الرجل الكومبارس يعيد تدوير الازمة

357

البلد لا يحتاج للمؤمنين الرسميين ولا للأبرار، ولا للصالحين المعتمدين من قبل هيئة الزنداني ولا للأتقياء من حملة البردات الفقهية ولا للحى الطويلة، والضمائر القصيرة ولا للاحتفاءات السنوية على وقع قهقهة ودموع باسندوة: يحتاج لدواء، ولقمة عيش، وأكفان، وقليل من تراب يواري ما تبقى من حياة.

أن تقوم بـ"التشمير" لكتابة موضوع عن كونك وكينونتك، وعن كل شيء جميل ومبهر حدث طوال الأشهر الماضية وعن  ماذا أنتجت حكومة باسندوة؟  وما هي تطلعاتها القريبة وكيف ترى المستقبل البعيد، وأين اختفى المستشار الماليزي "مهاتير محمد"،  لهو أمر سيئ على أية حال .

والسيئ هنا لا علاقة له بمزاجك، ولا بخريطة دماغك، بل  بتلك الرؤوس المغلقة التي فشلت التسوية دون غسلها من النتانة الثورية رغم عدد المرات  التي ابتلعت فيها كمية لا بأس بها من تصريحات الخارج المحرضة على الوفاق. لتجاوز حجم الخطر الذي يتهدد الدولة والمآل الكارثي الذي كادت تتجه إليه، فالوضع لم يكن  يحتمل أي مغامرة غير محسوبة أو أي خطوة في المجهول .

الآن وبعد مرور عام على توقيع اتفاق نقل السلطة ما تنفك الوقائع على الأرض تعطي مؤشرات أن الطرف الذي يمثله باسندوة في السلطة بصدد سلك عملية تصعيدية، فضلا عن كونه لم يوف بالتعهدات التي قطعها على نفسه للرعاة الإقليميين والدوليين.

ليس بريئا أن يخرج الرجل في هذا التوقيت يحتفي بالذكرى السنوية لتشكيل الحكومة بكيل الاتهامات جزافا ويتحدث وكأنه وصل إلى رئاسة الحكومة بشرعية ثورية وليس بتسوية سياسية. لقد ظهر يمارس الاستفزاز ويسوق الاتهامات باتجاه ما وصفه" النظام السابق" على طريقة صبي مراهق، ويجسد كيف تصاغ الأمور في دهاليز الطرف الذي يمثله.

لطالما قدم باسندوة  نفسه في ثوب الرجل المسئول  لكنه ظهر أخيرا يأكل بثدييه على موائد الحماة والمناصرين،  ويريدنا ذلك الكهل العاثر عند أقدام رموز البنى التقليدية وكهنة المعابد، أن نقيم عند مفهومه  للأمور الذي يخلو غالبا من القيم، وعند الابتذال الثوري وإنتاج القرف، وضخ البؤس، وإعادة البلد إلى ذات القمقم الذي يحاول الخروج منه.

اليوم، نفس الرجل الكومبارس، الذي ظل طوال عام يؤكد أنه مجرد مهرج كبير، ينخرط مجددا في نخاسة غير مسبوقة في التاريخ، ويعلق مجددا داخل معادلة فادحة تعيد بعض الأطراف السياسية والرجعية ضخها إلى الملعب، لصرف أنظار العامة عن فسادها في مرافق الدولة، الفساد المتلحف بعباءة ثورية، ومهاجمة النظام السابق!

نفس المنطق الذي جعل البلد قنبلة موقوتة على الدوام يراد إحياؤه، وكأن الإفلات من قبضة العجز يقتضي الارتماء في صدر الابتذال وإهداءه فرصا أخرى لإحياء دوره وإعادته إلى الصدارة، لكن هذا الموقف، مهما كانت تقديراته الخاصة، يجب أن لا يكون ممرا لإعادة تدوير الأزمة، ويجب على باسندوة أن يترك موقعه على وجه السرعة.

إنه المنطق نفسه للثورة؛ يكرسه صنف رديء من الشخصيات المريضة، تعمل بطريقة غبية لتبرئة  ذات القوى التي التهمت البلاد عبر هذا الهراء المقيم على أطراف إقطاعية شمال غرب.

كثيرون استفزهم خطاب واعظ الحكومة بمناسبة مرور عام على نكبة سيدفع أكلافها ثلاثة أجيال قادمة وستلعننا، تلعننا جيدا.. نكبة اتفق على تسميتها مجازا، (حكومة برئاسة باسندوة) وظهر أخيرا بعينين مفقوءتين يتحدث عن انجازاتها بنوع من الزهو وهي ذاتها -الحكومة- التي لم تقدم للناس سوى مجموعة ضفائر يشنقون بها أحلامهم كل صباح.

بالمناسبة، لا أدري كم  قيمة مساحة الأرض التي اشتراها باسندوة على مشارف العاصمة صنعاء؟: هي عبارة عن ميزانية كاملة، لأكثر من مائة قرية، من القرى التي لا تشاهد دموع الرجل لأنها لا تعرف جهاز التلفاز، ولا تشاهد منكوبي النيجر، وجائعي (مالي)، لأن سكانها يكتفون بالتحديق إلى أنفسهم جيدا !

بودي لو ابتلع فكرة نجاح الحكومة ولو على مضض- الاستفزاز يتكثف في هذه الجملة بشدة- وأشارك الرجل الطاعن في السن مشاعر الاحتفاء المجاني بالفشل، لكن  كيف؟ إذا كان البكاء هو عادته الثانية بعد الكلام ونحن من  يجوع، يموت، ليسوا هم؛ ونحن من ننهب، ليسوا هم، إنهم براء!

حينما يزايد شخص مسئول، على شيء كهذا، أظن أن الفساد سيبتهج بعد أن دخل مرحلة الممارسة الرسمية، العلنية، فـ30 مليون ريال ، أهدرت مقابل جلوس مؤخرات الوزراء نصف ساعة في حفل متأخر بعيد الاستقلال بعدن.

أتوقع أنكم تسمعون جيدا بفساد وزير الكهرباء ووزير المالية ووزير الصناعة،  وأتوقع أن حديث باسندوة عن نجاحات حكومته قد غزا ما تبقى من ضمائركم ، في حياة المزايدات الرخيصة الباهظة، لكن  تبقى الحكومة عبارة عن مجمع كبير لتوزيع الفساد بجميع أشكاله، مفرقا، وجملة. على أية حال باسندوة رجل صالح، وكذلك العرشي وسميع، وحمود عباد والأشول، سيكفوننا الدعاء، وكتلة الإصلاح في البرلمان ستؤمن بإخلاص !

تعيش بلادنا رهنا للإقطاعيين، رهنا للنهمين، رهنا للأشرار، يعيش الوطن، من أجل قدميه، يعيش العلم، يعيش الشعب، أو يموت، يعيش كل شيء، يموت كل شيء، ويبقى ظهر باسندوة شامخا.

* صحيفة المنتصف

مقالات الكاتب