مؤتمر الحوار الوطني والمبادئ الحاكمة للحوار والدستور

310

• من الاتجاه العام التي تسير عليها لجنة الاتصال والتهيئة للحوار الوطني، من خلال متابعتنا لأنشطتها عبر الوسائل الإعلام الرسمية، أستطيع أن أستنتج، هذا، إن كان استنتاجي صحيحاً، ومن خلال إطلاعي على تاريخ وقرار إنشائها وكذا من خلال إطلاعي على مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي وآليتها التنفيذية المزمّنة والقرارات الإقليمية والدولية والمهام الوطنية الكبيرة التي يفترض أن يناط بها مؤتمر الحوار، وتحديداً استناداً إلى الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية والتي تحدد المهام التي يفترض أن يبحثها، أنقلها من نص الآلية التنفيذية المزمنة على النحو التالي :
(أولاً) : مؤتمر الحوار الوطني :
1- عملية صياغة الدستور، بما في إنشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد أعضائها.
2- الإصلاح الدستوري ومعالجة هيكل الدولة والنظام السياسي واقتراح التعديلات الدستورية إلى الشعب اليمني للاستفتاء عليها.
3- يقف الحوار أمام القضية الجنوبية بما يفضي إلى حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه.
4- النظر في القضايا المختلفة ذات البعد الوطني ومن ضمنها أسباب التوتر في صعدة.
5- اتخاذ خطوات للمضي قدماً نحو بناء نظام ديمقراطي كامل، بما في ذلك إصلاح الخدمة المدنية والقضاء والإدارة المحلية.
6- اتخاذ خطوات ترمي إلى تحقيق المصالح الوطنية والعدالة الانتقالية، والتدابير اللازمة لضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الأساسي مستقبلاً.
7- اتخاذ الوسائل القانونية وغيرها من الوسائل التي من شأنها تعزيز حماية الفئات الضعيفة وحقوقها، بما في ذلك الأطفال والنهوض بالمرأة.
8- الإسهام في تحديد أولويات برامج التعمير والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لتوفير فرص عمل وخدمات اقتصادية واجتماعية وثقافية أفضل للجميع.
• وبعد استعراض المهام المناط بمؤتمر الحوار، يتضح مدى أهميتها وضخامتها.
• أتمنى أن تكون لجنة التواصل قد شرعت في وضع على الأقل مشروع الإطار العام والمزمّن لهذه المهام، وما يقلقني أن شعار اللجنة الرسمي لم يتم الإعلان عنه إلا خلال الأيام القليلة الماضية، والذي يحث المصممين لإرسال تصاميمهم للجنة، وإذا ما كان قلقي صحيحاً وفي محله فقد ينتابني الشك في مدى قدرة اللجنة خلال الفترة الزمنية المحددة لها تنفيذ مهامها .
• وبكل حيادية وبمهنية أقول لقد وضعت القرارات الإقليمية والدولية التزامات مزمّنة أمام الجمهورية اليمنية، ولا أعتقد أن التهرب والتباطؤ (والفهلوة اليمنية) من أي طرف كان في هذه المرة ستمر بدون محاسبة إقليمية ودولية. ومن يريد أن يتمعن في ذلك، كل ما عليه أن يعيد قراءة قرارات مجلس الأمن، وكذا الأمر التنفيذي الذي أصدره رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام.
• أعتقد، ومن خلال الدراسة المتأنية والمحايدة والمهنية للقرارات الإقليمية والدولية بأن هذه القرارات، تتيح لكل الأطراف السياسية في اليمن حق المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، وبأن هذه القرارات تمنح لكل الأطراف السياسية حق طرح كل القضايا وبدون خطوط حمراء وكما تراها. وأعتقد أن هذه هي فرصة نادرة تمنحها هذه القرارات لكافة الأطراف السياسية بمختلف مسمياتها، ومن الصعوبة بمكان تكرارها خلال السنوات القادمة. وأعتقد كذلك أن هذه القرارات طوعية، ولا تُفرض بالقوة مشاركة أي طرف يعارضها، إلا من خالف أحكامها بالفعل، وأرجو كل الرجاء من يخالفني الرأي أن يستعين بخبرائه القانونيين أو بدور الاستشارات الوطنية أو الخارجية لدراسة هذه القرارات وتبعاتها.
• وأتمنى أن تكون لجنة الاتصال والتهيئة للحوار الوطني قد شرعت، أو الأقل، بدأت تفكر في الشروع في وضعت مسودات مبادئ، أو مسودات لقواعد عامة حاكمة للحوار الوطني، يتم التوافق عليها بين كل المتحاورين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تحديد المواضيع التي بحاجة لتوافق المتحاورين، وكذلك مدى حاجة الإجراءات التنظيمية للتوافق، كالقواعد العامة التنظيمية ذات العلاقة بعقد الاجتماعات، ورئاساتها واختيار قوامها والمصادقة على مقرراتها، ومدى حاجة الإجراءات التنظيمية لتوافق أم للتصويت، والنسبة المئوية للتصويت، ويدخل في نطاق ذلك إقرار قواعد الاستعانة باللجان الفنية والاستشارية وبالاستشاريين الخ.
• قد يعتقد البعض أن هذه الإجراءات التنظيمية يمكن القيام بها بكل سهولة، إلا أنه وانطلاقا من تجارب مؤتمرات الحوار الوطنية في دول ما بعد الصراع السياسي ، نرى أن هذه الإجراءات تستحوذ على كثير من الوقت، وتستنزف الكثير منه، وغالباً ما تمارس كمماحكة سياسية. ولهذا يجب النظر فيها وإقرارها منذ البداية أو التوافق عليها، وغالباً ما يحدث ذلك بحضور إقليمي ودولي.
(ثانياً) : صياغة الدستور وإنشاء اللجنة الدستورية :
• أما فيما يتعلق بعملية صياغة الدستور وإنشاء اللجنة الدستورية، فوفقاً لما تمت الإشارة إليه أعلاه في البند (1) يتضح أن أولى المهام المناطة بمؤتمر الحوار الوطني هي عملية صياغة الدستور، بما في ذلك إنشاء لجنة لصياغة الدستور وتحديد عدد أعضائها.
• تحدد الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية في مادة خاصة إنشاء ومهمة اللجنة الدستورية وذلك على النحو التالي :
- تنشأ حكومة الوفاق الوطني لجنة دستورية فور انتهاء مؤتمر الحوار الوطني في مدة أقصاها ستة أشهر وتكون مهمتها صياغة مشروع دستور جديد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها، وتقوم اللجنة باقتراح الخطوات الضرورية لمناقشة مشروع الدستور والاستفتاء عليه لضمان مشاركة شعبية واسعة وشفافة.
• وبناء على ما تقدم أعلاه في (ثانياً) فإن المهام المناطة بمؤتمر الحوار الوطني، مهام جسيمة وعظيمة تنحصر في صياغة دستور جديد تتم مناقشته على المستوى الشعبي وبصورة شفافة، وبعد ذلك يتم الاستفتاء عليه. وقلنا أن المهام جسيمة وعظيمة إذا ما أردنا أن نضع دستوراً وطنيا يجنب الوطن ويلات الأزمات. ويجب أن يتضمن هكذا دستور، كل المبادئ الجديدة التي تحتويها الاتفاقيات والعهود الدولية وخاصة تلك ذات العلاقة بحقوق الإنسان الأساسية السياسية والمدنية والثقافية. ومن الضرورة كذلك الاستفادة من الدساتير التي وضعتها العديد من الدول حديثاً التي تتضمن أحكاماً دستورية جديدة وخاصة الدساتير التي صدرت في دول ما بعد الصراعات السياسية، ولعل أهمها على سبيل المثال لا الحصر، ضمان المسار الديمقراطي، والرقابة الفعلية للبرلمان القادم على السلطة التنفيذية وخاصة فيما يتعلق بالموازنة العامة للدولة والرقابة العامة الفعلية والصارمة على المال العام والتصرف ومنح الامتيازات والحفاظ على الثروات الطبيعية، ونزاهة القضاء، وأخيراً يجب أن يتضمن مشروع الدستور أحكاماً ثابتة وواضحة لأية تعديلات للدستور بحيث نضع حداً (لترزية التعديلات).
• من خلال إطلاعي على المسودات ذات العلاقة بالدستور، ومن خلال حضور بعض الندوات، ومن خلال المتابعة لبعض الصحف الحزبية والأهلية، شعرت ولا زلت أشعر بخوف شديد من البعض، الذين يتناولون مهمة وضع مشروع دستور جديد بكل بساطة، بحيث أن البعض يتحدث بأن التغيير سيشمل فقط تغيير بعض الأحكام الدستورية ذات العلاقة بنظام الحكم كالأخذ بالنظام البرلماني أو المختلط. وفي هذا الصدد يجب أن تكون الغاية الأساسية لوضع الدستور تثبيت الأحكام الدستورية بشكل واضح بحيث يضمن حق البرلمان في الرقابة وكيفية ممارسة هذا الحق، حقوق المواطن الأساسية وإلزام الدولة بحمايتها. ويجب أن نتخلص من كل الصياغة الفضفاضة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنص المادة (41) من الدستور النافذ: " المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة". هذه صياغة فضفاضة، ويجب أن تحدد فيها المواطنة المتساوية وكيفية ممارستها، وحظر التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو المكانة الاجتماعية أو الآراء السياسية أو الإعاقة، ويجوز تقرير بعض المزايا للفئات التي تستدعي الحماية. وتنص المادة (4) من الدستور النافذ بأن: " الشعب مالك السلطة ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء والانتخابات العامة ..". هذه صياغة فضفاضة كذلك، ويجب أن تحدد فيها" نزاهة الانتخابات" وتحديد الجهة المشرفة على الاستفتاء والانتخابات وضمانات استقلاليتها مهما كانت تسميتها لجنة عليا، مفوضية الانتخابات الخ. والجدير بالإشارة أن الدستور النافذ لا يتضمن أحكاما بتعويض المواطن عن الحبس الاحتياطي، أو تنفيذ العقوبة بناء على حكم جنائي نهائي تم إثبات خطؤه.
• إن المشاركة الشفافة والشعبية لمشروع الدستور تتطلب وضع خطط محكمة للمشاركة الشعبية الواسعة في الجامعات والمراكز البحثية والاتحادات النوعية ولعل أهمها النقابات ذات العلاقة بحماية العمال وبالصحافة والإبداع ومنظمات المجتمع المدني. ويجب أن تتضمن هكذا خطط لجان استخلاص المقترحات وصياغتها ولا أنسى كذلك لجان الاستماع.
(ثالثاً) : إدارة الانتخابات في ظل الدستور الجديد
• تنص الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية في مجال إدارة الانتخابات في ظل الدستور الجديد على التالي :
- خلال ثلاثة أشهر من اعتماد الدستور الجديد، سيعتمد البرلمان قانوناً لإجراء انتخابات وطنية برلمانية، وكذلك انتخابات رئاسية إذا كان الدستور (الجديد) ينص على ذلك، وسيعاد تشكيل اللجنة العليا لشؤون الانتخابات والاستفتاء وإعادة بناء السجل الانتخابي الجديد وفقاً لما يتطلبه هذا القانون، وسيخضع هذا القانون لاستعراض لاحق من قبل البرلمان المنتخب حديثاً.
• وفي هذه العجالة يتضح ضخامة المهام المناطة بمؤتمر الحوار الوطني على ما ورد في (أولاً) و (ثانياً) و (ثالثاً) المشار إليها أعلاه. وأتوقع أن تبرز أمام المتحاورين جملة من القضايا التي يجب التوافق عليها وخاصة في مجال صياغة الدستور وأسلوب عمل اللجنة الدستورية.
• أعتقد أن هناك عدد من التجارب (يمكن الاستفادة منها) ، وخاصة تجارب دول ما بعد الصراع يمكن الاستفادة منها، ولا أقصد بالاستفادة بالنقل الميكانيكي، خاصة وأنه قد اتضح لنا مدى المعاناة التي عانيناها من الدستور النافذ، ولا نزال من النقل الميكانيكي من بعض الدساتير. ولهذا يمكننا الأخذ فقط ما يناسبنا ويناسب أوضاعنا من حيث الأفكار، كالأخذ مثلاً بالنظام البرلماني أو المختلط، أو فيما يتعلق بنظام القائمة النسبية، الأخذ بنظام القائمة النسبية المغلقة أو المفتوحة، أو الأخذ بالنظام المختلط الذي يجمع بين القائمة النسبية والفردية كما هو الحال في روسيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الاتحادية.
• وأخيراً أعتقد أن من الأفضل للمتحاورين مناقشة فكرة " المبادئ الحاكمة" والذي يسميها البعض المبادئ الأساسية للدستور، ومن تم التوافق عليها. وفي هذا السياق وعلى سبيل المثال لا الحصر، من الممكن التوافق على المبادئ الأساسية التالية :
- نظام الحكم فيدرالي/فيدرالي بكيانين/فيدرالي محدد بفترة زمنية/ حكم محلي كامل الصلاحيات/ الأخذ بنظام الأقاليم أو المخاليف الخ.
- الاتفاق على قواعد عامة للتداول السلمي للسلطة.
- تبعية مجلس الدفاع الوطني ورئاسته وأسلوب وضع ومناقشة موازنة الجيش والأمن، للبرلمان /للرئيس/للرئيس والبرلمان.
- حرية إنشاء الأحزاب بالإشهار أو عبر إطار معين يمنح الموافقة.
- نظام البرلمان : بغرفة / بغرفتين.
- النظام البرلماني / الرئاسي / النظام المختلط.
- الحقوق الأساسية للإنسان اليمني السياسية/المدنية/ الثقافية.
- حرية الصحافة/عدم جواز تقييد الصحف بترخيص وفرض الرقابة عليها/عدم جواز مصادرة الصحف بالطريق الإداري.
- الأساس الاقتصادي.
- النظام الانتخابي فردي/ بالقائمة النسبية /المغلقة/ المفتوحة/ المختلطة من القائمة الفردية والنسبية.
- نظام الكوتة للشباب والمرأة (وللعلم فإن الدستور المغربي الأخير يأخذ بمبدأ المناصفة).
- نظام الانتخابات المحلية.
- الرقابة المستقلة على الانتخابات والاستفتاء من قبل لجنة عليا/ مفوضية/ مفوضية سامية/ قضائية/ وتحديد ضمانات الاستقلالية.
- القواعد العامة لتحديث السجل الانتحابي.
- مدى رقابة مجلس النواب الفعلية على الحكومة.
- النظام القضائي.
- الأحكام الخاصة بتعديل الدستور.
- تبعية الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والأجهزة الأخرى كجهاز مكافحة الفساد، المفوضية / مجلس/ حقوق الإنسان الخ.

مقالات الكاتب