عدد كاف من الجنوبيين = مقدار كاف من السكر !

360

استغرب ان يتحدث مندوب الأمين العام السيد جمال بن عمر في إطار شرحه للحصص التي قام " مشكورا " بتوزيعها على مختلف أطراف ما يسمى  بالحوار الوطني عن حصة الجنوبيين وكيف يمكن أن تبلغ نسبة ال 50 % من إجمالي عدد المشاركين بصيغة : أن على كل طرف من أطراف الحوار اليمني أن يتضمن وفده " عدد كاف من الجنوبيين " ! حتى تبلغ نسبة التمثيل 50 % ! .. من جهة لا اعتقد ان هذه الطريقة في التعبير عن قضية بهذا الحجم الكبير تعتبر طريقة دبلوماسية تليق بسياسي كبير كجمال بن عمر , ومن جهة أخرى فهي تكشف إلى أي حد بلغت درجة " الاستخفاف " بالجنوبيين وبقضيتهم الوطنية العادلة ! والغريب في الأمر ان يمر مثل هذا الكلام مرور الكرام على مختلف الأطراف الجنوبية دون ان تبدي نوعا من التحفظ على مثل هذه الطريقة في التعامل .

 لكن الأكيد في الأمر أن لغة الأرقام تفضح خبايا الأمور أكثر بكثير من الكلام المنطقي القائم على الحجة الدامغة , باعتبار ان ( الأرقام ) قيمة مطلقة ذات علاقة مثالية بالحقيقة لا ترقى إلى مستواها إي صيغة أخرى , فمتى ما توفر لديك الدليل المعزز بلغة الأرقام يمكن القول انك قد امتلكت ناصية الحقيقة بصورتها المثلى التي لا يمكن دحضها.

 فإذا قمنا بقليل من التدقيق والتحليل لمختلف الأرقام المتعلقة بالنسب التي وزعها جمال بن عمر على أطراف الحوار اليمني , سنجد أنفسنا أمام حقيقة مهولة تكشف حجم " المؤامرة المحبوكة " بخبث ودهاء شديدين من قبل من قام بهندسة آليات هذا الحوار المزعوم لكي يكون في آخر المطاف " مقبرة حقيقية " لقضية الجنوب – ان لا قدر الله – تورطت أطراف جنوبية في التواطئ مع هذا الحوار وآلياته الخبيثة .

  تقرر ان يشارك في هذا الحوار عدد ( 565 ) عضوا موزعين على عدد ( 16 ) طرفا سياسيا يأتي في مقدمتهم حزب المؤتمر الشعبي العام ثم ما يسمى بأحزاب اللقاء المشترك شركاء الأول في احتلال الجنوب , في حين يحتل " الحراك الجنوبي " المرتبة السادسة في تسلسل الاهتمام ! .. وفي حين يقرر بن عمر ان يتمثل حزب المؤتمر الشعبي بعدد ( 112 ) عضوا في المؤتمر يقرر نفس الشخص ان تكون حصة الحراك الجنوبي – أي دولة الجنوب – بعدد ( 85 عضوا ) فقط .. إي ان الجنوب كله بمعناه السياسي كدولة وكشعب وهوية , يقل عن نسبة طرف واحد من الأطراف السياسية للجمهورية العربية اليمنية ! .. وإذا ما أردت معرفة النسبة الممنوحة للحراك الجنوبي – الحامل السياسي لقضية الجنوب – وفقا لهذا العدد ( 85 عضوا ) نسبة إلى المجموع ( 565 ) عضوا ستتفاجأ عزيزي القارئ بأنها نسبة لا تتجاوز حد ال (( 15 % )) فقط !! .. فأين ذهبت النسبة المبقية من ال ( 50 % ) المزعومة ؟!!

  يقول العارفون ببواطن المؤامرة على قضية الجنوب ان النسبة المتبقية هذه – إي ال 35 % - سوف تتوزع على باقي الأطرف الشمالية المشاركة في الحوار بحيث يتكفل كل طرف بإحضار " عدد كاف من الجنوبيين " ضمن وفده الرسمي المشارك في الحوار ! ومن هنا جاءت عبارة بن عمر الشهير " عدد كاف من الجنوبيين " التي تنطبق في المعنى مع عبارة أخرى من قبيل " مقدار كاف من السكر " !! .. إي ان على كل طرف شمالي أن " يحلي " وفده بعدد كاف من الجنوبيين لكي تبلغ نسبة المشاركين منهم – إي الجنوبيين في المجمل ( 50  % ). ومن المسلم به ان نسبة ال ( 35 % ) من الجنوبيين هذه القادمين ضمن أحزاب منظومة الاحتلال سوف يحملون رؤية أحزابهم السياسية اليمنية لحل قضية الجنوب وليس رؤية " الحراك الجنوبي " .إي ان حتى هذه النسبة بين الجنوبيين أنفسهم ستكون في غير صالح قضية الجنوب .

  ووفقا لهذه الصيغة " العجيبة – الغريبة – المريبة – الغبية في استغبائها لنا "  .. سوف يتمثل الجنوب بدولته الكبيرة التي لها مساحة جغرافية تعادل مساحة الجمهورية العربية اليمنية ثلاث مرات تقريبا , والذي له قضية دولة وليس قضية جزء من دولة بعدد ( 85 ) عضو فقط مقابل ( 253 ) عضوا مشاركا لايرون في قضية الجنوب ماتراه الحقيقة أو ماتراه العدالة أو مايراه القانون الدولي اوما يطمح إليه أبناء الجنوب أو ما يرقى إلى حجم تضحيات شهدائهم وجرحاهم  ومعتقليهم ! .. لأننا وفقا لهذه الصيغة سوف نعتبر واحدا من أمثال احمد عبيد بن دغر ضمن ال 50 % من الجنوبيين ! وبصورة أدق وأكثر سوادا وقتامة .. يمكن القول ان 35 % من وفد الجنوب إلى هذا المؤتمر المزعوم هم من طينة بن دغر وإنصاف مايو وغيرهم من مطبلي نظام الاحتلال وشركائه . وفي حين إننا لا ننكر على هؤلاء جنوبيتهم , لكننا – وبملئ الفم – ننكر عليهم تمثيل " قضية الجنوب " بمعناها وجوهرها الحقيقي .. اما النسبة المتبقية الضئيلة جدا ال ( 15 % ) فمن ضمنها يقع ايضا شطارة والناخبي .. و راقية بنت حميدان !

  ولكن دعونا نسير إلى آخر الحبكة الخبيثة المعدة لقضية الجنوب في هذا الحوار الذي يدعونا إلى المشاركة فيه " شطارة " في تنظيراته العجيبة .. يقول الناطق باسم اللقاء المشترك الدكتور عبده غالب العديني في حديثة لجريدة الشرق الأوسط تاريخ 27 نوفمبر 2012 : أن القرارات التي ستتخذ في ما يخص هذه القضية – إي قضية الجنوب – سوف تكون بالتوافق مابين الأعضاء , وفي حال تعذر التوافق تعاد للبحث وفق رؤى ومنهجيات ومقترحات أخرى – ولم يخبرنا الخبير العديني ماهي هذه الرؤى والمقترحات الأخرى – ثم يضيف : وإذا تعذر التوافق يرفع الأمر – إي يرفع مصير شعب الجنوب كله  – إلى لجنة تسمى (( لجنة التوفيق )) !.. حسنا ماهي لجنة التوفيق هذه ياعديني ؟؟

 يقول العديني – أفصح الله لسانه – ان لجنة التوفيق هذه هي لجنة مرجعية يشكلها الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي من أعضاء من لجنة الحوار وآخرين من أعضاء المؤتمر وهذه اللجنة يمثل الأخوة في المحافظات الجنوبية فيها ب 50 % كذلك – طبعا على الطريقة السابقة التي سنجد أنفسنا فيها بنسبة 15 % فقط  - ويكمل العديني فتواه القانونية ويقول : وإذا لم يتم التوافق فان القرار يتخذ بأغلبية (( 75 % )) من أعضاء لجنة التوفيق المشكلة وهذا القرار يكون ملزما !!.. أفصح الله لسانك يا عديني .. انتهت اللعبة وانكشف المستور المفضوح أصلا .

إذا حللنا هذا الكلام .. وتوقعنا سيناريو متفائل إلى أقصى حد سوف نجد أنفسنا في آخر الحوار كجنوبيين في خبر كان  .. هذا السيناريو الذي  يمكن تخيله في أجمل صوره يتمثل في ألا يحدث إي نوع من " التوافق " اثناء الحوار تجاه حل ل " قضية الجنوب " , ما يعني وفقا للآلية " العدينية – الاريانية " أن يتم بحث القضية وفقا لمقترحات أخرى بحسب ما اقر ! ولو قدرنا ايضا ان هذه المقترحات والرؤى الأخرى " فشلت " ايضا في تحقيق التوافق وان " المقدار الكافي " من الجنوبيين كانوا حمران عيون ورفضوا .. هنا سوف يقوم الرئيس هادي بتشكيل ما يسمى ب" لجنة التوفيق " التي كما يقول العديني ستكون نسبة الجنوبيين فيها 50 % .. ولو فرضنا في أحسن الأحوال ان الرئيس هادي قرر ان تكون ال ( 50 % ) من الجنوبيين في هذه اللجنة من أعضاء الحراك الذين ليس لديهم إلا ماقرره شعب الجنوب في الحرية والاستقلال ! مقابل 50 % من الشماليين الذين لايرون في الوحدة إلا قدر ومصير محتوم للجنوب وأهله , وهنا ايضا لن يحدث " التوافق " .. ما يعيد اللجنة إلى (( التصويت )) والتصويت في هذه الحالة يتطلب نسبة " 75 % " !! إي انه إذا صوت كل أبناء الجنوب في هذه اللجنة لصالح " فك الارتباط والاستقلال "  .. فان هذه النسبة لن تكون ملزمة للحوار لأنه يتعين أن يصوت لصالح فك الارتباط معهم نسبة " 25 % " من الشماليين وهذا من سابع المستحيلات ... فأين هي إذا فائدة هذا الحوار الذي يدعونا له البعض إذا ما أغفلنا كلية المعاني السياسية الأخرى للمشاركة فيه .

 نرجو مخلصين ان يدقق الكل في هذه المعاني وان كنت اعتقد أنها ليست بغائبة عن نسبة كبيرة من قيادات الحراك الجنوبي , ولكنني أجد نفسي معنيا بطرحها بهذه الدرجة من التفصيل لكشف الحقيقة وللتعرف على النيات ... وفي هذه اللحظات التي اكتب فيها هذا المقال , يشهد الجنوب حدثين هامين يتمثل الأول في اجتماع عدد من القيادات الجنوبية في الرياض مع قيادات من مجلس التعاون الخليجي بينما تشهد عدن ايضا مؤتمرا جنوبيا على قدر آخر من الأهمية بإشراف ورعاية الأخ العزيز محمد علي احمد , واعتقد مخلصا أن المشهدين يدركان بالتفصيل ما تحدثت عنه في مقالي عن خطورة المشاركة فيما يسمى ب " الحوار الوطني اليمني " على قضية الجنوب .. والخلاصة ان الجنوب يشهد ربيعا حقيقيا ونهضة سياسية غير مسبوقة , كما انه ليس قدرا كافيا من السكر كما يراد له ان يكون ..ولكنه قضية دولة ..وقضية شعب نؤمن ان الله سوف ينصره لأنه الحق الذي لايرتضي إلا بالحق .

* خاص لصحيفة عدن الغد