الصبر من (المبعدين) والوفاء من (اللجنة) ..!

أفرزت حرب صيف 1994م آثار سلبية قاتلة على الجنوب أرضاً وإنساناً وثروةً .. فجرى تدمير كل ما له صلة بنظام ما قبل الوحدة من مؤسسات قطاع ومصانع حكومية وغيرها تحت مصطلح (الخصخصة)، وجرى تسريح قسري لعمالها وموظفيها، وإحالتهم للتقاعد المبكر، وإلى ما يسمى بـ(صندوق الخدمة) وشعروا بالامتهان أن حقوقهم سلبت، وإنهم مظلومون ومحرومون من الدرجات الوظيفية المستحقة ومن العلاوات وغيرها من الحقوق الأخرى المكتسبة .. كما فككت المنظومة العسكرية والأمنية وجهازها الإداري ووجد العسكريون والأمنيون أنفسهم في الشارع – لا شغل ولا مشغلة– اللهم من (بدلة عسكرية) معلقة في جدار المنزل و (رتبة عسكرية) تكلل جانبي صاحبها بعد أن أخذت لها صورة فوتوغرافية ووضعت على جدار البيت للذكرى والتاريخ، تتحدث عن عهدٍ ولى ومضى .. فهل يعاد للجنوبيين من مدنيين وعسكريين وأمنيين، المبعدين من أعمالهم (قسراً) حقوقهم الوظيفية، ومنحهم الامتيازات والعلاوات والدرجات التي حرموا منها طوال كل هذه السنوات، وهل هناك من سيتم إعادتهم إلى وظائفهم ؟!

أترك الآن الإجابة على هذا السؤال، إلا إنني أود أن أشير إلى إنه سبق وأن شكلت العديد من (اللجان الرئاسية) لمعالجة هذه القضية، منذ أن بدأت الاحتقانات في الجنوب عندما شكلت جمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين وبالذات ما بعد عام 2000م، وكان كلما ازدادت الاحتقانات في الجنوب جرى تشكيل (لجنة رئاسية) لمعالجة هذه القضايا، وجميعنا يتذكر هذه اللجان ونزولها آنذاك إلى المحافظات الجنوبية، منها اللجنة الرئاسية التي ترأسها الأخ عبدربه منصور هادي حينما كان نائباً لرئيس الجمهورية، ولجنة برئاسة وزير الدفاع الحالي اللواء ركن محمد ناصر أحمد، واللجنة المشهورة برئاسة الأخ عبدالقادر هلال التي أصدرت تقريراً مشهوراً سمي تقرير (هلال باصرة) ولجنة برئاسة د. يحيى الشعيبي، وأخرى برئاسة الأخ عبدالكريم شائف وكثيرة هي اللجان، ولا نقول أن هذه اللجان لم تعمل شيئاً أو لم تقدم (حلولاً) .. فلا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، ولكن للأسف لم تكن الحلول شافية وكافية، ولكنها غالباً ما كانت حلولاً (ترقيعية) وبعضها أخذ (الطابع السياسي) .. ففي كل مرة كان (المبعدون) من وظائفهم لا يشعرون بالتفاؤل والاطمئنان، حينما كانت تأتيهم اللجان، ووصل التندر ببعضهم إلى أن يقول: (لجنة طلعت، لجنة نزلت، لجنة وراء لجنة شوه فعلوا لنا ؟!) وتوجد في مكاتب الخدمة المدنية والتأمينات والمعاشات في المحافظات الجنوبية مئات الآلاف من (الملفات) لموظفي الجهاز الإداري (المدنيين) ممن أحيلوا (قسراً) وأبعدوا من وظائفهم بعد أن دمرت وخصخصة المؤسسات والمصانع والمرافق التي يعملون فيها، وهكذا بالمثل (العسكريين والأمنيين) وماذا بعد؟!

في 8 يناير2013م شكلت بقرار رئاسي لجنة لمعالجة قضايا المبعدين من وظائفهم في المحافظات الجنوبية برئاسة القاضي سهل محمد حمزة محمد ناصر والقاضي سهل كادر مقتدر ومشهود له في عمله وكفاءته وتحمل الكثير من المهام والمسؤوليات، منها رئاسة محكمة الميناء الابتدائية ورئاسة محكمة جنوب غرب صنعاء وبعدها رئيساً لمحكمة استئناف عدن وعضو اللجنة العليا للانتخابات ومهام استثنائية كثيرة، وكان ناجحاً في انجازها، وهو من أبناء عدن المعروفين ومن أسرة عدنية هاشمية عريقة، وأقرب إلى مثل هذه القضايا ومعايشتها بحكم عمله الطويل في القضاء، والأهم من ذلك أن عمل اللجنة هذه المرة كما هو ملموس (عمل غير سياسي) وإنما عمل (مدني قانوني) لإحقاق الحقوق للناس المظلومين، على عكس ما كانت عليه (اللجان السابقة) التي كان طابع عملها (سياسي) أكثر مما هو (حقوقي)، لهذا كانت تضيع حقوق الناس وتهدر، وفي كل مرة الاحتقانات تزيد ولا تهدأ .!

الذي يزور مقر اللجنة في مدينة خور مكسر بعدن سيشهد ذلك الازدحام الشديد للمبعدين الذين يتوافدون إلى هناك على مدار الساعة ومنذ الصباح الباكر وبصورة يومية، وقد عرفت أن اللجنة خلال (الأسبوعين) من عملها قامت بصرف أكثر من (29) ألف استمارة مجاناً، للعسكريين والأمنيين فقط, وفيها كافة التفاصيل التي ينبغي على المبعد القيام بها، مع العلم أن الاستمارات التي تصرفها هي (مجانية) ونأمل من الأخوة (المبعدين) من وظائفهم أن يدركوا أن عمل اللجنة  سيستمر لفترة طويلة تصل إلى (عام) وسبق وأن قامت أثناء التحضير لعملها بالنزول على الخدمة المدنية والتأمينات والمعاشات في الجهاز المدني، وكذلك نفس الحال بالنسبة للمبعدين العسكريين والأمنيين لإعداد (قاعدة بيانات) تستند عليها في تنفيذ عملها واختيار (الفريق الفني) من هذا الجهاز الذي سيعمل معها .. كما قامت بشراء (منظومة متكاملة) من (أجهزة الكمبيوتر) لضبط وحفظ وتنظيم عملها تقنياً ..!.. علماً بأنها حتى الآن تحضر لمعالجة قضايا المدنيين والذين يتصدر إعدادهم بحوالي (5000) حالة تمثل كل المرافق الجنوبية.

عمل اللجنة شاق وطويل، وهي مقيدة بموجب القرار الرئاسي بعام واحد للوصول للحلول, وسيستمر إلى عام أو ربما إلى أكثر من هذه المدة نظراً لتعقيد هذه القضية وتفرعاتها، ومطلوب من الأخوة المبعدين الصبر، ومطلوب من اللجنة الوفاء .. فاللجنة –وهذه للأمانة – بحاجة إلى الوقت الكافي وإعطائها الفرصة والثقة من قبل المبعدين لمعالجة قضاياهم – وهذه مسألة مهمة – بصورة قانونية وبكل هدوء، لكي يحصل كل مستحق على حقه وفق المعايير التي تعمل عليها اللجنة وبحسب ما هو محدد في القرار الجمهوري بتشكيلها .

أكرر على الأخوة (المبعدين) من وظائفهم من مدنيين وعسكريين وأمنيين الصبر ثم الصبر وعلى اللجنة الوفاء، وتحية من القلب للقاضي سهل حمزة رئيس اللجنة ولأعضاء اللجنة جميعاً، ولفريق العمل الفني العامل معه، وبالتوفيق والنجاح في عملهم، والله من وراء القصد .