يمنية مدنية وديمقراطية من الداخل كما نخر سابقا في جسم الوحدة حتى أفناها, واعتقد أن اللقاءات والمؤتمرات التي تعقد هنا وهناك لبعض القيادات الجنوبية بحجة تقريب وجهات النظر لحل القضية الجنوبية ما هي إلا تمهيداً لمشاركتهم في الحوار اليمني الذي يهدف لإضفاء طابع الشرعية لاستمرار احتلال الجنوب بمباركة أبنائه وإلحاقهم "كتعزيز" لمن سبقوهم لطاولة حوار صنعاء بعد ان اكتشف رعاة المبادرة الخليجية ان من ادّعوا تمثيل الجنوب لا ثقل لهم في الشارع الجنوبي وإنهم اضعف بكثير من ان يمثلوا الجنوب.
تحدثنا مراراً وتكراً, وقلنا انه من الغير المنصف ان يتم التشريع لظلم شعب الجنوب عبر حبكات و تقارير مغلوطة لحسابات ضيقة, وكأن القضية برمتها تتعلق باضطرابات داخلية ولا علاقة لها إطلاقاً بشيء اسمه استمرار احتلال ارض وقهر شعب, لذا اعتقد ان الحوار المطلوب لحل قضية الجنوب والخروج من المأزق الإقليمي, له شكلاً واحداً ولوناً واحداً وهو أن يكون حواراً ندياً "نداً بند وثقلاً بثقل" بين الجنوب والشمال أي بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية وبرعاية وضمانة إقليمية ودولية وتحديد سقفها الزمني على ان تنأى الجهات الراعية والضامنة بنفسها عن الانحياز للظالم ضد المظلوم و تتخذ موقف الحياد والموضوعية عند معالجة الأمر, وعدى ذلك ستكون العواقب وخيمة ومروعة للجميع ولن تستثني احد بعد ان باتت الهوة بين الشمال والجنوب أكثر اتساعاً و"ما أشسع الفرق وما أوسع البوْن بين الاثنين"ويعود السبب لساسة "السلف والخلف" معاً, حتى أضحت لا تقاس بالفترة الزمنية من سنة 94 م بل تقاس مجازا بالسنوات الضوئية, ورغم كل ذلك مازالت الديناصورات المتكلسة تتحدث عن ضرورة تجذير الوحدة والحفاظ عليها بعد كل ما حاق بالجنوب من ظلم منذ 94 وحتى يومنا هذا. 
لقد أثرت حرب 94 م وما تلاها من أعمال وأفعال مشينة اقترفت بحق الجنوب, على أسس التعايش بل وبنيت على أساس ذلك عدم إمكانية خلق فضاءات للتسامح والحوار في إطار وحدة 90م، إذ أدت إلى انقسام واضح ولّده القهر الاجتماعي بعد ان سادت سياسة المنتصر في تلك الحرب، وأمعن ساسة صنعاء وتطبيل البعض من أبناء الجنوب المستفيدين من ذلك الوضع في خلق وضع لا يطاق, استمر حتى يومنا هذا ولازال, وهو ما أدى إلى قتل أي أمل في الانفراج وهو ما ساعد على خلق التباعد ونمو الكراهية, ومما زاد الطين بله هي النكث بالعهود التي لم يعتد عليها أبناء الجنوب, التي عدوها عادة كريهة ودخيلة على مجتمعهم مما عمق عدم الثقة في صنعاء وكل ما يأتي منها أو عبرها, خاصة وان التغيير لم يشمل سوى عدة أفراد, أما رجالات المكر والخداع فمازالوا يتصدرون المشهد, ويبقى الحال ذات الحال ويظل أبناء الجنوب يرددون "كيف أعاهدك وهذا أثر فأسك".

مقالات الكاتب