مؤتمر "جولد مور"

364

قال لي مسؤول كبير في مؤتمر جولدمور الذي عقد الأسبوع الماضي بعدن وحمل تعسفاً اسم "شعب الجنوب" أن تغطياتي في موقع "عدن الغد" لأعمال المؤتمر كانت "حكولة" وهي كلمة باللهجة الدارجة ترادفها كلمة "فهلوة" في اللهجة المصرية إذا اعتبرنا أن اللهجة المصرية ترجمان مقبول.

ذات الكلمة سمعتها ضمنياً من شخصين آخرين على الأقل في معرض نقدهما لتسمية المؤتمر في إحدى التغطيات باسم "مؤتمر جولدمور", أحد الشخصين اعتبر أن هذا الوصف "تقليل من شأن المؤتمر (العظيم) الذي يمثل شعب الجنوب" لكن هذا الشخص نفسه لم يرى في المؤتمر تقليلاً لشأن شعب الجنوب (العظيم).

أما ثالثة الأثافي فجاءت من مسؤول إعلامي في المؤتمر قال لي أن التغطيات كانت على طريقة "بوسة ولطمة", ولا أدري هل كان يريد التغطيات كلها "بوس في بوس" فنكون بذلك أمام فيلم إباحي ينافس أفلام "البورنو" الأمريكية؟.

أنا لا أعلم – حقيقةً – حجم "الحكولة" و "الفهلوة" التي تضمنتها التغطيات الخبرية للمؤتمر بنظر هؤلاء, لكنني أعلم – تماماً – حجم محاولات "الحكولة" و "التذاكي" التي تضمنتها أعمال المؤتمر بعد أن حرصت على حضور أيامه الثلاثة إضافة إلى اليوم الرابع الذي أقيم فيه مؤتمر صحفي سلبي جداً على منظميه.

أولى محاولات التذاكي التي صدمنا بها هي التبريرات الهزيلة حول الحراسة الأمنية المشددة التي شاركت فيها أربعة أجهزة أمنية بقيادة مدير أمن عدن اللواء "صادق حيد", وقائد شرطة النجدة "مجاهد أحمد سعيد", وختمتها مؤسسة الجيش في اليوم الأخير, وقال لنا منظمون أثناء سؤالنا عن سبب وجود كل هذه الأجهزة الأمنية والعسكرية أنها بهدف تأمين ضيوف المؤتمر وبخاصة العرب والأجانب, لكن هؤلاء الضيوف لم يحضر منهم إلا واحد أو اثنين ولم يعتكفوا مع المندوبين لأربعة أيام مثلما فعلت هذه الأجهزة التابعة لوزارتي الداخلية والدفاع.

أنا أعلم وأدرك تماماً أن من يقول عن الجنوبيين في السلطة وممن شاركوا في تسهيل احتلال الجنوب أنهم "إخواننا" و "لايقلون عنا وطنية", في حين يصف الجنوبيين في الحراك وممن لم يشاركوا في المؤتمر أنهم "خصوم" فهو لا يفعل شيئاً سوى أنه "يتذاكى" علينا.

يتذاكي علينا من يتحدث عن "التصالح والتسامح", وهو لا يستطيع أن ينسى ما قبل "90" لكنه يستطيع بكل بساطة أن ينسى ما بعد "94".

يتذاكى علينا أيضاً من يصف "علي محسن الأحمر" بالرجل "الشجاع, ذو الأهمية" وهو (الشمالي) الذي تزعم العمليات العسكرية في حرب احتلال الجنوب صيف العام 94 وأطلق عليه الجنوبيون حينها اسم "علي كاتيوشا" نسبةً إلى صواريخ الكاتيوشا التي أمطر بها عدن وينعم اليوم بالمال والجاه والحصانة في صنعاء, في حين يصف (الجنوبي) الذي تزعم حرب الدفاع عن الجنوب بأنه "منابح" وهو الذي يعيش اليوم مشرداً في الخارج نتيجة تحالف (الأخ, الوطني) مع (الشجاع, ذو الأهمية).

أما كبرى محاولات التذاكي فهي إيهامنا بأن مؤتمر "جولد مور" يمثل (قيادة انتقالية لشعب الجنوب) بالرغم من الانسحابات الموجعة, وأن حكومة باسندوة تمثل قيادة توافقية للشمال, وأن المشرف الدولي موجود منذ وجدت المبادرة الخليجية المدعومة أممياً, وأن نسبة الخمسين في المائة تمثل اعترافاً بالشطر الجنوبي في مقابل الشطر الشمالي, ثم القول بأن "مؤتمر جولدمور" لن يدخل في حوار صنعاء إلا بشروط ثلاثة هي القيادة التوافقية في الجنوب والقيادة التوافقية في الشمال والإشراف الدولي.

لدى السيد محمد علي أحمد - الذي ترأس اللجنة التحضيرية للمؤتمر ثم ترأس هيئة رئاسته لساعات قبل أن ينعقد اجتماع مغلق يخرج باختيار "أحمد بن فريد الصريمة" رئيساً – تاريخ مشرف في حرب العام 1994 حين عاد إلى الجنوب وقرر الانضمام إلى صف (الإخوة) ضد (الخصوم), وهناك الكثير من البسطاء الذين لا يعرفون بصراعه مع حزب "تاج" في بريطانيا قبل أن يعود إلى عدن لايزالون يحتفظون في ذاكرتهم الجمعية بمشاهد من مواقفه البطولية في الحرب وفي معركة المطار ولا يريدون أن تتهاوى هذه المشاهد أمامهم نتيجة انتهاكه مبادئ التصالح والتسامح الذي لم يشارك هو في صناعته بقدر ما شارك مع آخرين في صناعة التاريخ الدموي الذي تدعو مبادئ التصالح والتسامح لنسيانه.

سأحترم كثيراً القائمين على "مؤتمر جولدمور" فقط حينما يذعنون إلى الواقع الذي يقول أنهم ليسوا ممثلين عن شعب الجنوب, وسأعترف أنهم يستطيعون أن يتحولوا إلى قطب قوي من أقطاب السياسة في الجنوب, وسأحترم أكثر موقفهم حين يعترفون بأن كل مظاهر الارتباط التكتيكي أو الاستراتيجي مع الشمال هي نتاج (تفاهمات) مع مراكز النفوذ في صنعاء وليست نتاج (فهم) خاطئ لدى قطاع واسع من المتابعين للشأن الجنوبي يرون أن إقامة المؤتمر وتقديم موعده شهراً كاملاً بعد أن تحددت ملامح موعد مؤتمر الحوار في صنعاء ليس سوى جولة في معركة كسر عظم ومحاولة لسحب الشرعية الجنوبية من تحت أقدام أطراف معينة في عدن, وليس سحب الدولة الجنوبية من أيدي أطراف معينة في صنعاء.