30نوفمبر استفتاء جديد

352

كلنا نعرف مسارات مفاوضات الحكومة البريطانية مع وفد الجبهة القومية والتي اثمرت عن موعد للانسحاب البريطاني من مستعمرة عدن وامارات اتحاد الجنوب العرب وسلطنتي حضرموت والمهره وتسليمها للجبهة القومية التي اعلنت عشية الاستقلال عن مسمى جديد للدولة المستقلة هو( جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية )

وبالتالي الحقت تلك البلدان للمرة الأولى بالهوية اليمنية بمفهومها السياسي الذي تشكل بعد سقوط الخلافة العثمانية.

وترسخت في نفوس الجنوبين وتحديدا في فترة السبعينات الآمال الوحدوية اليمنية على طريق تحقيق الحلم العربي. حتى اصبحت شعارا وقسما يردده تلاميذ المدارس صباح كل يوم ، وكان بمثابة المقدمة الدائمة   لكل خطاب او طلب او عريضة شكوى  لابد انت تستهل بتلك المقدمة (لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الحدة اليمنية ) فاصبح هذا الشعار  بدلا  من

 ” بسم الله الرحمن الرحيم”

 وفرض الجنوبيون الواقع الوحدوي على انفسهم بكل مضامينه حيث تبوأ ابناء الشمال القاطنين في عدن منذ فترة الستينات وما بعدها مناصب قيادية علياء في الدولة الجنوبية بما فيها رئاسة الدولة وقدم لكل الفارين من نظام الشمال الدعم والمساعدة والسكن والوظيفة والتعليم لأولادهم بما في ذلك الابتعاث الخارجي  والتمثيل الدبلوماسي  كما تم منحهم بطاقات الهوية الشخصية الجنوبية مثلهم مثل اي جنوبي اخر.

وفي المقابل وفي هذه الجزئية بالذات  كان ابناء الجنوب الفارين من نظام الحكم الجنوبي لا تمنح لهم الهوية اليمنية ناهيك عن الوظيفة في اي مرفق من مرافق الدولة ويتم منحهم بطاقة إقامة تحمل في فقرة التعريف بالهوية

 ” جنوبي مقيم في صنعاء” 

وتواصل الهوس الوحدوي عند الجنوبين لدرجة انه تم تعيين وزيرا لشئون الوحدة من اصول شمالية ولم يحدث العكس عند الجانب الشمالي وشنت حربين بين الطرفين في خلال سبع سنوات وكلها تم خوضها تحت شعار الوحدة. وفي فترة انتهاء الحرب الباردة بين القطبين  تحققت الوحدة في لحظات عصيبة بعد ان  قام الرفيق  ميخائيل   جورباتشوف بتفكيك بنيان الاتحاد السوفيتي وبعد انهيار جدار برلين والمصيرالمرعب لنهاية طاغية رومانيا الرفيق تشاوشسكو  بعد ان هبت رياح ربيع اوروبا الشرقية

حيث تجلت العاطفة الوحدوية الجنوبية لتحقيق الحلم العربي الوحدوي فتم أخد الجنوب دولة وارض وانسانا وثروة مخزونة الى باب اليمن وتحديدا الى النهدين وما حولهما ،

  ولم يقدر الطرف الشمالي هذا الاقدام الجنوبي فبدأت العثرات والمنغصات والاغتيالات وكأني  بشاعر حضرموت السيد حسين أبوبكر المحضار رحمة الله عليه 

يردد ذلك البيت الشعري من احد قصائده   ويخاطب به من قام بهذا الاقدام  قائلا ” يا ساري الليل خبرني  لماذا سريت هلا لهذا الامر داعي ؟

ومعروف ماهي البلاوي التي تعترض طريق ساري الليل . فكانت اشدها ما حصل في عام 1994م  حيث شنت تلك الحرب الضروس الظالمة والتي كانت اراضي الجنوب مسرحا  لعملياتها الحربية على مدى اكثر من شهرين  والتي اتت على الاخضر واليابس وحولت الجنوب الى غنيمة حرب تفيدها المتفيدون  حتى هذه اللحظة .   وخمدت الانفاس وظن علي عبدالله صالح او علي عفاش كما يسميه شباب الثورة اليمنية  ظن انه فارس الميدان الذي لا يشق له غبار وخاصة بعد ما نشر في البلد رفاق الماضي كمقاولين للتنسيب الحزبي  في كل ارجاء الجنوب ليأتون بالشعب مؤتمريا بأي كيفية كانت ومعها اغنية يا بشير الخير . وقد خيل اليه ذلك وان الشعب في الجنوب قد اصبح رهن اشارته .

 ولم يكن هناك من  يذكر بهذه القضية سوى مقالات في صحيفة الايام الغراء تغمد الله ناشرها هشام باشراحيل  بواسع رحمته .

 ولم يخطر ببال احد في نظام صنعاء  بأن 7 /7/2007م  ذكرى اليوم المشئوم   ستتحول هذه الذكرى الى انبعاث    للمارد الجنوبي من خلال حركة سلمية شعبية سطرت اروع الدروس والعبر في كيفية استعادة الحق وفق نضال سلمي . وهنا تحركت آلة القتل واجهزة القمع ففتكت    بالآلاف ما بين قتيل ومعتقل ومشرد وكلما ازدادت آلة القمع فتكا كلما ازداد الحراك قوة وصلابة .

وجاء الربيع العربي وقامت الثورة الشبابية اليمنية التي اسقطت او ازاحت رأس النظام عن الحكم ولو شكليا ليتم بعد ذلك تحويلها من ثورة الى ازمة وتأتي  في أثنائها   المبادرة الخليجية . لتصنع حلولا للازمة بين طرفي الصراع على الحكم وتخرج بحلول توافقية . واهملت القضية الجنوبية تماما . وتأتي الانتخابات الرئاسية اليمنية لمرشح وحيد حسبما جاءت به المبادرة الخليجية وبذلت جهود كبيرة لإنجاحها وخاصة في الجنوب وكأنها بطولة خليجي 21 أخرى فرفضها ابناء الجنوب جملة وتفصيلا فكانت المقاطعة الكلية لها مثلت استفتاء اوليا لرفض تلك الانتخابات والانحياز لخيار الشعب في الجنوب لرفض الوحدة المعمدة بدماء ابناء الجنوب  1994م.

وتلت ذلك فعاليات اخرى منها الفعالية الكبرى  في ذكرى 14 اكتوبر والتي اقيمت في المعلا بعدن وغيرها من مدن الجنوب والتي مثلت استفتاء آخر .

وفي يوم الجمعة الماضية كانت الحشود العظيمة في الثلاثين من نوفمبر في المعلا والمنصورة والمكلا وكل مدن وقرى الجنوب والتي تعتبر نقلة نوعية جديدة للرفض الجمعي لمشروع الوحدة السلمية المنتهية صلاحيتها في 21 مايو 1994م بعد ان شنت تلك الحرب القذرة على الجنوب ارضا وانسانا .

وعلى الرغم من تلك الحشود الهائلة والمهرجانات العظيمة الا ان القنوات الفضائية العربية والعالمية غابت هي الاخرى عن نقل الحدث بطريقة تؤكد من خلالها غياب المهنية الاعلامية وتؤكد الانحياز لطرف ضد طرف اخر

يا جزيرة الرأي والرأي الآخر .

كما اكدت تلك الجماهير رفضها القطعي لكل مشاريع التجارة السياسية التي تحاول جر الشارع الجنوبي الى مشاريعها البائرة  فلم يتحقق لها ذلك .

كما اكدت الجماهير بوعيها المتنامي وحشودها العظيمة في جمعة المعلا انها لن تكون الا للجنوب ومن اجل الجنوب الذي ينتمي للعروبة لغة  ويدين بالإسلام عقيدة ومنهجا للحياة .وانها بحراكها ليست لحزب او فكر قد اقتلع من جذوره في موطنه الاصلي وتهاوى صنم لينين لتقذفه           الجماهير الحرة هناك بالحجارة .

فهل سيعي المعنيون بالأمر يمنيا واقليميا ودوليا ان هذه الاستفتاءات المتلاحقة انها لم تأتي من فراغ بل انها ارادة شعب حر ابي رفض الظلم والضيم .  

وارادة الشعوب لا تقهر بإذن الله .

ورحم الله الشاعر  ابا القاسم الشابي حين قال :

اذا الشعب يوما اراد الحياة

 فلابد ان يستجيب القدر

ولابد لليل ان ينجلي

 ولابد للقيد ان ينكسر