الجنوب يدك قلاع الوحدة السرمدية

157

عندما وضعت حرب صيف 1994م أوزارها, التي أفضت إلى احتلال الجنوب, متبوعاً بثقافة النهب والسطو على الممتلكات العامة والخاصة, والتعدي على حقوق العامة من أبناءه, و تدمير كل ما هو جميل فيه؛ أيقن أبناء الجنوب حينها, ان حياتهم, أخذت منعطفاً خطيرا و بائساً, لم يألفوه من قبل, إذ قام على الظلم وحكم قبلي متخلف, لا هّم لقادة الانتصار عليه, سوى إذلاله وامتهان كرامته بعد تكفيره واستباحة دمه, باعتبار انه شعب وضيع "ولد دون جيناتهم السامية", وداسوا كل القيم الإسلامية, والمواثيق الأممية والإنسانية, التي تحرّم جميعها امتهان كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم.
لكن, ثمة جانب آخر من المشهد لم يرق لنهابي الجنوب, ورافعي شعار "الوحدة أو الموت" واخذ يقظ مضاجعهم, إذ ان استكانة شعب الجنوب, لم تدم طويلاً, فسرعان ما نهض من تحت ركام الهزيمة، نافضاً عن نفسه غبارها, وخالعاً رداء الهوان, الذي فرضته, نتائج الحرب الظالمة عليه؛ فخرج مندداً مطالباً بحقه الشرعي, إذ أخذ يصول في ساحات وميادين بلده, التي اكتظت به معلنا عن ثورة سلمية قل نظيرها.
 ووفقاً لذلك، أصبح لزاماً, على من يدعون أنهم أسياده؛ استخدام كل وسائل البطش بلا تحريم, وأشدّها وحشية, لقمعه والتنكيل به، تقديسا ودفاعا عن مصدر ثراهم, المحلل في شرعهم, والقائم على قاعدة سياسية تفترض وجود خطر داهم, من عدو باع نفسه, لعدو آخر, يستهدف النيل منهم, و يتهدّد سرمدية الوحدة.
وهكذا, استمر الحال سجالاً, فـ سلطة صنعاء ظلت تناور وتناور, مراهنة على عامل الزمن, مع استمرارها في سياسة القمع, وتزوير الواقع, وإمعانها في ذلك, دونما تغيير ذي شأن، "باستثناء بعض التعديلات التي طرأت على المناصب, بتغيير أسماء ساسة لا سياسة", وفق مقتضيات فَرِضت عليهم إقليمياُ ودولياُ, للخروج من مأزق يخصهم وحدهم, ولا يعني أبناء الجنوب في شيء, وبالمقابل صعد شعب الجنوب, من نضاله السلمي, مبرهناً على قوة إيمانه, بعدالة قضيته, إذ حصنها الالتفاف الجماهيري الواسع, والذي يصعب تفكيكه, أو الالتفاف عليه, بعد ان تجدرت لديه مفاهيم العزة والكرامة, وأضحى متمسكاُ بحقه في الاستقلال, واستعادة كيانه بين الأمم.
ونظراً لإفتقار صنعاء, لحكم و قيادة رشيدة تقرأ الواقع بتجرد, وبعد أن أصبح سفراء بعض الدول في صنعاء يحكمونها من مكاتبهم, ولعدم اكتراثهم, وبمعية المبعوث الاممي "بن عمر"؛ بالواقع في الجنوب واقتناعهم دون أدلة, بتصريحات الرئيس التوافقي, وغيره من الساسة هناك؛ بأن الحراك الجنوبي مسلح, وتضمين ذلك تقاريرهم, واعتماد لغة التهديد لشعب الجنوب كمنهاج دأب على تكراره الكثيرين خلال الأيام الماضية, نرى أنهم قد حشروا أنفسهم في مدار دوامة بحر هائج "الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود", فعزوف الرعاة الإقليميين والدوليين لمبادرتهم, وبإيحاء من صنعاء, عن قراءة الواقع بموضوعية محايدة, سيزيد من إصرار شعب الجنوب وتمسكه بحقه, حتى يدرك هؤلاء الحقيقة التي يتغافلون عنها, وهي ان الوحدة قد نفقت, وبانتظار مواراتها الثرى, قبل أن تتعفن أكثر وتضر بمن حولها؛ وان شعب الجنوب خرج ولن يعود إلا باستعادة ما سلب منه عنوة من ارض وسيادة ودولة وثروة.
وبالتالي, فإنَّ المبادرة الخليجية قد أضحت في وضع لا يؤهِّلها لإعادة تشكيل المعايير, وتغيير التوقعات, وخلق حقائق جديدة, بعد ان اخلّت بأهم المفاهيم، التي عليها تتأسَّس وتبنى استراتيجيات التحكُّم بالأوضاع, وتغيّب 
منطق الإقناع والتحاور؛ ويقيناً أنَّ هدفاً كهذا، لن يؤتي أُكُلَه مع "إنكار الحق الشرعي للجنوب", فـ تحصيناتهم ومتاريسهم المبنية على باطل, أخذت في الانهيار الواحدة تلو الأخرى, وما يدّعون انه حوار قائم وبأُسسه الحالية, سيكون مجرد حبر دونت به نصوص على وريقات لا فائدة ترجى منها.

مقالات الكاتب